كان لكأس العام في نسخته الأخيرة 2022 – قطر كثير من الأمور غير المتوقعة والتي لها صدى في جميع أنحاء العالم على وجه العموم وفي عالمنا العربي والإسلامي على وجه الخصوص. كان هناك كثير من التكهنات والمراهنات أن البلد المستضيف غير مستعدة لمثل هذا الحدث، إضافة إلى الهجمة الشرسة التي تعرضت لها قطر بسبب تمسكها بالقيم والعادات العربية والإسلامية ابتداءً من منع المثلية أو ما يعرف “بمجتمع الميم” وحتى حظر المشروبات الكحولية داخل المدرجات والأماكن العامة فيها.
كل ذلك جعل فعاليات كأس العالم تقام في جو من التوتر وحالة من الأخذ والجذب وخاصة في الفضاء الإلكتروني المكون من معسكرين غربي وشرقي، ولكن الحق استطاع أن يشق طريقه بقوة عندما خاض صراعاً شريفاً مع الباطل. فلدى قطر ترسانة إعلامية قوية وظفتها بالشكل الصحيح أمام تجييش الغرب لإعلامه من أجل شيطنة الثقافة العربية الإسلامية التي أحاطت أجواء المونديال وأضفت عليه طابعاً خاصاً.
وقد أشاد الجماهير ومدربين وحتى السياسيين بهذا المونديال وعلى وجه الخصوص أشادوا بحجم الحماسة لدى المشجعين العرب ودورهم في إضفاء جو مميز على المدرجات وفي مختلف الساحات والميادين، وقد برز هذا التشجيع مع البداية القوية التي بدت عليها الفرق العربية مثل تونس والسعودية والمغرب.
وكان واضحاً جلياً أن الشعوب العربية تَتوق لتحقيق النجاح وخلق فرحة جديدة وفريدة. وقد أظهرت الجماهير العربية وحدة متماسكة عابرة للحدود وللقارات، وبدت الحدود التي رسمتها سايكس بيكو ولأول مرة حدوداً وهمية، فالوطن العربي قد توحد بهتافات واحدة تنبع عن مدى قوة الرابط الذي يربط هذه الشعوب مع بعضها بعضاً من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وكان كلهم يهتفون لحلم واحد وهو فوز فريق عربي في كأس العالم، والهتاف من أجل قضية واحدة وهي القضية الفلسطينية.
والجدير بالذكر أن هذه الوحدة العربية لم تنس القضية الأولى التي تجمعهم وأن كرة القدم لم تثنيهم عن جعل العلم الفلسطيني حاضراً في كل مباراة تقام وفي كل مجمع يجتمع فيه الجماهير العربية والإسلامية، حتى أن ذلك لفت انتباه العالم فقد كتبت في ذلك صحف عالمية غربية وتكلم عنها مشاهير عبر حساباتهم في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي حتى أنهم قالوا أن فلسطين هي الفريق الثالث والثلاثين المشارك في هذا المونديال؛ فلقد أظهر هذا المونديال حجم الوعي العربي والإرادة العربية تجاه القضية الفلسطينية ومدى كرههم للكيان الغاصب على أرض فلسطين الحبيبة. وأظهرت الشعوب العربية في أحداث متنوعة في قطر بأن الشعوب العربية تملك من الوعي تجاه قضاياها ما نفخر به أمام شعوب العالم. فالشعوب العربية هي صاحبة أرض وصاحبة حق وصاحبة مبدأ، وبأن الحق المسلوب لا بد أن يعود لأهله يوماً ما مادام أهل الحق متمسكين بحقهم.
إن من أهم الدروس التي يمكن لكل إنسان أن يدركها من هذا المونديال ألّا شيء مستحيل مع الإرادة.
وقد لمَّح بعض الشخصيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن وصول المغرب إلى الربع النهائي من هذا المونديال ربما يعود بشكل كبير إلى التشجيع والحماسة التي كانت حول فريقهم في المدرجات والتي لعبت دوراً كبيراً في تحفيز ورفع الهمم لدى اللاعبين، فالمشجعين حقيقة لم يكونوا فقط من المغاربة بل كانوا من جميع أقطار البلاد العربية والعالم الإسلامي وهذا يعني أن المدرجات كانت تتزين بلون العلم المغربي وكان جميع الجماهير تهتف بصوت واحد تشجيعاً للمنتخب المغربي حتى في أحلك اللحظات التي يوشك فيها الفريق على الخسارة تتحول في دائق قليلة إلى فرحة وفوز.
إن الأداء الذي أداه المنتخب المغربي يفوق كل التوقعات؛ فهو أول منتخب عربي يصل إلى الربع النهائي بعد فوز قويٍ ومدوٍّ على الفريقين الإسباني والبرتغالي اللذين كانا مرشحين بقوة للوصول إلى الربع النهائي. لكن أحلام تلك الفرق تلاشت وتهدمت أمام قوة وبراعة “أسود الأطلس” الذين أبهروا العالم وشحنوا البطولة بجوٍ من الحماسة، ليصبح هذا المونديال غير طبيعي وغير عادي ومونديالاً مميزاً.
لقد أظهر هذا المونديال أن لشبابنا العربي الحق بأن يحلموا ويحولوا أحلامهم إلى حقيقة واقعة، ولا يجب علينا أن نستهين بقدراتنا وعلى الحكومات العربية أن تؤمن بالشباب فهم صمام أماننا وهم مستقبلنا وبهم تبنى الأمم وتزدهر.