يا نوفة هاتي الخاير ، يا صبحا وديلي الماخوذ، يا فاطمة عيالچ وين ؟ ، قشي الحوش يا بنت ، يا عبدالكريم بيع الشياة وعمرلنا حوش.
هكذا كانت تدير جدتي نواشي علاقاتها الشخصية مع الجارات وزوجها وعائلتها ، مصطلحات لا يفهمها أحد إلا هي ونوفة ، وصبحا ،وفاطمة وابنتها وعبدالكريم ، مع أن نوفه لم تعطها الخاير ، وصبحا جحدت الماخوذ ، وفاطمة لم تسمعها ، وعبدالكريم باع الغنم ولم يعمر طوبة واحدة.
تشخيص الخطأ مؤلم ، لكن الأكثر إيلامًا هو الاعتراف بالخطأ ، وبهذا علينا أن نعترف أنه ليس لدينا مجلس نواب بكل الأبعاد الحقيقية التي نعرف ، نحن ليس لدينا سوى نظام صوتي متطور ، ومايكات حساسة جميعها تعمل على كبسة زر من المايسترو أقصد رئيس مجلس النواب ، ولدينا ديكور خشبي فاخر كلف جيوب الشعب النزف المالي الكبير .
لدينا سيناريو متقن وحوار مقنع وممثلون بارعون في أداء الأدوار ، والموجع بأننا نحن من يمنحهم إجازة التمثيل ونحن من يعود ليدفع التذكرة ويجلس في الصف الأخير ويكون على هامش الأولويات ، ومطالبون بالتصفيق والضحك حد البكاء .
صار طراز النائب من منظورنا العاطفي الشعبوي هو من لديه جعجعة مدوية، ومن لدية نكتة وبراعة في صف الكلام ، صار النائب النموذج هو من يبتكر طريقة جديدة في سرد الحكايات وخرط الكلام الفارغ والهش كما هي حلوى غزل البنات ؛ لون وبريق وبائع محترف وسرعان ما يذوب من لمسه بالأصابع .
نائبنا يحكي ، نائبكم ما عرف يحكي ، نائبهم قلبه قوي حكا شغلات ما حدا يقدر يحكيها تحت القبة .
في كل صباح نستفيق على قانون جديد ، حتى النائب يقول :لم أسمع بهذا الكلام ، في كل مساء نبيت على قصة مؤلمة وقرار جائر.
نحن لدينا مسبحة فاخرة بيد ساحر من الكلام ، ولدينا أسطول من النمر الحمراء ، لدينا حقول من قطن البدلات وربطات العنق ، ولدينا معرض كبير للهواتف الفاخرة بأيدي النواب ، ثلاثة هواتف ، هاتف مع السائق ،وهاتف خاص بطلبات البيت ، وهاتف مختص بحفظ أرقام مفاتيح الخدمات الخاصة للوزراء والباشاوات.
الموجع أن هاتف البيت الوحيد الذي لا يجيب عليه أثناء جولته الانتخابية ؛ وهاتف الشعب الذي كان يخزن جميع أرقام الشعب الكادح من منتخبية هو الذي يصمت ولا يجيب عليه لمدة أربع سنوات غارق بالوحشة والصمت والوضع الصامت والطيران .
نحن لدينا أصنام ودمى من الكلام ، نحن من صنعها ومهد لها الطريق بالورد وشوك الخصومات والفرقة الاجتماعية ، نحن من اكتفى من هذه الدمى الحجرية التي تواري سوأة فكرها بالسائق والسيارة الفاخرة والبذلة الأنيقة والهاتف الأحدث ، نحن من أقنعهم بأن المؤسسة التشريعية هي مضمار للثرثرة وحسب ، نحن من أوصلهم لنرجسية شوفوني وانا بحكي وانضخ وارفع صوتي وأجعجع.
واقع الموت واليباب من فقر ومديونية وفساد بجميع نكهاته ومذاقاته وألوانه وأشكاله ؛ يحدثنا عن كل هذا الدمار التشريعي الذي لا يراعي فينا إلًا ولا ذمة .
وما دام مشهد الاحتفاء بهم في جميع مناسباتنا من طلبة العرائس ، وتصدر المشهد الاجتماعي وتخريج رياض الأطفال ، ونقتفي أثره حين نقول : هنا جلس سعادته، قبل شوي سعادته شرب بهاي الكاسة ، سعادته سلم علي من بعيد، فلننتظر المزيد من سراديب العتمة وأنفاق الظلام والظلم .
لدينا واقع مرير ومستقبل خارج من أجابة يتضمنها أي خيار في أي سؤال يقول : ضع دائرة حول رمز الإجابة الصحيحة!