سقف السيل وشارع الطلياني..شهادة من وسط عمان..

#سقف_السيل و #شارع_الطلياني..شهادة من #وسط_عمان..

#منى_الغبين..

حين تذهب الى وسط البلد لا تحتاج إلى ابلكيشن وخرائط جوجل .. ستعرف انك بسقف السيل فورا… ستسقبلك الرائحة قبل المشهد،، وفوضى والوان واشكال..

تتمشي وتشعر أن كل شيء متعب،،وأن الناس فيه مغضوب عليهم متروكون لمصير مجهول وكأن العاصمة قررت أن تغض الطرف عن قلبها…

يحدثني والدي أن سقف السيل كان نهرا يجري به الماء،،ويعج بالبط.. وعلى جانبيه أشجار،،وعربات بسيطة للشوام والشركس ،،وسوق يعرف بسوق اليمانية وعلى الطرف المقابل سوق الحلال ، ويعرف بسيل عمان الذي ما زال حاضرا في ذاكرة الآباء…
لا في أرشيف المكتبات وصور المستشرقين.. كان حيا، نظيفا،، وإنسانيا بما يكفي ليشعر الناس أن لهم مكانا في مدينتهم البكر ..
ثم جاء من طمر السيل،،قيل حينها للضرورة،، قد تكون الضرورة مبررا لموقف ما ،، ولكن الذي لا مبرر له هو ما حصل لاحقا أصبح المكان بلا رؤية أو متابعة،، بلا تقدير لتاريخه أو لمن يعيشون فيه!!! تحول السيل من شريان حياة إلى شارع بلا نظام .. سقف السيل تشاهد به كل شيء ،، سيارات وباصات ومشاة كلهم في نفس المسار!! أرصفة لا تشبه الأرصفة،، محلات مبنية بلا تخطيط،، واجهات بلا هوية،، وبسطات تزاحم الإنسان والمكان..
تمشي بحذر،، ليس لأن الشارع مزدحم، بل لأن الشارع لا يعترف بحقك في المشي أصلا.
وشارع الطلياني،، القريب والملاصق لمشهد سقف السيل،،
كان شارعا تجاريا معروفا،، حيوي وبه حركة تجارية معروفة ،، اما اليوم فكثير من محلاته مغلقة،، وبعض الدكاكين والمحلات ما زالت صامدة لأن أصحابها لا يملكون خيارا اخر…
وما بين سقف السيل وشارع الطلياني يوجد سوق اخر يعرف بسوق الحرامية،، تظهر صورة الفقر بلا أي روتوش… حتى الاسم ظالم،، فلا يكفي قساوة المكان ،، الحقيقة أن هذا السوق هو سوق الفقراء،،فقراء تبيع المستعمل.. أدوات متنوعة من أجهزة واثاث يفرح لها فقير اخر.. الباعة ليسوا خارجين عن القانون،، بل لا احد يهتم بهم،،وكأن الفقر لا يستحق إلا التجاهل والاهمال ..
الرائحة الكريهة التي تملأ سقف السيل،، إهانة يومية.. نتيجة شبكات صرف قديمة مهملة، فالفتحات مكشوفة،، نفايات بكل مكان ومحلات ترمي مخلفاتها بلا مسؤولية..
الحقيقة القاسية أن القاذورات لم تأت من السماء، والمكان لم يتسخ لوحده .. بل هناك مواطن غير مسؤول يرمي ويبصق ويكسر ! ثم يلعن الإهمال وأمانة عمان..
وهذا السلوك غير الحضاري لا يمكن تبريره بالفقر وحده!!.
بل البعد وفقدان الانتماء..
والحقيقة الاكثر ايلاما حين يشعر الإنسان أن المكان لا يحترمه،، يتوقف هو أيضا عن احترامه..
وخلال جولتي في وسط البلد،، التقيت بسياح أميركيين… كانوا فضوليين لم يكونوا متعالين ولا ساخرين..أحبوا الناس وأشادوا بالدفء،، لكنهم استغربوا حال وسط العاصمة!!.
كانوا يتوقعون داون تاون منظما، يحمل طابعا تاريخا،،لا هذا التشابك بين الإهمال والفوضى. أحدهم قال كنت اتوقع ان اشاهد تنظيما يليق بالعاصمة عمان!!
المسؤولية بالتأكيد مشتركة،، لكنها ليست متساوية.. أمانة عمّان تتحمل العبء الأكبر.. التنظيم والصيانة متقطع والرقابة شكلية،، وحقوق المشاة مهملة بلا تنظيم سقف السيل والطلياني يحتاجان إلى قرارات صارمة..
تنظيم حركة السير،، فصل المشاة عن السيارات،، وحبذا لو كان فقط الشارع كله للمشاة به عربات خيل أسوة بالدول المتحضرة ،، معالجة الصرف الصحي من جذوره،، توحيد الواجهات بشكل يرمز أكثر لتاريخ عمان ،،وتنظيم الأسواق الشعبية بدل تركها عشوائية..
وفي المقابل،، على المواطن أن يحترام المكان ليس بالشعارات والمنشورات ..بل يجب أن يكون سلوك ومسؤولية .
سقف السيل لا يحتاج مهرجانات ولا لافتات.. أنه قلب المدينة الذي يحتاج أن يشعر الفقير فيه أنه إنسان،،فالعاصمة التي تهين داون تاونها،، تهين صورتها وناسها وتاريخها معا..
سقف السيل وشارع الطلياني ليسا مجرد شوارع..بل ضمير المواطن والمدينة عمان .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى