زياد ابحيص يكتب .. ما بعد الرد على خطة ترامب

#سواليف

كتب .. #زياد_ابحيص

بعد تجنّب سيناريو العزلة العربية والإسلامية التي حاولت #خطة_ترامب والضغوط المصاحبة لها فرضها، وبعد ما بُني من إجماع فصائلي وعربي وإسلامي حول الرد، وقبول ترامب به من حيث الشكل، بما أفقد# الاحتلال مبرر #استمرار_الحرب رغم عزم #نتنياهو وأركان حكومته على مواصلتها باعتبارها حرب حسم على كل الجبهات، فإن ما جرى تجاوزه يُعد عقبة أولى صعبة ضمن مجموعة عقبات لا بد من التفكير المتأني في طريقة تجاوزها:

العقبة الأولى: اختزال المبادرة بتسليم #الأسرى، خصوصاً وأن ترامب لم يكن يذكر في كل ما يحصل إلا استعادة هؤلاء الأسرى الإسرائيليين، ولم يكن يبدي تعاطفاً إنسانياً إلا مع عائلاتهم، وهو في الغالب يرى أن إعادة الأسرى الإسرائيليين أحياءً وأمواتاً هي ما يستحق عليه جائزة نوبل للسلام، وليس #وقف_الإبادة والتجويع وقصف المستشفيات.

التحدي هنا يكمن في كيفية تحويل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين –والمشروط كخطوة أولى في 72 ساعة وفق مبادرة ترامب– إلى محطة تضمن وقف الإبادة والتجويع، من خلال موقف علني واضح يُلزم الولايات المتحدة وشركاءها العرب الذين أيدوا المبادرة بمنع عودة الحرب وضمان وقفها.

لا شك أن هذا التحدي صعب ومعقّد، فقد أثبت علماء النفس الأميركيون أن ترامب يكذب في 76% من وعوده حتى وإن كان قد قطعها علناً، ولا يشعر بأي حرج في ذلك أو حاجة للتصحيح، كما أن نتنياهو مشهور بين الإسرائيليين أنفسهم بأنه لا يجيد شيئاً أكثر من الكذب، أما الحلفاء العرب والمسلمون فهم في أحسن الأحوال يفتقدون أدوات الإلزام لمنع تمرير مثل هذا الكذب.

هذا يفرض بالضرورة التفكير في آليات ضمان عملية متعددة الأطراف، مثل أن يُشترط للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الدخول المفتوح لوكالات الأنباء والصحفيين الأجانب والهيئات الحقوقية، وأن يتزامن الإفراج مع دخول فرق من الصليب الأحمر ومنظمة الغذاء العالمية وكبرى المنظمات الإغاثية والصحية من خارج غزة والتأكد من انتشارها في مختلف أنحائها، وأن تلتزم الدول العربية والإسلامية المؤيدة للخطة بنشر فرق إغاثية وصحية ومستشفيات ميدانية تضم على الأقل مئات أو آلافاً من رعاياها، وأن يجري الضغط الفعلي لدخول وفود برلمانية عالمية تبادر إلى التوجّه إلى غزة لتفقّد آثار المجاعة ومخيمات النزوح، بما يجعل استئناف الحرب عبئاً على الجميع لا نزهة سهلة.

العقبة الثانية: خلت مبادرة ترامب من أي أفق يتعلق بمصير أهل غزة أو فلسطين وشعبها عموماً، ما يعكس نظرته إلى الصراع باعتباره “مهمة استعادة رهائن” فحسب. ولا بد اليوم، من خلال التفاوض، أن يُستعاد قدر من التوازن ما دامت المبادرة قد قُبلت شكلاً، وأن يجري الضغط على الوسطاء العرب وحلفاء أميركا المؤيدين للخطة بأن تقدّم التفاوض مرهون بحديثهم العلني عن هذه القضية، وبما يضمن أن تضاف إلى الخطة رؤية واضحة تجاه غزة وشعبها من حيث الانسحاب والإغاثة وإعادة الإعمار، وفلسطين عموماً على الأقل من خلال نصّ الصفقة على منع ضم الضفة ووقف العدوان على المسجد الأقصى، والتزام الولايات المتحدة بذلك في وثيقة مشتركة مع حلفائها الذين أيدوا المبادرة، بما يعيد للمبادرة توازنها ويضع حداً أمام نية نتنياهو مواصلة حرب التصفية على كل الجبهات، أو على الأقل يضمن عدم شراكة الولايات المتحدة في مسعى كهذا.

العقبة الثالثة: تحويل سحب السلاح إلى عقدة وقف الحرب. سيعمل الاحتلال والولايات المتحدة والقوى الأوروبية الاستعمارية على جعل مسألة سحب السلاح عقدة أمام وقف الحرب، وتحميل المقاومة المسؤولية عن استئنافها أو عدم وقفها لعدم وفائها بهذا الشرط. وهذا يقتضي بالضرورة أن تتزامن إجراءات تسليم الأسرى –إن تمت– مع حراك فصائلي واسع يؤكد أن مصير السلاح وتقرير المصير شأن لا يمكن لأي فصيل منفرد أن يقرر فيه، بل هو شأن فلسطيني جامع مشروط بتحقيق الإجماع الوطني التام. وما لم تتحقق شروط هذا الإجماع وتتاح شروط توحيد الصف الفلسطيني فإن هذا الأمر يبقى خارج أي بحث أو نقاش. ولا بد هنا من تكامل الأدوار مع بقية الفصائل بهذا الشأن، وأن تكون حركة حماس جزءاً من حراك واسع للفصائل.

العقبة الرابعة: من المفهوم لدى الجميع أن قبول ترامب برد حركة حماس لم يكن هو رد الفعل الذي ينتظره الإسرائيليون، الذين قالوا بوضوح إن تفسيرهم للرد مختلف تماماً عن تفسير ترامب له. وهذا يعني أن الإسرائيليين سيستنفرون في الفترة المقبلة كل أدوات الضغط والتأثير على الرئيس الأميركي، سواء عبر الكونغرس أو مجلس الشيوخ أو من داخل إدارته أو من محيطه المقرب عائلياً أو من رجال الأعمال، كما أنهم لن يوفروا أدوات الابتزاز التي تؤكد شواهد كثيرة أنهم يمتلكونها ضده، خصوصاً في ملف إيبستين، وهو ما يجعلهم يعوّلون على تغيير موقفه لصالحهم مع طول النَفَس وتكثيف الضغط.

في المقابل، فإن حركة حماس لا تملك أدوات تأثير سوى الانفتاح على بعض الإعلام المناهض في الولايات المتحدة ومحاولات تسجيل اختراق عبره لنقل رؤيتها وروايتها ورواية الشعب الفلسطيني. لكنها تملك أيضاً مطالبة الوسيط القطري، الذي يملك الكثير من الاستثمارات، والذي يفترض أن قصف عاصمته وضعه في موقف يسمح له على الأقل بتقديم مطالب للإدارة الأميركية لتعديل كفة الضغوط. والأمر عينه ينطبق على تركيا التي وقّع رئيسها مجموعة اتفاقيات تجارية مع ترامب قبل أيام قليلة.

غير أن هذا الجهد كله لا بد أن يترافق مع إدراك واقعي للتاريخ، إذ لم يجرؤ أي رئيس أميركي على معارضة “إسرائيل” في سياساتها أو حاول فرض ما لا تريده منذ جورج بوش الأب وحتى الآن، وعلى مدى نحو أربعة عقود. علاوة على أن ما سبق ذلك لم يكن سجلاً من الضغوط على الإسرائيليين، إلا أن علاقة الرعاية الأميركية لإسرائيل كانت ما تزال تسمح بنوع من التوجيه الأميركي الذي يحمل قدراً من الإملاء، وهو ما تلاشى تماماً منذ أربعة عقود.

هذه الحقيقة تفرض ضرورة التفكير في احتمالات فشل هذه المبادرة، والاستعداد لإمكانات فشلها وللخط السياسي الذي يمكن اتباعه إذا ما فشلت، وفتح مسار بديل من التفكير والعمل يبدأ قبل فشلها بحيث يمكن الانتقال إليه، حتى وإن كانت المقاومة لا تسعى إلى مثل هذا الفشل ولا تريده حرصاً على وقف الإبادة ووقف شلال الدماء من أبناء شعبها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى