#شكراً_غزة
م. #أنس_معابرة
ربما يمكننا القول بأن الحرب قد وضعت أوزارها في غزة، وأقول ربما؛ لأن العدو غادر بطبيعته، ولا تؤمن غدراته، ولكن حسب الإدارة الأمريكية الجديدة الآن وقوانينها التي تسعى لإدارة الاعمال والاستثمار وتحسين الوضع الاقتصادي، يجد العدو نفسه أمام خيار الرضوخ لقوة المقاومة فقط.
نعم؛ لقد قدمت غزة الثمن الباهظ في هذا العدوان، وخسرنا عشرات الآلاف من الشهداء، كل واحد منهم أب أو أبن أو أم أو ابنة، وكل واحد له عائلة تبكيه، ولكن نسأل الله أن يتقبلهم شهداء، أو يجعلهم شفعاء لأهلهم يوم القيامة.
لا يمكننا استخلاص الدروس من حرب غزة فقط، بل هي درس بحد ذاتها، درس ستظل صفحاته مفتوحة مشرقة في كتب التاريخ مهما طال عليها الزمن، وستظل ناراً تحرق كل من تخاذل في نُصرة المقاومة، والوقوف إلى جانبها.
هي درس في الصمود؛ حين وقف ثلة من المقاومين الأشاوس أمام أعتى جيوش الأرض، جيش مسلّح بأعتى أنواع الأسلحة، وتحالفت معه أقوى القوى في العالم، فوقفت معه أوروبا وامريكا ودول كثيرة قريبة وبعيدة، وفتحت له مخازن الأسلحة ليختار ما يشاء.
بينما لم تتوان كثير من الدول عن مده بالإمدادات الغذائية والعلاجية والصناعية، وسُخّرت موانئ للتصدير، وشوارع للمرور، وبوابات للعبور، ومطارات للشحن، من أجل امداد العدو بكل ما يحتاجه في عدوانه على قطاع يحاصره منذ عشرات السنوات.
وهي درس في الولاء، الولاء الحقيقي للعقيدة ولله، وتمسك بالثوابت الايمانية، وترك للطائفية والعنصرية والقومية والنفسية، تلك التقسيمات البالية التي زرعتها قوى الاستعمار في نفوسنا على مدى القرون الماضية، ولكن نجحت غزة في استئصالها من جذورها، وبات أهلها على قلب رجل واحد.
وهي درس في العطاء، بالأمس خرجت الأسيرات الثلاث بكامل الصحة والعافية، بينما سقطت ثلة من قادة المقاومة وأفرادها تحت وابل النيران والقصف الأعمى، وآثروا سلامة الأسرى لضمان نجاح صفقات التبادل، وتحرير أهلنا من سجون الاحتلال المظلمة.
ولا ننسى الملثم البطل، حين أطلّ علينا في بداية الحرب، كان واسع الصدر عريض الكتفين، ممتلئ بالصحة والعافية، وبالأمس كان ضعيف الجسد، قد خسر عدة كيلوجرامات من وزنه في هذ الحرب التي أغلق فيها العدو المعابر، وحارب أهل غزة بلقمة الغذاء وشربة الماء والعلاج، على مرأى العالم المشلول ومسمعه.
وهي كذلك درس لأولئك المتخاذلين أمام ساداتهم من العدو المحتل ومن تحالف معه، الذين ما فتئوا يبثون بذور الفتنة بين الناس، ويحاولون تثبيط عزيمة الأبطال هناك، ولكن ظهور المقاومة يوم أمس لحظة تسليم الأسرى بكامل العدة والعتاد، وبقدرتهم العالية على السيطرة هي الرد الأمثل على هؤلاء المغرضين.
هي درس للاحتلال بان النصر قد يطول، ولكنه سيتحقق بإذن الله، فأين هي أهداف عدوانكم على غزة؟ هل أنهيتم وجود المقاومة هناك؟ هل أعدتم احتلال قطاع غزة؟ هل ستبقون قوات لكم هناك؟ هل ستسيطرون على معبر رفح الحدودي؟ هل استعدتم أسراكم بالقوة؟
لم يتحقق هدف واحد لهم في غزة، نعم استشهد عشرات الآلاف من أهلنا هناك، وجرح مئات الآلاف، وهدّم 80% من قطاع غزة، ولكن في حساب المعارك؛ لم يحقق الجانب الأقوى عسكرياً أهدافه، وبالتالي هو خاسر بكل معنى الكلمة.
بل فرضت المقاومة كلمتها العليا وأجبرت الاحتلال على التوقيع على اتفاق متعدد المراحل لإنهاء تلك الحرب، ومقابل الأسيرات الثلاث: أطلقوا سراح 90 أسيراً من سجون الاحتلال رغم أنفه.
دعك من تصريحات اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال، فهم أبواق إعلامية لإرضاء جماهيرهم الغاضبة بعد الهزيمة المُذلة التي لحقت بهم، فحزبهم المتطرف قائم على أساس عدم تخلي الاحتلال عن أرض احتلها، وعدم إطلاق سراح أسير واحد من أهلنا في فلسطين، وهي ذات المبادئ التي أشعلت المقاومة بها النيران يوم أمس.
أغضبتم لماذا لم تشكرنا المقاومة؟ هل نحتاج أن تشكرنا على عدة كيلوجرامات من الغذاء ألقيناها على قطاع غزة في استحياء؟ أم تشكرنا على عدة شاحنات من الأكفان التي بعثنا لهم بها؟ لأم تشكرنا على تصريحاتنا وشجبنا واستنكارنا؟
هي شكرت أخوة الدم، من آثروا الوقوف إلى جانبهم في حربهم، واختلطت الدماء بالتراب، وهُدّمت صوامع ومساجد ومنازل على رؤوسهم، وخسروا الآلاف من الشهداء في سبيل دعم المقاومة وتشتيت العدو.
نحن لا ننتظر شكراً من المقاومة، بل نحن من يقدم لها الشكر. فشكراً غزة.