
#رئاسة_الجامعات بين الجدارة والمحسوبية… اليرموك على مفترق طرق
بقلم الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة
يدخل الأردن اليوم مرحلة جديدة من إصلاح التعليم العالي، بعد أن أطلق وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الدكتور عزمي محافظة مشروعاً نوعياً لتقييم رؤساء الجامعات الأردنية وتعيينهم وفق نهج يقوم على العدالة والموضوعية والجدارة والاستحقاق. هذا التوجه الواعي أعاد الأمل في أن مواقع قيادات الجامعات لن تكون بعد اليوم رهينة الواسطة أو المحسوبية، بل ثمرة كفاءة حقيقية ومهنية راسخة.
لقد شهدنا بالفعل تجديد الثقة ببعض الرؤساء، وإعفاء آخرين، وفتح الباب أمام مسار جديد شفاف لا مكان فيه للمجاملات. وحين أُعلن موقع رئيس جامعة اليرموك شاغراً، تقدّم ما يقارب المئة مرشح من مختلف الجامعات، في مؤشر على مكانة هذه الجامعة العريقة ورغبة الأكاديميين في قيادتها. وقد قامت اللجنة المختصة بفرز الطلبات واختيار خمسة عشر مرشحاً، من بينهم خمسة من أبناء جامعة اليرموك وعشرة من جامعات أخرى. والمرحلة القادمة ستشهد تقليص القائمة إلى خمسة أسماء، ثم الى ثلاثة وصولاً إلى إعلان اسم الرئيس الجديد.
إننا على ثقة بأن مجلس التعليم العالي، وبحكمة الدولة الأردنية، سيمضي بهذا النهج الإصلاحي حتى اللحظة الأخيرة، فلا مكان للتراجع أو المساومة. غير أننا نرفع الصوت محذرين من أي تدخلات خارجية قد تحاول التأثير في القرار أو فرض مرشح بعينه بعيداً عن أسس الجدارة والاستحقاق. وعلى وجه الخصوص، نأمل أن ينأى بعض رؤساء الوزارات السابقين عن ممارسة الضغوط والوساطات في هذه العملية، فذلك تصرف لا يليق برمزية من شغلوا أرفع المناصب. إن التدخل في تعيين رؤساء الجامعات خرق لمبادئ العدالة وتناقض صريح مع ما عبّر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة، حين أكد أن “الواسطة عمل غير شريف”، وأن المؤهل الحقيقي لا يحتاج إلى واسطة أو محاباة.
نريد رؤساء جامعات “من صنع ذراعهم”، صعدوا بجهودهم وكفاءاتهم وخبراتهم، لا برضا متنفذ أو تزكية شخصية. هذه هي القاعدة التي تسير عليها الجامعات الكبرى في العالم، حيث يتم اختيار القيادات الأكاديمية وفق معايير مهنية واضحة، وهو النموذج الذي يجب أن نحتذي به.
ولجامعة اليرموك خصوصيتها اليوم؛ فهي تواجه إرثاً ثقيلاً يتمثل في مديونية تتجاوز مئة مليون دينار، وانقسام داخلي وصراع أوجدته رئاسة الجامعة السابقة ، إضافة إلى انتهاكات للتقاليد الأكاديمية وتهميش للكفاءات والبحث العلمي. لقد تركت الإدارة السابقة الجامعة في “غرفة الإنعاش”، تتطلب قيادة جديدة قادرة على تضميد الجراح وإعادة الثقة والهيبة.
اليرموك ليست جامعة مناطقية كما حاول البعض تصويرها، بل هي جامعة وطنية لكل الأردنيين. وإذا ما اختارت الدولة رئيساً من خارج أسرتها الأكاديمية، قادماً من أي إقليم من أقاليم الوطن، فالمعيار الوحيد يجب أن يكون الكفاءة والجدارة. ومن هنا، فإننا نرحب بأي قرار يكرّس هذا النهج. كما نأمل أن يُفتح المجال أمام أبناء جامعة اليرموك لتولي مواقع قيادية في بقية الجامعات الرسمية، باعتبارها جامعات وطن لا جامعات جغرافيا.
إن الرئيس القادم لجامعة اليرموك سيجد على مكتبه ملفات ثقيلة تستدعي قرارات حاسمة، لكن المرجعية يجب أن تبقى القانون والأنظمة والأعراف الأكاديمية الراسخة. وعليه أن يختار فريقه المساعد بذات الروح التي عُين بها، وفق أسس الجدارة والكفاءة، تحت رقابة مجلس أمناء الجامعة الذي يضم نخبة من رجالات الدولة. وبهذا وحده يمكن إنقاذ الجامعة وانتشالها من أزماتها.
نقولها بوضوح: إذا استمر هذا النهج القائم على الكفاءة في تعيين رؤساء الجامعات، فسيسجّل الشعب الأردني لهذه الحكومة أنها بدأت فعلاً خطوات جادة على طريق إصلاح التعليم العالي. وإن نجاح هذا المشروع سيكون بمثابة ثروة وطنية لا تقل أهمية عن أي مورد اقتصادي، لأن العلم هو بترول الدولة الأردنية الحقيقي.
حفظ الله الأردن وطناً وقيادة وشعباً، وأدام عليه نعمة الأمن والاستقرار. وليكن شعار المرحلة القادمة في جامعاتنا: لا مكان للواسطة… ولا صوت يعلو فوق صوت الكفاءة والجدارة والاستحقاق.