سوريا الجديدة: ضرورة الانفتاح العربي للحفاظ على وحدة أراضيها ومستقبلها

#سوريا_الجديدة: ضرورة #الانفتاح_العربي للحفاظ على وحدة أراضيها ومستقبلها
بقلم: أ.د. #محمد_تركي_بني_سلامة

مع #سقوط_نظام_بشار_الأسد، تجد سوريا نفسها في مفترق طرق تاريخي. هذه اللحظة ليست مجرد انعطاف في السياسة الداخلية السورية، بل هي لحظة حاسمة تعيد تشكيل ملامح المنطقة بأسرها. يتطلب هذا الواقع الجديد تحركًا عربيًا سريعًا وفعالًا لضمان الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، بما يخدم مصلحة سوريا أولًا، والأمن القومي العربي ثانيًا، والمجتمع الدولي ثالثًا.

تشهد القيادة الناشئة في سوريا، ممثلة بهيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد حسين الشرع (أبو محمد الجولاني)، تحولات بارزة. فقد بدأت الهيئة في النأي بنفسها عن جذورها الجهادية ومحاولة إعادة تشكيل صورتها كقيادة سياسية جديدة تسعى لبناء دولة مدنية تحمي حقوق جميع مكوناتها. تصريحات الهيئة الأخيرة التي تؤكد حماية الأقليات ورفض أعمال الانتقام تعكس تغيرًا جوهريًا في نهجها. هذا التغير دفع دولًا غربية مثل ألمانيا إلى إعادة تقييم مواقفها تجاه الهيئة، مستندة إلى أفعالها المستقبلية وليس ماضيها.

لكن، هل يمكن للعرب أن يتركوا هذا التحول في يد القوى الدولية وحدها؟ الإجابة بكل تأكيد: لا. سوريا ليست مجرد دولة مجاورة، بل هي ركن أساسي في الأمن القومي العربي. ترك هذا الفراغ للآخرين، سواء كانوا إسرائيل أو تركيا أو إيران، سيشكل خطرًا مباشرًا على استقرار المنطقة. إسرائيل، على وجه الخصوص، لم تخفِ نواياها في استغلال الوضع السوري لتحقيق مكاسب استراتيجية، سواء عبر تعزيز وجودها العسكري أو استهداف مواقع حيوية في سوريا.

مبادرة عربية شاملة ضرورة لا خيار
لمواجهة هذا الواقع، يتعين على الدول العربية أن تطلق مبادرة شاملة تتجاوز التصريحات إلى أفعال ملموسة. هذه المبادرة يجب أن تركز على الانفتاح على القيادة الناشئة في سوريا ودعوتها إلى طاولة الحوار، مع بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

دعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في سوريا لا يخدم سوريا وحدها، بل يعزز الأمن الإقليمي ويمنع أي تدخل خارجي قد يملأ الفراغ. ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بكرامة وأمان يجب أن يكون أحد الأهداف الرئيسية لأي مبادرة عربية، وهذا لا يمكن تحقيقه دون تحقيق استقرار سياسي واقتصادي شامل.

الدول العربية المجاورة، وعلى رأسها الأردن ولبنان والعراق، يجب أن تكون في مقدمة الجهود الرامية لدعم سوريا الجديدة. الأردن، بفضل موقعه الاستراتيجي ودوره الإقليمي الفاعل، يمكن أن يكون الوسيط المثالي لتقريب وجهات النظر بين سوريا والدول العربية. لبنان، الذي عانى طويلًا من تداعيات الأزمة السورية، له مصلحة مباشرة في تحقيق استقرار دائم في سوريا، بما يسهم في تحسين أوضاعه الداخلية. العراق، الذي يشارك سوريا في تحديات عديدة، يمكنه أن يلعب دورًا بارزًا في إعادة بناء العلاقات الإقليمية مع القيادة السورية الجديدة.

الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها
الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية. سوريا الموحدة والقوية تخدم مصلحة المنطقة بأسرها، وتمنع أي محاولات لتقسيمها أو استغلالها من قبل قوى أجنبية تسعى لتحقيق مكاسب على حساب استقرارها.

سوريا الجديدة تشكل أيضًا فرصة للدول العربية لتعزيز حضورها في المشهد الدولي، من خلال تبني سياسة متوازنة تدعم الحلول السياسية المستدامة. مثل هذا التحرك يبعث برسالة واضحة إلى العالم بأن العرب قادرون على قيادة جهود إعادة الاستقرار في المنطقة، دون الحاجة إلى تدخلات أجنبية.

التحولات الجارية في سوريا تفتح نافذة نادرة للتغيير، لكنها لن تدوم طويلًا إذا لم يتم استثمارها بحكمة. الدول العربية، إذا تأخرت، ستترك المجال مفتوحًا لقوى أخرى لتحدد مستقبل سوريا بعيدًا عن المصالح العربية. التحرك العربي اليوم لا يضمن فقط استقرار سوريا، بل يحمي أيضًا الأمن القومي العربي من التداعيات السلبية للأزمات الإقليمية المتفاقمة.

في الختام، سوريا ليست مجرد دولة عربية، بل هي جزء من الهوية العربية والإسلامية. تركها تتعرض لمزيد من التفكك يعني خسارة لا تعوض للأمة بأكملها. المبادرة العربية اليوم قد تعيد لسوريا مكانتها وتضمن مستقبلًا مشتركًا آمنًا ومستقرًا. هل ستتحرك الدول العربية لتكون جزءًا من الحل؟ أم أنها ستتأخر لتكون شاهدًا على أزمة جديدة تُفرض عليها؟ الإجابة تكمن في الإرادة السياسية والوعي بأهمية التحرك الجماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى