سيبقى المنسف سيدا والجميد كالقلعةِ رمزا / د . حسين محادين

خاص – سواليف

سيبقى المنسف سيدا والجميد كالقلعةِ رمزا ..

للأردن جهات أربع للنبض ،أما نسغها الجامع فهو المنسف الأردني بجميده الكركي كالقلعةِ سيدا؛ فالجميد صنو الاردنين ؛ ومع هذا فهو ليس “ضرسا ” فقط بل؛هو أيضا موصل وفاصل لحواس الاردنين في كل جمعّاتهم المبنية على الكرم والانحياز للواجب ولو في بعضهم غصاصة منه هذه الأيام… ؛ هكذا هم أهلُنا في كل القرى والمدن والمخيمات بجسد الوطن وضيوفنا الكُثر فيه من العرب والأجانب والحمد لله.
*انه “الضرس” الاسم الحركي للمنسف ؛صغير في حجمه ولود في بنيته ومعانيه المصاحبة لعفته، فهو الذي تتحطم عليه وعبره قوة حضوره كل قسوة الحياة ومصاعبها التي تُشغل صانعيه وفاء منهم للحفاظ على رمزيته الجامعة، لذا ينشغل كل النشامى والنشميات دائما في كيفية وضرورة إتقانهم له كي يكون كأنُفس وطيب صانعيه عندما يقدمونه لضيوفهم ولشرائه من الآخرين. ومن هنا نفهم معا لماذا يعتز الصانع والمشتري معا في القول وبلغة الواثق أن هذا الجميد كركي سلطي اربدي طفيلي ..الخ وهذه سمة أردنية مدهشة ولافته تشعل الأحاديث عن الجميد والتغني بأصوله مع النفس والآخرين.
*الجميد والمنسف في المحصلة معا يُشكلان هوية مميزة لطعام أبناء الوطن وضيوفهم الكُثر؛ وهما المرتبطان في بهذا التميز:-
1- بدرجة جودة “عوسهما ” أي مهارة طبخه من قِبل الرجال والنساء دون تردد لاسيما في المناسبات العامة وهذه ميزة أضافية جامعة تُسجل له.
2- بكيفية تقديمه متقنا بشوشا في وجه مُنتظريه محِلية او غُربيه. إنهما (الجميد والمنسف) معا اختمار حضاري لصيرورة الذائقة الأردنية التي نضجت بِعفة الصحراء وصرامة الشهداء وخُضرة الجبال عبر الأجيال في كل المناسبات الدينية والوطنية وإصلاح ذات البين في مسيرة حياتنا ؛ وقيمِها المتميزة بالكرم والمغالبة مع الطبيعة والهويات المتزاحمة .

* المنسف ليس غذاء مجرداً يُمكن أن يُصاب الأردنيون بسوء تغذية فيه حال نقصه أو رفع الضريبة على مكوناته كما الحال عند آخرين ؛ بل هو طعام جامع بين مكوناته و مناقلات الحديث في معانيه وطرق الجلوس لمتناوليه، ودرجة “خثور” أي كثافة اللبّن المُشربة عليه .
المنسف منظومة أعراف وانضباط متواتر من التفاعل مع آداب الطعام أردنيا و رسالة من المعزّب الى الحاضرين بأن يبقوا وقوفا وبشكل دائري على أطوالهم كقامة جبال الوطن و رجاله وكي لا يشبع الضيف سريعا عندما يكون جالسا ، انه اكتمال المعنى على صعيد المشاركين و المتحدثين معا عن مبررات تقديمه في هذه المناسبة الفرحة أو تلك الحزينة على حد السواء، انه الارتقاء بالذائقة العفيفة نحو تخمة المعاني و توالد الدلالات الاجتماعية والثقافية ؛ محبة و معرفة لواجب الحاضرين و المُلبين لدعوة القائمين عليه من الأجاويد والمحبين .
أخيرا, فالمنسف منظومة حياة ولغة تفاعل جامعة هو حد فاصل بين كرم المعزب مكانة ضيوفه؛ فيقال بالأردنية الدارجة أن فلان ضيف لحم ، او أن بعض الضيوف ذبائحهم على المفصِل تعبيرا عن مقامهم و عن معرفة المعزب لواجب و مكانة هؤلاء الأخيار.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى