#رواية #وجوه و #اقنعة… الجزء الاول
(هذه الرواية بكافة شخصياتها و بكافة احداثها من نسيج خيال الكاتب، فأي تشابه بين شخصياتها و احداثها مع شخصيات و احدث على ارض الواقع هو نتاج الصدفة و غير مقصود ، لذا اقتضى التنويه،)
بقلم #فراس_الور
مقدمة : #الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلّا ممثلون على هذا المسرح : ويليام شكسبير
البداية :
وقفت بشعرها المنثور حول راسها و كتفيها في منتصف الليل البارد تبحث عن من يشاركها فراشها… فكانت تشعر بالوحدة كثيرا خصوصا بعد ان اصبحت وحيدة في حياتها…فرفضت من تقدم اليها في السنين السالفة لكي لا ينكشف امرها لانها فاقدة لشرفها…فلم تكن ابنة الأمس بهذا الكار اطلاقا… الليل صديقها فهو ستار لما تفعله مع زبائنها بالاحراش و الاماكن الخالية من الناس و في منازلهم المشبوهة.
وقفت بكل جرأة في عمان البلد تكشف قليلا من صدرها الكبير لتثير الغرائز عند من قد يتوقف عندها… فاظهار جمالها سيجعل احدهم يغير رايه و يغريه نحو فراشها المشبع بالخطايا…خبرتها ستساعدها بتميز الزبون العابر الذي يتوقف للنظر فقط من الذي يشاور راسه…فالذين يريدونها بالعادة سيكلموها مباشرة بالموضوع…تعرفهم من سياراتهم الفاخرة و لباسهم فإبن الذوات تظهر عليه النعمة…السلاسل و الخواتم الذهب من العيار الثمين و العطور الفاخرة التي كانت تعبق بجسدها بعد الجنس معهم و التي كادت ان تفضحها مع والدتها بمرة من المرات لولا خلقت لها عذرا مقبولا…فدخلت المنزل بساعة متاخرة من الليل بعد ان اقنعت والدتها بانها كانت بحفل عشاء نظمه مرؤسيها بالعمل…و لم تكن تعلم بان مع دخولها المنزل فاحت رائحة العود العطرة في الصالة… فكان زبونها خليجي من ذوي الشركات و الاملاك… تغيرت تعابير والدتها و سألتها عنها… فكذبت و قالت بانه في الحفل انكسرت زجاجة عطر كان ضيف من الضيوف قد اهداها لزميل لها… فساعدت بالتقاط قطع الزجاج عن الارض مما جعل العطر الثمين يعبق بيديها…كانت تذكر كم اخافتها نبرة والدتها معها و لكن اقتنعت والدتها بالرواية و اغلقت الموضوع تماما… و لكن مما لا شك به ان قمة سعادتها كانت حينما ترى الدشاديش البيضاء في السيارات التي كانت تصطف بجانبها في الشارع…فهاؤلاء القوم كانوا اسخياء بالمال و الهدايا الغالية…كان سعرها لهم يختلف عن سعر الزبون المحلي فكانوا يأتون من بلادهم باحثين عن حريات و متاع غير موجوده عندهم… فالاردن و بعض البلاد العربية فرصة لهم ليتخلصوا من عقدهم و كبتهم الجنسي مع نساء و الجمال و جنس لطالما حلموا به…
في عمان البلد بجانب بعض المحلات التجارية المقفولة وقفت تنتظر بصبر ان ياتي من يطلب متعتها… فكانت تنورتها القصيرة تكشف جزءا يسيرا من جمال ساقيها و فخذيها… امراة بريعان الشباب بالثلاثين من عمرها ذات شعر اشقر و عيون زرقاء جذابة و خصر فتان و رشيق يشبه خصر ملكات الجمال… و فجاة سمعت هدير سيارة تقترب منها… نظرت من حولها فكان الشارع خالي من البشر و سكون الليل يخيم على المكان ما عدا نباح لبعض الكلاب كان يسمع من حين لاخر في المدى البعيد…
كان رجل بالاربعين من العمر ذو شارب كثيف و شعر اسود و بشرة حنطية، كان حاد الملامح جدي الطلة ذو عيون عسلية، و كان يرتدي بذلة سوداء و قميص ابيض و ربطة عنق زرقاء، كان يركب سيارة مرسيدس حديثة المنشأ مما اخبر مؤمنة بانه ميسور الحال… فنظرت اليه و فهمت ملامحه المتسائلة… قالت “آخذ بالليلة خمسمائة دينار”… هز راسه و قبل عرضها. فركبت السيارة و بسطت يدها قائلة “الدفع قبل كل شيئ يا… ما هو اسمك؟”
نظر اليها بثقة مبتسما و اجاب “اسمي غير مهم… فالاهم ان تمتعيني بجمالك”…
نظرت اليه و هو يخرج المال من جيب سترته فلفت انتباهها خاتم ذهب نفيس باصبعه و وشم لوردة حمراء على رسخ يده اليمين من فوق.. ضحكة و هي تاخذ المال و وضعته في جيبها…
سئلها “لماذا تضحكين؟ “…فقالت مبتسمة و هي تكشف فخذها امامه “عندي نفس الوشم على فخذي الايمن”…
لمسه بجرأة و ابتدا جسده يتعرق من اللوعة و التوق لجسدها… حرك السيارة و دخل بمسرب الشارع و هو يقول “اريدك ان تمتعيني جدا بالمال الذي اخذتيه… يا لجمالك… و لكن ماسمك؟”
اجابت “اسمي رندا… و اعدك ان تمضي الليلة كما تشاء انت… انا تحت امرك حبيبي…هل نذهب الى بيتك ام منزل صديقك؟”…
“لا الى منزل صديقي… انا منصبي حساس و لا اريد ان يراني احد مع عاهرة”…
ضحكت و قالت “لا تخف… فانا عاهرة محترمة… لن افضح امرك…حينما تَمِلْ مني اعدني الى سوق الذهب… “…
وضع يده على فخذيها و قبل شفاهها قبلة سريعة ثم اكمل القيادة…ملمس فخذيها اشعل به رغبة جامحة الى ضمها و تقبيلها بلوعة كبيرة… كانت جميلة جد…
ارتدت لباسها و الحجاب في الصباح الباكر بعد ان اخذت حمام ساخن… فكانت الليلة حافلة بالتعب و السهر لذلك كان جسدها مرهق من المجهود الذي بذلته… فبالرغم من المال الوفير الذي كسبته الا انها ارهقت نفسها جدا… فكيف لا و وعدها بالاتصال بها مرة ثانية في اليوم التالي. فاعجبته جدا… ارتدت النعل بقدميها ثم التقطت حقيبتها من على السرير و اسرعت الى باب الشقة. و لكن قبل ان تغادر وقفت لتسمع ان كانت والدتها تناديها من الغرفة كالمعتاد. فاعتادت ان تسألها إن تناولت الافطار او نسيت مفاتيح سيارتها… في هذا الصباح لم تسمع حسها النشيط كالمعتاد فتيقنت ان والدتها لا تزال نائمة. .. غادرت الشقة فكان دوامها بالوزارة يبدا في الثامنة و النصف و اساسا حتى لو والدتها طلبت منها تناول شطيرة سريعة لم يكن لديها وقت لذلك. ركبت سيارتها الصغيرة و اسرعت بها نحو الوزارة و هي قلقة من وضع الشارع… فكانت الساعة الثامنة و الشوارع مكتظة بالسير… حاولت اخذ شوارع فرعية و لكن فشلت بالوصول بالتوقيت المناسب… فاوقفت سيارتها في الموقف في التاسع صباحا. دخلت وزارة وزارة تشجيع الأعمال و الإستثمار مسرعة و هاتفها الخلوي يرن بصورة متكررة، كان مديرها عادل عبدالواحد و هو امين عام الوزارة… فاجابت و هي تضع حقيبتها على مكتبها و تعتذر منه على الهاتف” انا اسف سيدي… الشوارع مزدحمة بالسير
دخلت مكتبه و اغلقت الهاتف و هي تبتسم له و لضيفه… فاجابها “لا عليكي… المهم انك وصلت… اقدم لك السيد اياد علي… و هو شيخ متدين من اصدقائي و مستثمر كبير و يسال عن خدماتنا بالوزارة…”…
نظر الى اياد و قال… “اقدم لك مؤمنة… و هي انسانة مؤمنة مثل اسمها و تصلي الفروض في مواعيدها… و ستكون خير رفيقة لمعاملتك عندنا… ” نظرا اياد و مؤمنة لبعضهما البعض و ملامح الصدمة مرتسمة على وجهيهما…لم تكن صدفة سهلة اطلاقا و مكثا ينظران لبعض لدقيقة كاملة لم ينطقا بكلمة واحدة خلالها… حاول اياد السيطرة على ارتباكه رويدا رويدا و مد يده لمصافحة مؤمنة… فظهر وشم الوردة الحمراء على يده…مدت يدها مؤمنة و هي تنظر الى الوشم فتيقنت تماما انه زبونها في ليلة امس… و لكن سرعان ما سحبت يدها قبل ان تلامس يده قائلة” انا على وضوء…”…
لاحظ عادل ارتباك اياد و مؤمنه و صمتهم حال تعارفهم ببعض. لم يفهم ما كان يحدث بينهما…كان يعلم بطبع مؤمنة الخجول بالعمل فنادر ما كان يراها تكلم الرجال… وحاول عدة مرات كسر حاجز الخجل لديها باعطائها ملفات عمل لكبار مراجعين الوزارة … فكان عليها كسكرتيره ان تكون ممتازة بتعاملها مع مراجعين مكتبه و ان تكون لبقة و متكلمة الى حد كبير… و كان يعلم باوضاعها المادية المتردية و حال والدتها الصحي عند توظيفها في مكتبه منذ ستة اشهر… فقدمها الى مكتبه صديق له بالبرلمان طالبا منه رعاية خاصة لها… لذلك سعى لتنمية مهاراتها المهنية و هو بتفهم لاوضاعها المادية…
قال عادل اخيرا محاولا كسر حواجز التوتر بين اياد و مؤمنة “لا تخجلي يا مؤمنة من الحج اياد…فانا اعتمد عليكي بمساعدة مراجعي مكتبي المهمين دائما…”..
التقط عادل ملف كبير من على مكتبه و اعطاه الى مؤمنة… فامسكته و هي تنظر الى الارض ثم قالت “حاضر سيد عادل…
نظر الى اياد الذي لم ينطق بكلمه منذ دخلت مؤمنه الى مكتبه و قال له” عشرة دقائق و ستنتهي من الامضاءات المطلوبة… و اي شيئ او استفسارات تحتاجها تستطيع الاتصال بها… لا تنسي يا مؤمنة ان تعطي اياد رقم هاتفك…
فكرت في ذاتها و قالت “ يا لسخرية الاقدار… اعطيه رقم هاتفي… لو علم مديري ماذا دار بيني و بين اياد بالامس لسلخ جلدي عن عظمي… “
اجابت مطيعة “تحت امرك سيد عادل”
نظرت الى اياد و ملامح الانكسار و الاحراج تملا وجهها و اخرجت بطاقة عمل من جيبها و اعطتها له ثم اسرعت الى الخارج… انهمرت الدموع من شدة الخوف و التوتر من عينيها حال دخولها مكتبها… اغلقت الباب و جلست على كرسي المكتب و امسكت الملف و ضربته بشدة على مكتبها… فمن بين كل سكان عمان و ضواحيها الذين يبلغون ما يقارب المليون و نصف نسمة شاء القدر ان ياتيها زبونها في ليلة الامس الى نفس الوزارة التي تعمل بها، و ما اغرب القدر الذي ساقه الى نفس مكتب مديرها… امين عام الوزارة…. وضعت راسها فوق يديها على المكتب و بكت بشدة بعد الصدمة الموجعة…كان يعلو صوت بكاءها من حين لآخر و لكنها كانت غائبة عن ادراك ما يجري من حولها بسبب دموعها… بعد برهة من الزمن شعرت بشعر احد النساء يلامس راسها و يديها فوق المكتب
رفعت راسها و نظرت الى الاعلى… كانت كريستينا طلعت مديرة مكتب الوزير تحاول احتضانها لتواسيها… فنهضت مؤمنة و سط حزن و ارتباك شديدين و حضنتها… فلم تكن تتوقع حضورها شخصيا الى مكتبها، بكت قليلا على كتف كريستينا لتتفاجئ بيديها تتحرك من اعلى ظهرها نحو اسفله… فسألتها “كنت امر بالصدفة من الطابق و سمعت صوت تنهدك و بكائك… ماذا هنالك يا مؤمنة؟”
اجابت ” لا شيئ… تشاجرت مع احدا صديقاتي على امر ما…”
حضنتها كريستينا بقوة و حنو مما دفعها للشد على اسفل ظهرها براحة يديها قائلة “هيا نجلس لنتكلم”…
و لكن شعرت مؤمنة بألم في ظهرها و صرخت قليلا. ابعدت يداي كريستينا عنها و قالت…” عذرا ظهري متعب بسبب تيبس بالعضلات بسبب تغير الطقس… خريفنا بارد بعض الشيئ”
قالت لها كريستينا “لا عليكي… هذا طبيعي و الآن قولي لي يا حلوة ما هذا الخلاف الذي يجعل قمر مثلك تبكي؟”
سارا الى طقم الكنب الذي كان بالقرب من مكتبها و مؤمنة تضع يدها على اثار جلد الحزام على ظهرها… لهث لسانها بان هذا الموقف مر بسلام فلو شعرت كريستينا بشئ لكانت فضحتها..جلسا و ابتدا بالحديث و لكن ذهن مؤمنة كان مشغول جدا بالحل لمشكلتها…
جلس عميد جامعة ربوع الأردن الأهلية حمدي الغزلان في مكتبه الكبير ينظر الى الملف امامه بإستغراب شديد، فكانت كل المراسلات بين مكتبه و بين متعهد المسرح تفيد بأنهم طلبوا للمسرح الكبير قيد الإنشاء مقاعد منفصلة ذات مسافات قصيرة بينها لتعطي الخصوصية المطلوبة للطلاب اثناء الجلوس لمشاهدة الفعاليات التي ستقام عليه، و لكن الذي رآه على ارض الواقع كان مختلف كليا، فكانت المقاعد ملتصقة بعضها ببعض و لا يفصل بينها الا الأذرع و بخطوة غير مفهومة من المتعهد، حتى لونها كان يختلف فاتفقوا على اللون الأزرق الغامق ليتماشى مع ديكور الجدران، استغرب كليا من الأمر و راجع اوراق المراسلات بينه و بين متري الياس متعهد الديكور الذي كان مسؤلا عن تركيب مقاعد المسرح فلم يجد اية مراسلات تطلب تغير المتفق عليه بينه و بين متري،
كان مكتب حمدي فخم يروي للقادم اليه مركزه و منصبه الرفيع، فكان يقابلك حينما تدخل اليه طقم كنب جلد بني اللون تتوسطه طاولة بنية عليها لوح زجاج بني، ثم يليها مساحة اربعة امتار كان على اقصى يمينها و يسارها نباتات مزروعة بأحواض بنية اللون متسلقة للجدران، كانت تغطي جزءا يسيرا من جدران المكتب بأغصانها العشوائية و الخضراء الجميلة، ثم كان الى الداخل مكتب كبير و فاخر عليه جهاز لاب توب و طابعة و بعض من القرطاسية التي تكسوها الجلود الامعة، و بجانبه خزانة ثلاثة طوابق عريضة و كبيرة على اقصى يمينها دروع التكريم و شهادته التي حاز عليها، ثم بالوسط و على اليسار مراجع علمية و كتب قيمة قام بتأليفها و بعض من المؤلفات في مجال تخصصه و علمه،
آخذ هاتفه النقال و طلب رقم متري و لكن كان خارج نطاق التغطية، اغلق الخط و طلب مشرف العطاءات بالجامعة باسل شرف، اجاب رجل بعد عدة رنات “نعم معاليكم،”
اجاب حمدي بغضب شديد “هل رأيت المقاعد الجديدة التي يتم تركيبها في مسرح باخوس الجديد؟”
اجاب برهبة “نعم معاليكم، و سيتم الإنتهاء من تركيب المقاعد جميعها بعد غد، هل هنالك مشكلة؟”
“نحن طلبنا مقاعد فردية منفصلة قليلا عن بعض لخصوصية الطالبات المحجبات، فلماذا يتم تركيب مقاعد متلاصقة ببعض؟”
“معاليكم فصل المقاعد عن بعض سيكون على حساب الطاقة الإستعابية القصوة للمسرح، فطاقته الإستيعابية مع المقاعد المنفصلة ستكون خمسمائة مقعد بينما مع الكراسي المتلاصقة ستكون اكثر بكثير…”
“يا حبيبي هذا التفكير تجاري، لو كنت سأؤجر المسرح ستفرق المسألة معي، و لكنني اريده لفعاليات الجامعة…انا لا أؤجر الطلبة؟ و لماذا التغير بلون المقاعد؟”
“انا اتكلم من باب ان نستوعب اكبر كم من الطلاب و الأهالي و الضيوف ان اردنا دعوة عامة ليتسنا للجميع مشاهدة الفعاليات، اما بغير ذلك قد لا تكفي عدد المقاعد اطلاقا،”
“انت رئيس قسم العطاءات و لست صاحب قرار بكل هذا، ثم ضعني بالصورة، هل انا طرطور هنا، انا عميد الجامعة يا باسل!”
توتر باسل قليلا من عصبية العميد معه، تجمعت قطرات العرق على جبينه و هو يستمع الى توبيخه، فاجاب “سيادة العميد تحت امرك! و لكن هذا ما كان قراري بل قرار الدكتورة غرازيلًا فريد عميدة كلية فنون المسرح و الدراما بالجامعة،”
صرخ حمدي باعلى صوته “المسرح ليس ملكا لها!!! انا حمدي الغزلان عميد الجامعة باكملها و الكلمة الأولة و الآخيره لي!!!”
فجأة دخلت إمرأة حسناء الى مكتبه، لحقتها السكرتيرة معترضة و ارتفع صوت ضوضاء في مكتبه امتزج مع اصوات طقطقت نعول عالية و شجار ساخن و هو يكلم باسل، تنبه الى الإمرأتين فجأة و هو يقول “انا لم اقابل الدكتورة غرازيلا يوم و لكن قل لها انني اريد الحديث معها…”
اجابت الضيفة “انا اتيتك بشحمي و لحمي سيادة العميد، قل لسكرتيرتك ان لا تعترضني منذ الآن فصاعدا!”
لهث لسانه حينما نظر الى الضيفة التي دخلت مكتبه للتو، كانت طويلة شقراء و ذات بشرة بيضاء و عينين تشمع زرقة و جمالا آخاذ، كانت ترتدي تنورة قصيرة سوداء و بلوزة زرقاء صيفية قصيرة الأكمام تظهر كامل بياض ساعديها، فبرق حسنها امام خيوط شمس الظهيرة التي كانت تنير مكتب حمدي، وقف من على مكتبه مربوط اللسان و هو يتأمل الضيفة لدقيقة كاملة، نظرت اليه غرازيلا متسائلة ثم قالت للسكرتيرة “يا اختي انا اطلب مقابلة العميد منذ اسبوع و انت تعطيني مواعيد آجله، انا من حقي ان اكلم عميد الجامعة التي اعمل بها”!”
“سيادة العميد مشغول منذ فترة فطلبت منك مقابلة مساعده…!”
نظرت الى حمدي الذي كان يتأمل ساقيها البيضاء و قالت له “سيادة العميد ايُرضيكَ ان يرفض مقابلتي مساعدك و لأسباب اجهلها؟ “
نظر الى سكرتيرته و قال “من الأخت؟”
اجابت “انها الدكتورة غرازيلا فريد عميدة كلية الفنون المسرحية و الدرامية…”
قال مرحبا “اهلا و سهلا بك، نورت مكتبي سيدتي،” صافح يدها بإبتسامة عريضة و ارشدها الى كرسي من كراسي طقم الكنب بمكبته، قال للسكرتيرة “حصل خير، اذهبي الى عملك،”
جلست غرازيلا على الكنب و جلس العميد على مقعد مقابلها، قال لها “من سوء الحظ اننا وقًعْنا عقدنا معك و لكن لم نتقابل ست غرازيلا،”
قالت و علامات عدم الرِضَى على وجهها “سكرتيرتك فَوًرَت دمائي، اسبوع و انا احاول مقابلتك سيادة العميد على موضوع المسرح و لا اجد حتى تجاوب مقنع من مساعدك…محمد هنداوي…اظن اسمه…حتى قابلته مرة بالصدفة بالجامعة و رفض التسليم علي لأنه على وضوء، حتى لم يكلمني الا دقيقتين ثم قال لي ان آخذ موعد بخصوص اعتراضي على طلبه بخصوص كراسي المسرح،”
“اعتذر بالنيابة عنه، انه متدين جدا…ربما لاحظت ذلك”
قالت غرازيلا في ذاتها “لذلك نظر الى ساقاي ثلاثة مرات و هو يكلمني، قصدك يحاول ان يتدين…”
اجابت “سيد حمدي انا من طلبت من مدير العطاءات تعديل كراسي المسرح و كنت اريد مقابلتك بهذا الخصوص، انت تعلم ان الجامعة جديدة و حاليا لن يكون جاهز الا مسرح باخوس فقط، و انت تعلم ان المسرح جزءا لا يتجزء من حياة طلبة المسرح و الدراما…” وضعت غرازيلا ساق فوق ساق ليركز حمدي النظر على ساقيها، فاكملت بثقة “و انت تعلم اننا قد نقيم المسرحيات و ندعو اهالي الطلبة و الضيوف عليها…و انت تعلم ان اداء الأدوار سيكون جزءا لا يتجزء من طريقة امتحان الطلاب على المسرح، لذلك اطلب ان يكون هذا المسرح مفتوح لأغراض كلية المسرح و الدراما بصفة اساسية قبل حتى ان يكون مفتوح لأي كلية آخرى بالجامعة و ان لا يتدخل بشأنه من لا دعوة له بالتمثيل و المسرح…”
فهم حمدي ما يدور في ذهن غرازيلا فأجاب “لماذا اعترضتي على كراسي المسرح، يعني هل ستفرق معك ان كان هنالك مسافة بين كل كرسي او كانت ملتصقة ببعضها ببعض…؟”
“سيد حمدي الشكل الحالي للكراسي كان من طلبي اذا كنت تذكر، و لكن مساعدك هو من طلب تعديلها لأسباب اجهلها، فعلمت من مدير العطاءات باسل شرف ان كلفت التصميم الذي طلبه محمد هنيدي يفوق التصميم الأصلي بعشرة آلاف دينار بدافع خصوصية النساء المحجبات، و هنالك امور آخرى لا اعلم ان كنت تعلم بها…”
فجأة ارتسمت علامات عدم الرضا على وجه حمدي و سأل “عشرة آلآف دينار؟ هذا ليس مبلغ قليل، لحظة من فضلك…”
نهض من على طقم الكنب و سار نحو مكتبه، طلب رقم من هاتفه الأرضي ثم قال “سيد محمد، تفضل الى مكتبي،”
وقف لدقيقة بجانب مكتبه قائلا “هذا الكلام لم يبلغني به احد، هذا مبلغ كبير و لما كنت ساوافق عليه حيث ان الميزانيات الموضوعة محدودة جدا، هل تعلمي ان انشاء المسارح بالجامعة كانت ستؤجل لولا اقتراحي بإنشاءه لتستطيع الجامعة فتح شعب الدراما منذ هذه السنة، لولا هذا الأمر لما استطعنا تفعيل كلية الفنون المسرحية و الدراما و كان سيتم تأجيلها للسنة القادمة، كنا سنخسر هذا الإستثمار،”
فجأة دخل الى مكتبه محمد هنداوي، كان رجل بالأربعين من العمر طويل القامة ذو بشرة سمراء و شعر اسود يظهر قليل منه من تحت الحطة و العقال الذان كانا فوق رأسه، كان ذو لحية طويلة توحي بأنه سلفي بالرغم من انه مستقل لا ينتمي الى اي تيار ديني واضح، و لكن مظهره يوحي بأنه متدين من النظرة الأولى عليه، كان يرتدي بدلة سوداء مع ربطة عنق انيقة و قميص ابيض، كانت بيده مسبحة ذات خرز ابيض و هاتف خلوي، دخل قائلا “السلام عليكم…”
اجب حمدي مرحبا “و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته…”
اجابت غرازيلا بنبرة فاترة “و عليكم السلام،”
نظر اليها محمد نظرة خاطفة ثم وجه نظره نحو الارض قائلا “استغفر الله العلي العظيم…”
نظرت اليه بسخرية و اجابت “اعوذوا بالله من الشيطان الرجيم…”
صرخ بوجهها محمد “احترمي نفسك، فالزمالة معاملة طيبة و لسان طيب…”
ردت غرازيلا بغضب “انت من لم تكمل سلامك بالكلام الطيب…”
قال حمدي محاولا تهدئة الأمور “يا زملائي الكرام، الموضوع قيد النقاش بسيط و لا يحتاج الى كل هذه العصبية، سيد محمد هل كنت على علم بأن المقاعد الفردية التي طلبت تعديلها ثمنها اغلى من التصميم الأصلي الذي اتفقنا عليه…”
اجاب محمد مناقشاً بنبرة اهدأ “يا سيادة العميد ماذا عساي ان افعل و عدد الطالبات المحجبات كبير، فقد هدى الله مجتمعنا لدينه و سبله القويمة و ازدادت نسبة المؤمنات المحترمات…” نظر الى غرازيلا و اكمل “المحجبات و الملتزمات المستورات…اما المتبرجات و الفاجرات و المفضوحات فهم بنسب اقل عندنا…”
“يا محمد ابقى معي و اكمل حديثك معي، لماذا لم تبلغني بهذه الزيادة، من حقى ان اعلم حيثيات هذه العطاءات، هذا امر لا يجب اخفاءه عني…”
قاطعت غرازيلا قائلا ” انا سأخبرك لماذا اصر بالحقيقة على المقاعد المتباعده، لأن هنالك مواد و ديكورات سيلزم شراءها لإتمام عملية التركيب و قد رسى العطاء بأعجوبة إلهية على شركة استيراد و تصدير يمتلكها نسيبه…!!!”
صرخ محمد “انت تكذيبين!!! كفي شَرُكِ عني يابنة الستة و ستين…”
قاطعته بحزم “لا تقلها و الا سأقطع لسانك و ادوسه بنعلي يا منافق الدين!!! يا سيد حمدي الشركة اسمها المتكاملة لأعمال الديكور و انها لعائلة من بيت آلشديد و استفسر منه عن عائلة زوج شقيقته…”
قاطع حمدي الشجار قائلا “يا افاضل اهدأوا فقد تكون صدفة،” امعن النظر بمحمد الذي نظر بخجل الى الأرض، قال “يا سيد محمد حصل خير و لكن ضعني بالصورة على كل التفاصيل، تفويضك بادارة شؤون بعض مشاريع الإنشاءات بالجامعة لا يعني ان تخفي عني التفاصيل، ضعني بالصورة…”
اكمل بعصبية “شكرا سيادة العميد، و لكن هذه السيدة تكذب و عمري ما اقحمت اقربائي و انسبائي بعملي…” نظر الى غرازيلا محذرا “اخذريني يا ايتها الزميلة، انت تتخطين خط احمر و لن اسمح لكي بالتمادي معي اكثر من هذا، و تستري لأستطيع النظر اليك من دون خجل…”
سارت بضعة خطوات و وقفت امامه و قالت بنبرة قوية “انت لا تخقيني و ان كان بيتك من حديد فانا بيتي من فولاذ، انتم قوم تتمسكون بالقشور، فاللباس لا يعني شيئ و قد يستر من الخارج نساء بشعات من الداخل، الظاهر لا يعلن ما في الجوهر إطلاقا، هنيئا لك بالقشور…و لكن حافظ على مسافة آمان بيني و بينك،” نظرت الى العميد قائلة “الرجال لن تبتلع النساء اذا جلسوا بجانب بعضهم البعض في المسرح، لن تنقص المحجبات يد او رجل يا سيادة العميد ان جلسن جنب الرجال، انا ذاهبة فهل تأمرني بشيء، عندي محاضرة بالكلية ستبدأ بعض ربع ساعة و الكلية بعيدة من مكتبكم بعض الشيئ…”
قال لها حمدي “سلام الله معكي يا دكتورة، “
نظر اليها محمد قائلا “قد اخسر معركة و لكن لن اخسر الحرب…”
رمقته بطرف عينها و غادرت المكتب، قال حمدي لمحمد “احذر هذه السيدة فهي لا تطيقك إطلاقا، امسح قضية المسرح بذقني هذه المرة و سأصالحكم على بعض بعد يومين حينما تهدأ،”
لم يجب محمد العميد على الفور، فقد سرح تفكيره بكيف حصلت غرازيلا على معلومة نسيبه الذي يملك الشركة المتكاملة؟ كيف عرفت تعامله مع الجامعة، هل يعقل ان باسل قد اعطاها هذه المعلومة؟”
اجاب العميد ” بسيطة يا سيد حمدي، حصل خير، انا يجب ان اذهب الآن، فاليكملوا تجهيز المسرح كما يريدون، اساسا تم تركيب جزءا كبيرا من المقاعد، عندي موعد هام مع احد الأساتذة، الى اللقاء،”
غادر محمد المكتب، سار حمدي الى نافذة مكتبه و نظر الى غرازيلا و هي تغادر المبنى سيرا على الأقدام، كان مكتبه في الطابق الرابع من مبى الإدارة القريب من بوابة الجامعة الرئيسية، اختفت غرازيلا سريعا وسط حشود الطلاب، ففكر في ذاته قائلا “غرازيلا فريد، دكتوراه في المسرح من جامعة في اميريكا، و ماجستير في السينما و الأعلام من بيروت، الدكتور محمد هنداوي دكتوراه في الفقه الإسلامي و الشريعة…ماذا عسى ان ينتج عن هذا المزيج الثقافي في جامعة بالأردن…نظر الى السماء و قال “سترنا الله،”…يتبع