خلال العقود الأخيرة بدأت #دول_الخليج في استصلاح ما يعرف بـ”الأراضي البحرية”، أي التوسع نحو البحر وبناء مدن جديدة عليها، حيث أنفقت #مليارات الدولارات في هذا السبيل، لكن مؤخراً، باتت تستدعي هذه المشاريع مخاوف بيئية واقتصادية، وربما حتى وجودية، كما يقول تقرير لمجلة The Economist البريطانية. فكيف ذلك؟
استصلاح “الأراضي البحرية” في دول الخليج
تأسَّس مكتب تسجيل #الأراضي (دائرة الطابو) في البحرين قبل قرن من الزمان، ومن الجدير بالالتفات أن المكتب لم يتأسس على اليابسة، بل استُصلح موقعه في #البحر، وهو لا يختلف في ذلك عن كثير من أجزاء البلاد. ومن اليسير أن نفهم حرص البحرين وحماسها لمشروعات استصلاح الأراضي البحرية، فالبلاد لا تتجاوز مساحة أرضها الطبيعية 665 كيلومتراً مربعاً، أي أنها تزيد قليلاً على نصف مساحة لندن الكبرى. وجنوب البلاد صحراوي في معظمه، لا يتيسر استخدامه إلا لحقول النفط والقواعد العسكرية وقليل من الأغراض الأخرى.
يقول الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، رئيس مؤسسة التنظيم العقاري، إن البحرين عمدت منذ ستينيات القرن الماضي إلى استصلاح الأراضي البحرية، حتى إن أكثر من 11% من إجمالي أراضيها الحالية هي أراضي أضافتها البلاد إلى مساحتها بهذا المسلك، وقد تضيف البلاد قريباً مساحات أكبر من هذه بكثير، فقد أعلنت البحرين العام الماضي عن عزمها بناء خمس مدن جديدة على أراضٍ مستصلحة، لأن البلاد “محاطة بمياه ضحلة، ومن ثم يسهل استصلاحها، الأمر يشبه [تنظيف] حوض الاستحمام”.
لا تزال الخطة في طور الطموحات البعيدة، فالمسؤولون لم يوفروا بعد التمويل اللازم ولا وضعوا الخرائط والمخططات، لكن إذا نُفذت الخطة فإن مساحة البلاد ستزيد بأكثر من نصف مساحتها الحالية. ومع ذلك فإن #مشروعات #استصلاح_الأراضي في البحرين وغيرها من الأماكن في الخليج كثيراً ما تستدعي مخاوف بيئية واقتصادية، وربما حتى وجودية.
لكن إذا كانت البحرين استصلحت الأراضي البحرية بحكم الحاجة والضرورة، فإن دول الخليج الأخرى أقدمت على ذلك مختارةً دون اضطرار. فقد أنشأت دبي في البحر “جزر نخلة الجميرا” الاصطناعية، التي أصبحت أشهر معالمها بعد ذلك.
وتقول مجلة الإيكونومست في تقريرها، إن أبوظبي عمدت إلى تجريف ساحلها لإنشاء مناطق جذب، مثل جزيرة ياس، التي أصبحت موطناً للحدائق الترفيهية والفنادق الفاخرة. أما السعودية فمع أنها تفيض بالأراضي الصحراوية الخالية، فقد أعلنت عن نيتها إقامة كيان يُسمى “أوكساچون” Oxagon، والزعم أنها مدينة صناعية عائمة ثُمانيِة التصميم تجري إقامتها في البحر الأحمر.
المدن البحرية.. أضرار بيئية واقتصادية ووجودية
تقول شركات الإنشاء والتطوير العقاري إنها عازمة على عدم الإضرار بالبيئة في تلك المناطق، لكن ذلك لم ينقص شيئاً من مخاوف العلماء والسكان المحليين. يقول الصيادون في البحرين إن استصلاح الأراضي البحرية قد أضر بسبل عيشهم باستنزافِه مخزون الأسماك في المناطق البحرية القريبة، واضطرَّهم إلى الصيد في مناطق بعيدة من الساحل، وهو ما يزعج دولة قطر المجاورة، حتى إنها احتجزت أكثر من مرة قوارب بحرينية كانت تبحر في مياهها.
وأشارت دراسة علمية إلى أن مشروعات استصلاح الأراضي في البحرين قلَّصت عدد أشجار الأيك الساحلية في خليج “توبلي”، قبالة الساحل الشرقي للبحرين. وخلصت مجموعة أخرى من الباحثين باستخدام صور الأقمار الصناعية، إلى أن جزر الجُميرا الإماراتية زادت متوسط درجات الحرارة في مياه المنطقة بمقدار 7.5 درجة مئوية على مدار 19 عاماً، وهو أمر مضر بالشعاب المرجانية وكثير من الكائنات البحرية.
ألحقت هذه المشروعات بعض الخسائر بالمستثمرين فيها أيضاً، فبيع العقارات على الجزر الاصطناعية غالباً ما يكون بيعاً على الخريطة قبل الإنشاء، لكن عندما انتقل السكان الأوائل لنخلة الجُميرا إلى فيلاتهم، وجدوا أن العقارات تشغل مساحة أقل من المتفق عليها، وتبيَّن أن شركات الإنشاء قللت المساحات لكي تستعيد ما أنفقته في البناء.
ومع ذلك، قد يقول البعض إن إتمام مشروع جزر الجميرا إنجازٌ في حد ذاته، فقد سبق أن أعلنت دبي عن عزمها إنشاء أرخبيل ثانٍ على هيئة نخلة (نخلة جبل علي) بالقرب من ميناء الإمارة الرئيسي، وبدأ العمال في البناء عام 2002، لكن الأزمة المالية في عام 2008 أوقفته. وهكذا لا تزال النخلة الثانية بعد عقدين من الزمان مجرد أرض رملية فضاء لا ملامح لها ولا جدوى.
ولا تقتصر مشروعات دبي التي آلت إلى الفشل على مشروع نخلة جبل علي، فهناك مشروع “جزر العالم” The World، الذي أنفقت فيه شركة “نخيل العقارية” مليارات الدولارات لإنشاء 300 جزيرة على هيئة خريطة العالم، ثم حلَّت الأزمة المالية العالمية، فتعثَّر المشروع، وما زالت معظم أراضي “العالم” جرداء بلا زرع ولا ماء.
مدن وجزر اصطناعية مهددة بالغرق والزوال
يهدد تغير المناخ الأراضي الاصطناعية في الخليج بالزوال، إذ لا يختلف حال هذه الأراضي عن حال الكثير من المناطق البحرية أو المطلة على السواحل. وفي حين أن جزر الجُميرا قد صُممت لتتجاوز أي ارتفاع في حدود 50 سم على مستوى سطح البحر، فإن تقديرات لباحثين في جامعة طهران أشارت إلى أن مياه الخليج قد ترتفع 84 سم بحلول نهاية هذا القرن.
لم تسجل البيانات المتاحة لدينا إعصاراً في منطقة الخليج من قبل، لكن دراسة نشرتها دورية Nature Climate Change العلمية في عام 2015، خلصت إلى أن وقوع الأعاصير في تلك المنطقة لم يعد أمراً عصياً على التصور. وبالفعل شهدت سلطنة عمان العام الماضي إعصار “شاهين” الاستوائي، الذي وصل من بحر العرب وضرب اليابسة، وهو أول إعصار من نوعه تشهده المنطقة منذ قرن على الأقل. والخلاصة أن ما أخذه الإنسان من البحر ليس البحر بعاجزٍ عن استرداده، كما تقول المجلة البريطانية.