#رسالة #البنك بنزول #الراتب أخطر من #جدري_القرود
د. حسام العودات
#المحفظة فاقت باكرا یوم الراتب , فالیوم لن یبق مدین علیھا عاتب , یوم الحشر كان في البنك ، أمضیته بین محاسب وكاتب .
جاء الراتب أخیرا بعد أن تصبب العرق غزیرا , فالجمع أمام الصندوق كان غفیرا , لا تسمع فیه للناس إلا شھیقا وزفیرا , وبجانبي سمعت لمریض بالأزمة من أنفاسه صفیرا , وبقربي أرملة سئمت الانتظار وكبّرت تكبیرا ، فما بال الناس لا یحترمون امرأة ولا كبیرا , وتحت السقف كانت صیحات المحاسب زئیرا , وبعد كل ھذا العناء ، لیت الراتب كان وفیرا .
كانت الدیون لراتبي مثل الجراد فوق المحاصیل ، والدكاكین فئران تقضم كالبرسیم الغض أوراق الدنانیر ، وفي المؤسسة كانت بقایا الراتب تلفظ أنفاسھا الأخیرة بین الزیت والرز والسكر , وكمن ینتظر الطوفان ، خرجت ویداي تمتلئ بالأكیاس , وعدت قاصدا بیتي ، فقد كانت عیون الصغار معلقة بتلك الأكیاس .
أما الطناجر فقد كانت تزمّجر , فقد أوحشھا السكون منذ منتصف الشھر , وقد حانت قیلولة الزیت والزعتر التي أصبحت عھدة ونزیلا دائما في أمعاء الموظفین .
نعم لقد استقبلت الراتب بنشید طلع البدر علینا , ولكنّ أغنیة عبد الحلیم لا زالت تثیر مخاوف محفظتي عندما یشدو قائلا : ابتدا ابتدا المشوار ، وآه یا خوفي من آخر المشوار .
بعد أیام من الراتب ، كانت قبیلة راتبي قد أبیدت تماما , ولم یبق منھا إلا الصغار من فئات العملة
مددت یدي لجیبي ، فارتجفت المحفظة خوفا , وصاح دینار لأخیه قائلا : كم لبثنا ؟
فقال له : یوما أو یومان .
وعندما أخرجت الدینار سألني باكیا : قليّ إلى أین المسیر في ظلمة الدرب العسیر ؟
فقلت له : لیالیك في المحفظة قد طالت ، والعمر لو تدري یا دیناري قصیر
وأنشدت له قائلا :
محفظتي دائما نظیفه
والجیوب مصممة للأوزان الخفیفه
عیون الموظف عن الفواكه كفیفه
وأمعاؤھم عن اللحم دوما عفیفه
واذكروا في الختام قصیدة الشاعر الكبیر ( موظف ابن الشحّاد ) في سوق البخاریة عندما قال :
یا معشر الآيباد ، أین الآباء والأجداد
وأین الوظائف ذوات الرواتب الشداد
اصبروا وانتظروا الزیادات القادمة یا فلذات الأكباد
إنّ الراتب قد مات
وكل ما ھو آت آت
من فواتیر وكمبیالات
فلا دیزل في التنك
ولا كاز في الصوبّات
أین أقلام الرصاص للمدرسة
وأین رسوم الجامعات ؟
أین المحاشي
وأین لحوم الخراف ذوات اللیّات ؟