** زمان . حين لم يكن ثمة احمر شفاه .. ولا مواد مزيلة للشعر الزائد.. ولا ثياب قصيرة تكشف جزء لا يستهان به من الفخد… ولا قمصان تشف عن حمالات النهود .. ولا عطور ..
زمان . حين لم يكن ثمة السن تم تطعيمها بالرخاوة المتعمدة .. ولا انبهار بالسيارة الفارهة .. ولا الحاح على ضرورة اشعال الشمع على مائدة العشاء ..
زمان حين لم يكن ثمة اجهزة صغيرة لتطويل الرموش .. ولا اماكن يصار الى ارتيادها لمجرد الاستعراض .. ولا ميوعة ينبغي افتعالها تمشيا مع العهر السائد .. ولا ثياب نوم صممها مبتكروها تنفيسا عن شذوذهم وانحرافهم.. ولا حفلات يراق فيها ماء الوجة.
زمان . حين لم يكن ثمة ملابس خاصة بالحبل .. ولا مهدئات للاعصاب .. ولا مجلات تحمل اغلفتها صور لنسوة ممعنات في الخدر .. ولا مقاعد ينبغي الجلوس عليها بوضعية “ساق على ساق – والخافي اعظم” .. ولا افكار تحث على ضرورة ان يستحوذ المرء على مؤخرة برونزية .
زمان . حين لم يكن ثمة ولع بمادة “البوظة” / لهذه المادة مدارس واجهادات متعددة … ولا اصرار على الزيف الاجتماعي الذي يسمى تهذيبا …
زمان . كنا رجالا يا صاحبي وكانت النساء جميلات اكثر مما ينبغي .
زمان . حين كان ثمة بين الاصدقاء ، ما يقال اعني : حين كان الحديث حارا لا يقبل القسمة على مكالمة هاتفية مقتضبة او على لقاء يتم صدفة عند باب المطعم, او على بطاقة مطبوعة نرسلها بالبريد لكل الناس ، او على باقة ورد تحمل اسماؤنا وتمنياتنا بالشفاء العاجل.
انذاك …كان الصديقان يحملان كيسا صغيرا من الورق طافحا بالمكسرات ويظلا يذرعان الطريق الترابي غير المضاء ، ويتحدثان دون ان تبهرهم امرأة بملابس فاضحة اوسيارة طائشة تنفر عن سياق المسرب المخصص لها ، او واجهة متجر لبيع التفاهات .
زمان … يا لتلك الايام ! هل ثمة من يذكرها ؟ لا ضرر من انعاش الذاكرة : حفنة من الضوء في كيس صغير من الكتان : انه ” الشمبر” . ما زلت اذكر “اللوكس ابو شمبر” و “اللمبة نمرة اربعة” ، وبابور الكاز , ورغيف الصباح المدهون بالسمن والمرشوش بالسكر ، والمدارس التي ترددنا عليها لمجرد ان نتعرض لضرب شديد ومبرح ، والاشجار التي سقطنا عن اغصانها ولم ” نتعور” ، والاظافر التي لا نتذكرها الا حين يتجول المدير بين طوابير الصباح ، والطبيخ الذي يؤكل دون تسخين او تبريد ، والانبهار بأول “حنفية” في الحي ، والعجائز اللواتي يتنشقن ” الزعوط” والعرائس ذوات الايدي والارجل المغموسة في الحناء ، والقطة المرقطة التي هاجمت “صيصان” الجيران ، وقصعات الطعام التي تستعيرها النساء ، وبنات الحي اللواتي منعن من اللعب معنا لان اثداءهن نمت بغتة . اذكر … الكلاب التي نبحت في الليل فانكمشنا في فراشنا ، والافعى التي قيل انها استوطنت في سلة معلقة في غرفة الخزين ، وحكايا الجدات عن الغول الذي عجزنا عن رسم صورة محددة عنه ، وشخير الاباء النائمين على المصطبة ، وصياح الديوك الذي تتلوه عادة قرقعة الاواني بين ايدي الامهات…
اذكر مصاطب البيوت التي يحبو عليها اطفال بلا ” بامبرز” ، ولا حليب مبستر ، ولا العاب : كنا نجبل الرمل ونزعم انه حلوى ، كنا لا نحفل بوصايا الامهات المتعلقة بنظافة الملابس ، او تلوث المياه ، او دمنا الذي يجب ان لا يراق . كنا لا نحفل بقلق الاباء ازاء ارتفاع حرارتنا ، او التهاب اضراسنا . كانت الحياة لنا .. كنا لها .. كنا جزء منها . كالماء والشجر . كالندى والحصى . كنا زغبا ناعما ينمو تحت ابط الحياة..