بسم الله الرحمن الرحيم
صدر حديثا عن مديرية الثقافة في أمانة عمان كتاب للدكتور أمجد أحمد الزعبي ،بعنوان :التاريخ السياسي والاقتصادي لألمانيا 1789-1849م ،دراسة في تجربة الاتحاد الألماني من خلال البرلمان القومي الأول “برلمان فرانكفورت “. والكتاب يمثل اضافة نوعية للمكتبة العربية في مضمونه وتغطيته لأحداث التاريخ الأوروبي بشكل عام والتاريخ الألماني بشكل خاص ،فهو يرصد هذه الاحداث ويحللها ويقدمها باسلوب شيق مدعما بالجداول والخرائط والصور من مصادرها الاولية وموثقة توثيقا علميا محكما وتستطيع أن تلمس الجهد الكبير الذي قام به المؤلف باستعراض الكم الكبير من المصادر والمراجع باللغتين الألمانية و الانجليزية. والكتاب من أوائل الدراسات العربية في التاريخ الاوروبي الحديث وأول دراسة علمية على مستوى الاردن في هذا المجال .
ينطلق المؤلف في الاطار النظري بنظرية مفادها أن البرلمان القومي الأول الألماني “برلمان فرانكفورت” هو نتاج التطورات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها المانيا في أعقاب الثورة الفرنسية والثورة الصناعية وصولا إلى الثورات الاوروبية وثورة آذار الألمانية 1848م ،وتشكيل البرلمان والوحدة الشعبية الأولى في التاريخ الألماني الحديث تلك الوحدة التي صنعتها الارادة الشعبية والتي أوصلت إلى البرلمان الفئة المثقفة والبرجوازية تلك الفئة التي تحالفت مع النظام القديم “النظام الاقطاعي والملكي الألماني ” لتسمح له ليعود إلى السلطة من جديد ،وتسمح بعد ذلك للعقلية العسكرية الألمانية لإحكام السيطرة على مقاليد السلطة وكما قال مهندس الوحدة الألمانية بسمارك : ألمانيا لا تنظر إلى بروسيا بوصفها دولة ليبرالية ،فورتمبورج وبادن وبافاريا تمثل هذه الليبرالية ،إلاّ أن أحدا لا يتطلع إليها…ولكن تنظر إلى ما تمثله من قوة ،إن بناء ألمانيا ووحدتها لن يتم من خلال الأغلبية والخطابات هذه كانت غلطة ثورة 1848-1849م وبرلمان فرانكفورت بل من خلال الحديد والنار…”.
يؤكد المؤلف في مقدمة الكتاب أن دوافعه لإختيار هذا الموضوع تكمن في التشابه بين التاريخ العربي المعاصر مع التاريخ الألماني في كثير من الجوانب وخاصة في مجال تعدد الدول الألمانية ونظام الكونفدرالية التي تم فرضها بعد تسوية فينا 1815م كنظام إقليمي سيطر على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية الألمانية ،والعداء الكبير من الدول المحيطة والدول الكبرى لأي مشروع وحدوي ألماني ، والتشابه الكبير أيضا في مجال الفكر القومي وتحديد الهوية ،التي استطاع الألمان تجاوزها وبناء دولتهم القومية عبر نضال طويل. ويضيف قائلا :”وقد لا يكون مبالغا فيه القول بأنه وعند مرحلة جمع المعلومات وترتيبها وتنظيمها وجدت نفسي كأنني أتعامل مع الواقع العربي الراهن بكل تناقضاته وبنيته الواهنة”.
تم تقسيم هذا الكتاب إلى تمهيد و أربعة فصول ،استعرض المؤلف في التمهيد العلاقة الجدلية بين الهوية القومية والدولة واللغة ،وتطرق للموقع الجغرافي والسكان والدول الألمانية التي كانت جزء من الإمبراطورية الرومانية المقدسة ،حيث غلبت على المانيا طابع الفسيفسائية نتيجة ضعف الامبراطورية وتحولها إلى طابع شكلي احتفالي فترواح عدد الدويلات الألمانية مابين 250-300 دويلة .
الفصل الأول: التحولات السياسية في ألمانيا من الثورة الفرنسية1789م حتى ثورة آذار الألمانية 1848م.استعرض فيه التحولات السياسية وخاصة مع انطلاق الثورة الفرنسية واستلام نابليون للسلطة ،حيث كانت الثورة الفرنسية وحكم نابليون عظيمي الأثر على ألمانيا ورسم الخريطة الألمانية حيث تم تقليص عدد الدول الألمانية إلى 40 دولة ،وتطرق المؤلف إلى دور بروسيا ورئيس وزرائها شتاين الذي آمن بالثورة الفوقية كحل للتناقضات الاجتماعية والسياسية وبالملكية الدستورية،فعمل على اشعال الحس القومي الألماني للتحرر من حكم نابليون وبناء المانيا الملكية على اسس جديدة . مثل مؤتمر فينا 1815م وبناء الكونفدرالية الألمانية خيبة أمل كبيرة للقوميين الألمان وظهور قوانين ميترنيخ البوليسية المتمثلة بقوانين كارلزباد والتي مثلت احكام السيطرة على الجامعات والصحافة وغدت الكونفدرالية الألمانية وسيلة ميترنيخ للسيطرة والمطاردة والاعتقال والعائق الرئيس في وجه تحقيق الوحدة الألمانية ،فكان الألمان في هذه المرحلة متقدمين في النظرية السياسية متخلفين في النظام السياسي الاقطاعي الذي بقي مسيطرا على مجمل الحياة السياسية والدستورية والبرلمانية من مؤتمر فينا إلى ثورة آذار 1848م.
الفصل الثاني:التحولات الاقتصادية والاجتماعية من الثورة الصناعية إلى ثورة 1848م،حيث عرض فيه التحولات الاقتصادية على صعيد الدول الألمانية والتي قادت إلى ثورة 1848م ،فقد تناول الثورة الصناعية و أثرها على ألمانيا وتوطن الصناعة وما رافقها من أزمة اجتماعية 1815-1848م، ثم استعرض الاتحاد الجمركي الألماني “التسولفراين” وبنيته الاقتصادية وأثره على ألمانيا.
الفصل الثالث: ثورة آذار1848م والبرلمان التمهيدي.عرض في هذا الفصل مقدمات الثورة وتعدد البيانات والحركات المطالبة بالاصلاح وبدايات تشكل الصالونات السياسية وصدور البيان الشيوعي الاول ،وموقف الملك فردريش الرابع من الحركة الليبرالية ،والصراع الديني ،وانتقل للحديث عن اشتعال الثورة في شباط في باريس1848م لتنتقل ككرة لهب إلى باقي العواصم والمدن الاوروبية وخاصة في الدول الألمانية والنتائج التي ترتبت عليها من انتصار الإرادة الشعبية ،وتشكيل البرلمان التمهيد وأبرز النقاشات التي جرت فيه حتى تشكيل لجنة الخمسين التي أوكل إليها مهمة الإعداد للبرلمان القومي الذي عقد في فرانكفورت .
الفصل الرابع: البرلمان القومي الأول “برلمان فرانكفورت “والاتحاد الألماني. استعرض فيه الانتخابات الألمانية العامة وتشكيل البرلمان ،وتقسيمات البرلمان ورئاسته والاتجاهات السياسية التي ظهرت فيه وإقرار الدستور ولائحة الحقوق الأساسية للشعب الألماني والتي عُدت أبرز انجازات البرلمان .وأخيرا حل البرلمان ونهاية التجربة الوحدوية الألمانية الأولى.
ويخلص الكتاب إلى أن تجربة الاتحاد الألماني من خلال البرلمان القومي الأول “برلمان فرانكفورت” شكلت بعثا جديدا للفكر القومي الألماني بصورة مجسدة بقيت حية في العقلية الألمانية ،والتي كانت قبل البرلمان تحمل في طياتها تضادا كبيرا ما بين الفكرة القومية والفكرة الوطنية المحلية ، مابين الكاثوليك والبروتستانت وما بين ألمانيا الكبرى وألمانيا الصغرى ، ناهيك عن التوترات الاجتماعية ،فبرلمان فرانكفورت طرح كل هذه المسائل في وقت مبكر ليدور حولها النقاش والبحث ما بين 1849م هزيمة الثورة والبرلمان وحتى مطلع حروب بسمارك التي استهلها عام 1863م بالحرب على الدنمارك، والتي انتصرت فيها الثورة الفوقية ولكن ليس من خلال الإصلاح الدستوري ورغبة العيش المشترك كما تخيل برلمانيو فرانكفورت ، بل بالحديد والنار وبنفس الطرح الذي كان يطرحه الليبراليون الراديكاليون بأن هؤلاء الأمراء لن يستجيبوا لكل التطلعات الجماهيرية بالوحدة ،وإن الحفاظ على عروشهم وسلطاتهم وامتيازاتهم هو أمر طبيعي بانتصار النزعة الإقليمية، والتي لن تتم من خلال الخطابات أو صناديق الاقتراع .فمثل هذا الطرح كان في النتيجة واحدا ؛ولكن مع البون الشاسع في الآلية ما بين سلطة الشعب وسلطة مطلقة تفرض ما تراه هي أنه يصب في المصلحة القومية العليا .
ومن الجدير بالذكر أن الدائرة الثقافية في أماتة عمان تقيم حلقة نقاش حول الكتاب في مبنى الامانة –راس العين المركز الثقافي الملكي في القاعة رقم 2 في الساعة السابعة من مساء يوم السبت 9/7/2011،ويشارك في النقاش الدكتور عبد الله نقرش من كلية الدراسات الدولية في الجامعة الاردنية ،والدكتور نظام بركات من قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك ويدير الندوة الدكتور بكر خازر المجالي .
———————
البريد الالكتروني : amjadzoube@yahoo.com