دردشة حول مسلسل شارع شيكاغو و محطات روائية عن الشارع، الجزء الاول

#سواليف

دردشة حول #مسلسل_شارع_شيكاغو و محطات روائية عن الشارع، الجزء الاول

بقلم #فراس_الور

فهرس المقال

الحزء الاول

أ و تابع أ) محطات روائية خاصة من وحي خيال الكاتب بإسم “ليالي شارع شيكاغو”، و هي مستلهمة من شارع شيكاغو و تاريخه،

ب) دردشة عن مسلسل شارع شيكاغو

ج) العناصر الدرامية البارزة التي استخدمت في المسلسل

**********************************

أ)  “ليالي شارع شيكاغو” : 

كان الثياترو في تلك الليلة يعج بالزبائن و بحركة غير مسبوقة، فانتشرت من حولي ضحكات النادلات و هن يسرعن لخدمة الطاولات و بيدهن صواني المشروبات المختلفة و الضيافات الشهية بشتى انواعها، فاحت روائح العطور الجميلة الممزوحة برائحة السجائر و السيجار بالمكان فكانت سحب الدخان تمر من حين لآخر من الطاولات المحيطة امامي، لم يخلو الثياترو من الطبقات المخملية اطلاقا فبرق من حولي و انا انظر الى الناس لمعان حلي ذهبي و خواتم و اقراط تتدلى من اذني السيدات تحت انارة المكان فكانوا الحضور بابهى اطلالاتهم للامسية، كان الثياترو مشهور جدا لتقديمه الفقرات الفنية المميزة في كل ليلة فكان يقدم مطربة مع فرقة موسيقية و لوحات فنية راقصة برفقة فرقة رقص، و لعله كان مجبور على تقديم هذه السهرات الغنائية بسبب ثياترو آخر بالشارع كان يقدم فقرة فنية لراقصة مصرية مشهورة، كانت موهوبة جدا بالرقص و كانت لها زبائنها ايضا، فكثيرا ما احتدمت المنافسة بينهم لاستقطاب اكبر عدد من الزبائن ممكن،

حلت الراقصة المصرية مكان راقصة قبلها سورية تقول الاشاعات انها اختفت فجأة بظروف غامضة منذ ثلاثة سنين، و تقول الاشاعات ايضا ان كان لها عشيق ثري جدا في وقت الوحدة بين سوريا و مصر كانت ترفض رفقته كلما حاول الاقتراب منها، فكثيرا ما زار الثياترو ليحضر نمرتها في كل ليلة ثم ليحاول التقرب منها، فكان معحب بجمالها و برقصها جدا، و لكن فشلت محاولاته جميعها معها، و يذكر الجميع مشاجرة قوية حدثت بينهم في ذات ليلة حينما رفضت الرقص بسهرة كان ينوي اقامتها لضيوف على شرف صفقة تجارية جديدة مع شركاء له، تكرر شجارهم بالثياترو لدرجة ان صاحبته طلبت منه مغادرة المكان و عدم العودة اليه، و لكن بعد هذا الموقف اختفت في ليلة و لم يعرف لها طريق بعدها، قالوا شهود عيان للصحف انها خرجت بالليلة المشؤومة كعادتها و لكن لم يراها احد بعدها، بعد اختفاءها بعدة اسابيع تعاقد الثياترو مع الراقصة المصرية حيث وجدت استحسان الجماهير سريعا، مما اجبر صاحبة البار  الذي اجلس به على التعاقد مع مطربة سورية لتجاري المنافسة بالشارع، و  توفقت بإمرأة صوتها جميل جدا وجدت القبول الجماهيري عندها، فاستطاعت الحفاظ على زبائنها، كانت المطربة اسمها ألمازه و كانت تظهر برفقتها فرقة سورية محترفة جدا،

نظرت من حولي على الطاولات المليئة بالزبائن و شعرت بالسعادة لصاحبة البار، فالليلة ستدر عليها بالمال الوفير نظرا لتوافد الزبائن بصورة كبيرة، كان اسمها بهية و كانت إمرأة في الستين عام، و بالرغم من سنها الا انها كانت جميلة و جذابة جدا، فكانت سورية من اصول تركية، بحثت عنها لابارك لها فلم اجدها بالمكان، ربما كانت برفقة المطربة بكواليس المسرح، فجأة ارتفعت صوت التمتمات من حولي فامتلأت الطاولات تماما بالزبائن، كان هنالك على مقربة مني إمرأة و رجل يتحدثان بصورة حميمة مع بعض، كانا قريبان من بعضهما البعض و كانت الابتسامات العريضة مرسومة على وجهيهما، كانت الامرأة شقراء ذات وجه ابيض جميل جدا و خصر نخيل، كانت ترتدي ثوب ابيض يكشف كتفيها و مساحة من صدرها، كان سلسال يتدلى من على رقبتها و خاتم ذهبي بيدها اليمنى، برقت جواهرها ببهاء امام عيناي فبدت كالحورية الحسناء و هي تأخذ رشفات من كوب نبيذ بين يديها، تركت حمرة شفتيها اثار على طرف الكوب قبل ان تضعه اخيرا من يدها، اهتز ما تبقى من نبيذ قليلا بالكوب ثم سكن امامها، كان الرجل برفقتها وسيم اسمر البشرة ذو شنب كثيف يغطي شفته العلوية، و كان يرتدي قميص ابيض و بنطال اسود، كان بجانبه على الطاولة قبعة رمادية اللون، كان جسمه رياضي فكانت اكمام القميص ملفوفتان الى الاعلى لتظهر بعض عضلات ساعديه المفتولة، نظر الرجل من حوله بعد ان قالت له الحسناء شيئا، و اشار لنادلة كانت تسير الى طاولة قريبة عليه، رأته و اشارت بيدها بأنها قادمة، كانت النادلة انيقة المحضر ذات بشرة سمراء و شعر اسود طويل يتراقص من وراء ظهرها كلما سارت باروقة البار، تحدثت لدقيقة مع فتوة كان يعمل بالمكان ثم اسرعت الى الطاولة التي بجانبي، طلب منها الرجل ان تملأ كوبيهما بالنبيذ، اخذت كأس الإمرأة و نظرت الي بإبتسامة قائلة “مساء الخير فراس،”

ابتسمت لها و اجبت “مساء الخير يا ريهام،”

“مثل كل مرة؟”

ابتسمت لها و قلت “سأغير مطلبي الدائم، هذه المرة سآخذ الويسكي فقط مع الثلج،”

وضعت الكؤوس على الصينية و سارت و اردافها تهتز يمنتا و يسارا برشاقة غزال البراري، لاحظت انها تسير بوتيرة انثوية  كالتي تريد اغراء رجل لمغازلتها فكان غنحها يهتز بنعومة واضحة، كانت ريهام جميلة من اصول مصرية و كانت تخدم طاولتي دائما،

فجأة عصف بالمكان التصفيق الحار فنظرت الى المسرح بالثياترو، صعدت الفرقة الموسيقية و انحنت احتراما للتصفيق، جلسوا اعضاؤها و التقطوا آلاتهم الموسيقية و ابتدأت اصوات الاوتار تعلو بعض الشيئ اثناء عملية دوزان سريع، سار احدهم الى المايكروفون الذي كان في مقدمة المسرح و قال معلنا “ألمازة الغناء في شارع شيكاغو، بلبلة الغناء العربي، صاحبة الصوت الطربي المميز…ملكة الطرب بالثياتروهات…”

فجأة دخلت ألمازة و عصف بالمكان تصفيق حار آخر لا مثيل له، وقف بعض من الجمع احتراما لها حيث تقدمت نحو المايكرون قائلة “شكرا…شكرا…برنامجنا الليلة حافل بالفقرات الغنائية التي اتمنى ان تنال على اعجابكم، اسمحولي لي ان ارحب برستم باشا عميد صناعات الموبيلية بلبنان، شرفت و نورة الشام استاذ رستم،” ابتسم لها رستم و اشار بيده هو و ضيفه الذي كان معه، اقتربت مني ريهام و معها الكؤوس و انا انظر الى من برفقة رستم باندهاش كبير، لم يكن لدي يقين انه يتردد على شارع شيكاغو اطلاقا، اذا الاشاعات التي نشرتها مجلة فن و سينما صحيحة بعددها الماضي، و لم تكن مغرضة، فركت عيناي و ريهام تضع الويسكي و المازات على طاولتي، نظرت الي ريهام متسائلة “ما بالك تنظر الى طاولة رستم باشا؟”

سألت بشغف “من معه؟ “

قالت لي “أنت مستغرب؟ كلهم يأتون ليركعوا عند قدمي ألمازه و هي تغني، ثم حينما يجلسون وراء مكاتبهم يتحولون الى ملائكة الرحمن و قديسين زمانهم، انه طلعت حمدي اكبر تجار اللحوم بالشام،”

نظرت الى ساعة يدي فكانت اقتربت من التاسعة مساءا، وقفت و انا اضع لها على الطاولة ليرة بأكملها، اخذتها قائلة “انت بمزاج سخي الليلة، لماذا تريد الخروج باكرا، ألم تشتاق لرفقتي؟”

فهمت بسرعة لماذا كانت تمشي امامي بنعومة منذ قليل، امسكة يدها الجميلة قائلا “تاخر الوقت و لدي مقال لأكتبه عن عمل درامي،”

ضحكت ضحكة مغرية كادت ان تجعلني اغير راي، و لكن كان عندي التزامي مع جمهوري، سألتني “عن ماذا مقالتك؟” ابتدأت المازه بالغناء، انخفضت اضواء الصالة و اشتعلت انارة بهية على المسرح، اجبتها بابتسامة صادقة “لا يمل من رفقتك، ساتركها لك مفاجئة، اشتري العدد القادم من مجلة ألوان فنية، بعد غد ساعود اليك، اوصلي سلامي لبهية خانم،”…

خرجت من البار و ألمازة تغني، كان الشارع مليئ بحركة الناس كالعادة، كانت السماء مليئة بالنجوم الوضاءة و كان نسيم دافئ يملأ الاجواء، ارتفعت من حولي تمتمات الناس و طقطقت النعول النسائية و هي تهم بالدخول و الخروج من المحلات من حولي، فاحت من حولي رائحة المشاريب الكحولية و انا اسير بالشارع، و لكن ذهني ابتدأ يفكر بما سأكتبه بالمقال،

***********************************

ب) دردشة عن مسلسل شارع شيكاغو

ب.١) الخلفيات السياسية للمسلسل بصورة عامة :

مع الاسف ليس هنالك مجال للمرور بصورة مستفيضة على كل هذا التاريخ الثري الذي يحيط بهذا العمل الكبير، و لكن الزمان و تاريخه عامل جوهرية اذ لا يشكل المناخ السياسي فقط التي تنولد فيه الاحداث و ترافقنا من اولى حلقات العمل الى آخر مشاهده الختامية، بل تكون بيئة مؤثرة جدا على الخطوط الدرامية، فنحن في حقبة كلاسيكية ثرية جدا بالاحداث السياسية بالمنطقة العربية، فالجمهورية العربية المتحدة حلم ملايين العرب كانت واقع ملموس للابطال اذ تقع الصراعات الدرامية في اوج لمعانها و حقبتها، و الذي يجب التنويه عنه تاريخيا هنا ان حالة العشق للمعسكر الشيوعي لم تكن وليدة الصدفة في منطقتنا المنقسمة على ذاتها اساسا، بل الغطرسة الغربية و همجية المستعمر الغربي بالتعامل في تلك الفترة مع منطقتنا العربية و امتصاص خيرات امتنا و دعمه للكيان الصهيوني القذر و اعلاءه مصلحته كمستعمر فوق كل مصلحة عربية، و مع قرار تأميم قناة السويس في سنة 1956 الذي اعلنه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ادخل مصر في نفس السنة بحرب كبيرة مع بريطانيا و فرنسا و اسرائيل، و عرفت بمنطقتنا بالعدوان الثلاثي اذ استشاطت غضبا هذه الدول لفقدانها الهيمنة على هذه القناة الاستراتيجية، و مع اشتداد ذروة هذا العدوان و الدعم الغربي لاسرائيل و تعاقب استقلال الدول العربية من الانتدابات الغربية في تلك الحقبات الباكرة من القرن الماضي خلق بالمنطقة مسافات بينها و بين الغرب، فما عادت مصر بقيادة جمال عبدالناصر تهوى تقوية اية علاقات دبلوماسية مع اميريكا و فرنسا و بريطانيا و اي من حلفائهم، فتبعا لذلك راينا عينين مصر تتجه الى الاتحاد السوفيتي لتقوية علاقاتها الثنائية معه و لاضعاف هيمنة الغرب عليها، و بمحاولة لايجاد متنفس لها بعيدا عن الضغوطات الاميريكيا، فمصر بعهد الراحل جمال اصبحت تهوى الاشتراكية فكانت كيان قومي لا يستهان به اذ طبقت الاشتراكية و القومية في سياستها الداخلية و في علاقاتها مع الخارج، فكانت في اوج عطائها بالمنطقة ككيان قومي لدرجة انه كان لها وجود عسكري باكثر من دولة عربية و افريقيا، فكانت تساند ثورات للاطاحة بنظم راس مالية لتعلو بها السياسات الاشتراكية و مصلحة المواطن و الطبقات العمالية بصورة مطلقة، و مما جعلها محط انظار السياسيين و الاحزاب القومية الحاكمة المحترمة في سوريا بعهد القوتلي، كانت سوريا قد نفضت عنها غبار الامبريالية عن طريق صراعات دموية ادت الى استقلالها كأمة عربية، و مع اشتداد التيارات المعادية للغرب من جراء ما تفعله لمساندة تاسيس دولة اسرائيل بالمنطقة، و مع تعمق المد القومي فيها ابتدات معالم وحدة قوية تتبلور في اعين الكثير من السياسيين، مما دفع الكيانين بعد عدة زيارات و ترتيبات بينهما الى اعلان ميلاد الحمهورية العربية المتحدة في الثاني عشر من شباط من عام 1958، و وقع هذا الميثاق الرئيس الراحل شكري القوتلي و الرئيس الراحل جمال عبدالناصر،

في وسط بركان ملتهب من المستجدات و الحروب مع الكيان الاسرائيلي القذر وسعت دمشق العروبة و الكرامة صدرها لميثاق العروبة و الكرامة هذا الجديد، و حتى لو انهار بعدها بثلاثة سنين الا انها كانت صفعة قوية الى بلاد الغرب حيث فهمت ان العرب حينما ينون على شيى قد يفعلوها باي وقت، مما ادى الى استعار المؤامرة و استبسال وكر ابليس المتمثل بالكيان الصهيوني القذر الى تقوية الشقاقات و الصفوف بين الدول العربية لجعل ميلاد الوحدات العربية امر مستحيل بالمستقبل، و لكن في اوج وجود هذه الجمهورية انكشف الشرق على مدرسة الاشتراكية و الشيوعية في اللاتحاد السوفيتي و مد الثورات الذي كانوا يقودونه اولادها حول العالم، و في محاولة وجودية لتقوية هذه المدرسة السياسية   الفكرية بالعالم و لمواجهة مد الرأس المالية التي كانت تتزعمه الولايات المتحدة اثناء الحرب الباردة، و لا ننسا ما حصل اثناء هذه الحقبة من مواجهات شرسة بين السوفيت و اميريكا في كوريا حيث اسس كل منهم قطره الخاص كنوع من ردع لهيمنة الاخر، كوريا الشمالية خضعت لهيمنة السوفيت بينما كوريا الجنوبية خضعت للهيمنة الامريكية، و لا ننسا الحروب الشرسة التي دامت لسنين طويلة في فيتنام و التي خرجت منها اميريكا مرهقة و بانتصار مثير للجدل بعدما اذاقتها الاحزاب المسلحة المدعومة من السوفيت الامرين بتلك البلاد…تلاحمت الرأس مالية و الشيوعوية لعقود طويلة و كادت ان تنقلب خلافاتهم الى مواجهات مسلحة كارثية باكثر من بقعة بالعالم و من بينها كوبا التي تأثرت بثورة اشتراكية كبيرة صعد الى الحكم بها الاخوين كاسترو صديقي الشهيد شي جيفاره…من اقوى المناصرين للاشتراكية و من اقوى الشخصيات المؤثرة بتاريخ الاشتراكية بمنطقة الشرق الاوسط و في اكثر من بلد حول العالم،

ب.٢) نبذة مختصرة عن ارنستو تشي جيفاره (تلفظ غيفاره):

ولد جيفارة في الارجنتين (14 يونيو/حزيران 1928 – 9 اكتوبر/تشرين الاول 1967) ، و هو كوبي ثوري ماركسي الفكر و الايمان، و هو طبيب و مفكر و كاتب و زعيم في بلده و باكثر من بلد تأثر بمسيرته الثورية، و هو ايضا قائد عسكري و زعيم حرب عصابات او ما يعرف ب(Guerrilla warfare) حيث حاول تحريك ثورات عسكرية باكثر من منطقة بالعالم، و لعل كانت النقطة الفارقة بحياته حينما زار على دراجته النارية بلدان عدة في اميريكا الجنوبية ليتعرف عليها اكثر، فلاحظ قوة هيمنة الانظمة الاقطاعية و الامبريالية على تلك البلاد و كميات القهر التي تعيشها طبقات الفقراء و العمال في ظل هذه الانظمة الاقتصادي و السياسية، فكونت هذا التجربة شخصيته و هو بريعان الشباب ليبدأ رحلته نحو الكفاح عن المستضغفين في اكثر من بلد حول العالم، و كانت بدايته بغواتمالا، حيث حاول صنع سلسلة من الاصلاحات الاجتماعية في ظل حكم الرئيس جاكوبو اربينز غوزمان، تقول بعض المراجع انه تورط بهذه الاصلاحات بالاشارة الى متعاب كثيرة مر بها، و لكن مما لا شك به ان المجريات السياسية خدمت جيفارا كثيرا حينها فتم اقصاء الرئيس جاكوبو من منصبه بدعم من المخابرات الاميريكية بسبب خلافات بينه و بين شركة الفواكه الاميريكية العملاقة “يونايتد فروت كو”، و بسبب بعض من سياسته الداخلية، مما ادى الى انتشار كبير لافكار جيفارا الثورية بغواتيمالا،

في المكسيك التقى براؤول كاسترو المنفي و الذي كان يحضر للخوض في غمار ثورة كبيرة في كوبا، و كان راؤول ينتظر خروج اخيه فيدل من السجن في كوبا، و نالت هذه الترتيبات على استحسان جيفارا حيث قرر الانضمام لهذه الثورة، و انضم جيفارا لحركة 26 يوليو التي قادت ثورتها المنظمة في الريف و المدينة الى ان تمكنت من تحقيق مرادها، و يعد ديسمبر من عام 1956 جوهري في حياة جيفارا حيث وصل هو و 80 مقاتل مع فيدل الى كوبا ليبدوا عمليات عسكرية في بلده، و رويدا رويدا استطاعوا تحقيق المكاسب الذي هدفوا اليها الى حين اجبروا الرئيس المدعوم من قبل اميريكا فولغينسيو باتيستا الهرب من كوبا في عام 1959، الجدير بالذكر ان الرئيس باتيستا كان دكتاتورا يحكم كوبا بالشدة بحسب ما ورد بالمراجع عنه،

برز جيفارا كرجل دولة قوي في كوبا و سرعان ما امسك بعدة مناصب حساسة فيها، فعمل على مراجعة الطعون للمحاكم الثورية التي كان النظام السابق يقيمها بحق الثوار، و قد اسس قوانين الاصلاح الزراعي حينما كان وزيرا للصناعة، و امسك ايضا بادرة البنك الوطني و كان رئيسا للقوات المسلحة الكوبية حيث كان الرجل الابرز بتدريب المليشيات المسلحة التي افشلت الهجوم على كوبا في هجوم خليج الخنازير1 ، كما سافر حول العالم باكثر من مهمة دبلوماسية ليمثل السياسة الاشتراكية في بلده حيث التقى بعدد من الشخصيات السياسية و القيادية، جلبت جولاته الصواريخ النووية البالستية الى كوبا من الاتحاد السوفيتي و حيث تسببت بالازمة النووية الشهيرة بين الدولة السوفيتية و امريكا، برز تشي جيفارا ككاتب ايضا حيث كان يكتب يومياته، كما ألف كتيب عن حرب العصابات، و قام بتأليف مذكراته التي اخبر فيها رحلته على دراجته في اميريكا الجنوبية، و هي باسم “رحلة شاب على دراجة نارية”،

جيفارا الاسد الثائر على الرأس المالية و الامبريالية و الاقطاعية، حيفارا المدافع عن قوت المستصعفين من قبل الاثرياء الذين يهضمون حقوقهم، جيفارا الذي كان يناصر العدالة لكافة طبقات المجتمع و الذي عارض كاشتراكي احتكار المقدرات الانتاجية للدولة من قبل طبقة ارستقراطية بالمجتمع و اسس دولة تدير كافة شؤون الانتاج للمواطنين، سرعان ما انخرط في ادارة ثورات خارج كوبا، و تقول المراجع انه في آخر ايامه كان على خلاف مع فيدل كاسترو و الاتحاد السوفيتي بسبب طريقة ادارتهم لازمة الصواريخ النووية في كوبا، فانخرط بثورات في الكونغو و بوليفيا حيث تابع حلمه بانشاء الاشتراكية باكثر من منطقة بالعالم، و اثناء جولاته السياسية زار الجمهورية العربية المتحدة و قابل الرئيس جمال عبد الناصر في سنة 1959، و ذهب لزيارة الجامع الاموي في دمشق حينها، فالرياح السياسية التي وجهت مصر و سورية نحو السوفيت تحت مظلة وحدتها جلبت اليها هذا المفكر و الثورجي العملاق ليقابل الرؤساء بها، و تقول المراجع انه عرض على مصر الاشتراك معه بالثورة في الكونغو بما ان مصر كان لها دورا اقليميا بارزا بالمنطقة و بالقارة الاقريقية، الا ان الرئيس جمال كان له بعض التحفظات على هذا الامر في بدايته، زار جيفارا فلسطين العربية في نفس السنة 1959، و التقى بقادة فلسطينين حيث اثنى جدا على كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني، كما التقى بالفرق المصرية المسلحة التي كانت تحارب في فلسطين، و تأثرت المقاومة الفلسطينة بالتجربة العسكرية لجيفارا، فكان للشهيد محمد الاسود دورا بارزا كقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على الصعيد التنظيمي و العسكري حيث لقب بجيفارا غزة، و لمدة ثلاثة سنوات قاد بنحاح مقاومة مسلحة ضايقة جيش العدو الاسرائيلي جدا و حيث نفذ العمليات العسكرية الناجحة فيها، توفي محمد الاسود في 1973 بعد ان جلب الى غزة تجربة جيفارا الناجحة للدفاع عن بلده، اما جيفارا نفسه فقد توفي اثناء اشتراكه بالثورة في بوليفيا في سنة 9 اكتوبر سنة 1967،

ج) العناصر الدرامية البارزة التي استخدمت في المسلسل:

ج.١) فئة المسلسل:

يتكون هذا العمل من عدة فئات ادبية، و الملفت للانتباه ان جميعها موجودة بعناية فائقة طوال حلقات العمل منذ الحلقة الاولى الى الاخيرة، فالمسلسل من فئة التاريخي الاجتماعي البوليسي العاطفي السياسي التراجدي، و يتخلله مشاهد من الاكشن و الاثارة مفعلة بمقدار مناسب مع احداثه الدرامية، فلا النكهة السياسية تطغى على اجوائه و على باقي مكوناته الفئوية و لا النكهة العاطفية تغلب عليه و تفقده روحه التاريخية و السياسية، كما يقوم بمعالجة مواضيع اجتماعية من خلال المحطات التي يمر بها ابطاله، و اللافت بالموضوع النكهة التراجيدية به و التي تذوب بنسيج احداثه الدرامية بصورة محترفة، فلا ننزعج من حدة نهايات ابطاله، فلا تهيمن التراجيدية الدرامية باجوائها الحزينة على مجمل الاجواء العامة به، العمل من اخراج  (مع حفظ الالقاب) محمد عبدالعزيز، و السيناريو و الحوار من تأليف محمد عبدالعزيز و علي ياغي و رزان السيد و يزن الداهوك، و الجدير بالذكر و المميز انه شارك به عدد كبير من الفنانين السوريين الذي لا يستهان بارشيفهم الفني اطلاقا، و كان من ابرزهم كضيف شرف و الذي زاد العمل قامة و قيمة الكبير دريد لحام2، و بالرغم من انه لا استطيع ذكر جميع ابطال العمل هنا الا انني اذكر على سبيل المثال لا الحصر سلاف فواخرجي و مهيار خضور و عباس النوري و أمل عرفه و نادين خوري و وائل رمضان و شكران مرتجى و جوان الخضر و فايز قزق و جمال قبش و نظلي الرواس، فهذا العمل كان متوازن السيناريو و الاخراج بحيث تضافرت جميع ادوار ابطاله الرئيسية و الثانوية و حتى الكمبارس ليقدموا لوحات درامية من الاتقان و الابداع، و كأنه لوحة متكاملة من ابداع فنان لم ينسى اي من التفاصيل ليجمل لوحته بها، سنمر على الخطوط الدرامية بالعمل في جزء ثاني لاحق من هذا المقال، عرض المسلسل في عام 2020 بالرغم من ان تصويره تأخر لبعض الوقت بسبب جائحة كورونا المأسوية و المؤسفة،

ج.٢) المنشورات/البوستر الدعائي للمسلسل :

كان لا بد لي ان اتوقف مع هذه الحادثة الملفتة للانتباه، فالبوستر الذي اختارته شركة الانتاج لطرحه لتسوق من خلاله العمل كان لقبلة بين سلاف فواخرجي (ميرامار و عفاف ايضا بالعمل) و مهيار خضور (مراد عكاش بالعمل)، و هو ما اثار غضب الكثير من متابعي الدراما الذي اعدوه تعديا على عادات و تقاليد مجتمعنا الشرقي، و رأينا ثورة من الاعتراضات التي فهمت العمل خطئا، و كونت الانطباعات الاولية المتسرعة قبل مشاهدة المسلسل و معرفة وزنه و حجمه الدرامي، و لي نقطتان، الاولى ان القبلة ليست خطئا دراميا، فلي مقولة دائما استشهد بها، و هي ان الحياة هي دراما و الدراما هي الحياة، هما توأم و الفرق و الوحيد بينهما ان الحياة الحقيقة اما الدراما فهي مرآة للحياة، فالدراما هنا من واجباتها اظهار ابطال اي عمل متقن بسماتهم الانسانية، فهاؤلاء الفنانين يقدمون ابطال بشر لهم خصائص انسانية يحب ان تكون مقنعة خلال احداث العمل ليظهروا بصورة موزونة للناس، فالفنان سيختبر شتى انواع الانفعالات خلال تقديمه للعمل الدرامي من غصب و فرح، من حب و كره، من سلام و فوضى و تقلبات في خطه الدرامي، و كله تتحكم به طبيعة المسلسل المقدم و حيث سيكون بخدمة النص المقدم، فلذلك القبلة هي حركة انسانية ظاهرية يعبر فيها البطل للبطلة عن حالة حب او انفعال يمر به، و هي اسرع و اكثر الانفعالات التي تخطر على بال العشاق في اي عمل درامي او لاي مخرج يريد اخراج المشهد بصورة ناضجة و مقنعة للمشاهد، هي ليست خطئ بالدراما فالعوامل التي تتحكم بالدراما تجبر المشهد ليخرج بهذا الشكل، و لا ننسى انه هوجم العمل من قبل من كان ينظر للقبلة على بوستر فقط، فلا البوستر اعطاه انطباع كافي عن العمل و لا نجح بعكس الروح الدرامية الكبيرة لاحداثه، البوستر ليس خطأ، و لكنه عن قبلة…فظن العديد من المشاهدين انه عمل تجاري، عمل يتمرد على مجتمعنا الشرقي، فاقول لمن هاجمه انت تهاجم فنان الذي هو بالاساس انسان و هو يقدم شخصية انسان آخر بالمجتمع…و اذا لم يقدمه بصورة مقنعة من خلال السيناريو و الحوار و العمل فلن يكون قد قام بواجبه على اكمل وجه، اقرأ سيناريو و حوار يا من تنتقد، ثم قف على المسرح او خلف الكاميرا، و حاول ان تقدم ما يقدمه اي فنان…و اختبر ما يختبره الفنان من انفعالات و هو يقدم دوره، حينها ستفهم بعض المشاهد الجريئة، انا لا اتكلم عن اعمال تجارية فقيرة الجوهر كالتي تتحفنا بها بعض شركات الانتاج بالوطن العربي، فالانتاج الفقير لن يبرز به الا المناظر الجريئة ان احتواها لانه خالي الجوهر ، بل اتكلم عن اعمال قامتها و قيمتها كبيرة مثل شارع شيكاغو و غيرها، و اخيرا ربما بوستر القبلة صنع رواجا الحد ما للعمل الا انه كان اقل من ان يعطيه حقه كعمل درامي كبير،

ربما نجد في مسرحية شيكسبير ما سيقرب و سيجسد كلماتي ايضا، و سيفسر لكم كمشاهدين للدراما كيف يرى معظم الكتاب العالم حينما يقدمون اعمالهم، و كذا المخرجين بصورة عامة، فما هو معطيات اي كاتب عبر تاريخنا الانساني الا ان ينطلق من العالم المعاش لينسج من خياله الروايات المختلفة ليقدمها للمشاهد، فيقول احد ابطال مسرحية شيكسبير و هي بإسم كما تشاء من خلال مونولوغ في الفصل الثاني المشهد السابع ” (الكلام مترجم من النص الانجليزي) الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلّا ممثلون على هذا المسرح، لهم اوقات ليدخلوا على المسرح و يخرجوا منه…الخ” و يشير هنا شيكسبير الى ان العالم عبارة عن مسرح كبير يولد الانسان به و يخرج منه في اوقات وفاته، ” و يكمل شيكسبير في هذا المونولوغ الشهير كيف ان الانسان يلعب عدة ادوار في حياته من الطفولة الى الشيخوخة قبل ان يغادر العالم، 

ج.٣) تتر المسلسل opening credits :

مما لا شك به ان تتر العمل في بداية المسلسل كان مميزا جدا، فالعمل تحدث احداثه في حقبتين زمنيتين، هما ايامنا المعاصرة و حقبة الجمهورية العربية المتحدة، فلذلك كان تتر العمل بموسيقته منسجم بما قدم مع اجواء العمل بامتياز، فمنذ افتتاحيته و يأخذنا بجولة درامية شاملة تتضمن مشاهد ارشيفية من خلفيته السياسية  ممزوجة باتقان جميل بمشاهد درامية من كلا الحقبتين…الحديثة و القديمة، و اعطت مشاهد الارشيف للرئيس الراحل جمال عبدالناصر في خطاباته الجماهيرية مع المشاهد الارشيفية لزيارة جيفارا لدمشق مع صوت هذه الشخصيات لمسة تاريخية جميلة لاجواء التتر ، كانت لقطات للعسكر و الجيش بعهد الجمهورية تحاكي زمن الجمهورية المتحدة حيث اتسم بالنزاعات المسلحة و عدة حروب بالمنطقة، فكرة عرض بعض مشاهد التتر بالالون الباهتة و الابيض و الاسود اظهره بهيئة الافلام القديمة و المهترئة بعض الشيئ ليعطي انسجاما مع الاحداث التاريخية و زمان العمل، التتر عبارة عن مدخل رائع للزمان و المكان بالمسلسل و يعلن هويته التاريخية و السياسية ليكون بما يسمى بالانجليزية prolugue او مقدمة للعمل، فبهذه الاطلالة و الرؤيا الاخراجية يعلن للمشاهد الروح الدرامية للمسلسل بامتياز، و لعله يغازل بتناسق اولى مشاهد العمل اذ تفتتح الحلقة الاولى بمشهد لنعمان (دريد لحام) مع الطاوس (وسيم الشبلي) و برهان في عام 1961 في شهر انهيار الوحدة، فنرى هذا الثلاثي يتحرك لدفن جثة ميرامار على خلفية صوت الرئيس جمال عبدالناصر باحدا خطابته بهذه المناسبة، نجاح التتر باداء وظيفته لفت انتباهي ففي الكثير من الاحيان لا يتم استغلال هذا العنصر الدرامي بالعمل لطاقته الابداعية بالشكل الذي فعله مخرج العمل، فهنالك من يظن انه لوحة اعلانات موجود فقط لعرض اسماء من اشتركوا به بصور مشهدية ساذجة جدا تكاد لا تتخطى تكرار حركي لمشاهد المسلسل، الابداع جميل و استغلال كافة عناصر العمل دراميا الى اقصى طاقاتها يساعد المخرج بعرض رؤيته الاخراجية و بمساعدة المشاهدين بالتفاعل مع العمل،

ج.٤) الاسترجاع الفني او flashback :

و هذه التقنية تستخدم بالادب و الدراما في حالات احب الكاتب ان يعود بالاحداث الآنية الى ماضي معين يخدم احداث الرواية او العمل، فينتقل القارئ او المشاهد من المكان الآني للعمل الى حقبات زمنية سالفة، و غالبا ما يثري هذا التكنيك الروائي الرواية او العمل ليساعد بتقديم تنوع اكبر بالاحداث و يعطي اثراء زمني للرواية، و قد يستخدم هذا الاسلوب منذ اولى مشاهد العمل و حتى منذ تتر البداية او الرواية بناءا على رؤية الكاتب او المخرج او في منتصف او آخر مشاهد العمل، فالمساحة لاستخدام هذا الاسلوب غير محدودة في اي رواية او عمل درامي،

و هنا نرى هذا الاسلوب يتم اسخدامه الى اقصى طاقاته الادبية بمسلسل شارع شيكاغو، و باسلوب محترف جدا اذا هو اساسا يحدث بالماضي، فنصف احداثه تحدث بعام 2009 و نصف الآخر في سنين الوحدة، فينتقل بنا الكتاب الذين كتبوه مع المخرج بين تلك الحقبات باسلوب رائع اذ تتوزع عمليات الاسترجاع بين الحقبتين طوال حلقات العمل لتعطي الاثارة المطلوبة للمشاهد و لتمنع اي روتين درامي يمكن ان يسبب الملل للمشاهد، فنرى التباين الجميل الذي يبنيه بين ايامنا المعاصرة في سوريا و بين تاريخها مع مصر الذي يعبق فيه روح القومية العربية و احداث سياسية و آمنية مثيرة جدا، و هنا ندخل في البنية الروائية للعمل، فتتألف من خطين متوازين (او حبكتين) متصلتين مع بعضهما في العمل، فهنالك الابطال في سنين الوحده ايام شبابهم، و هنالك الابطال في ايامنا المعاصرة، فخط الابطال الدرامي الذي يحدث في الجمهورية المتحدة يتواتر طوال العمل من خلال عملية الاسترجاع الفني مع خطهم الدرامي في ايامنا مما يعطي تباين رائع بالمكان و الزمان و بالاحداث و لاطلاتهم التي تغيرت عن ايام شبابهم، و يسمى هذا التكنيك بdouble plotting او بالحبكة المزدوجة اذ تسير بصورة متوازية الاحداث بينهما الى حين تتقاطع عن طريق التقاء الخطوط الدرامية للابطال بروعة تامة، و مثالا على هذا نرى شخصية نور الهدى (نادين خوري) و مراد عكاش (عباس النوري) تقريبا طوال حلقات العمل، نراهم باطلالات مختلفة في سنين الوحده و في ايامنا المعاصرة، و لكن بعد مقتل ميرامار الذي تم الاعلان عنه في الحلقة الاولى نفهم انهم لم يلتقيا منذ مقتل ميرامار في عام  1961، و بالرغم من اننا نرى حياتهم من خلال حبكتي العمل الا اننا لا نراهم يتقابلا في ايامنا المعاصرة الا في تقريبا منتصف حلقات العمل و بمشهد عاطفي رائع كان بمثابة ذروة ثانوية في العمل، فالتقاء خط سير كل حبكة في الحبكة المزدوجة محتوم بالعمل باكثر من نقطة كي لا تبتعد هذه الحبكات عن بعص و تبقى مترابطة، و هنا نرى عملقة درامية لا يمكن اخفائها اطلاق، فيحدث هذا الالتقاء ايضا بمخيلة مراد عكاش (عباس النوري) باكثر من مشهد بينه و بين جيفارا و بينه و بين ميرامار، و بين الضابط المحقق يوسف (وائل رمضان) و كهرمان (رفيف ادريس)، و هنا لا يسعني الا و ان انوه عن مشهد تتقاطع به هذه الحبكات بصورة مخملية ناضجة و ثرية، اذ اضفى روح اثارة مميزة جدا، فمنظر ميرامار و هي تسقي الورود في منزل عائلتها في الحقبة المعاصرة للعمل دفعنا للتساؤل كمشاهدين اذا كان الذي يحدث مع مراد فعليا حديث مع ميرامار في مخيلته ام كانت روحها تخاطبها حقا،

************************************

تابع أ) محطة روائية خاصة :

اخذت رشفة من فنجان القهوة الذي كان امامي، كانت القهوة لذيذة و لها رونق خاص في هذه الليلة فرائحتها فاحت في كل مكان بالصالة، صديقتي السوداء التي لا تفارقني و انا اكتب مقالاتي على الآلة الكاتبة، فمع كل رشفة من مذاقها المنعش يتجدد سيل الافكار و الخواطر في ذهني، و ها اتنفس الصعداء حيث طبعت على الآلة الكاتبة آخر سطر بالحزء الاول من مقالتي، فتيقنت ان العمل دسم فلم استطع كتابة كل ما اريد من افكار بالصفحات التي كنت انوي ارسالها للنشر، كان مقالي طويل هذه المرة، و بالرغم من يقيني ان رئيسة التحرير ستتذمر من طوله الا انها تعلم ان جمهوري يشتري المجلة ايضا ليتابع مقالاتي، كانت مارغريت حداد تحبني جدا، و كانت رغم ضغط العمل لا ترفض لي طلب و تنشر لي كل مقالاتي، ابتسمت لمجرد انني تخيلت وجهها كيف سيكون حينما اعطيها المقال…كانت ستشكو لي انني يجب ان اجاري الزمن و ان اكتب مقالات سيسهل على القارئ مطالعتها بسرعة، و لكنه شيئ ارفضه دائما، ربما حينما اعرض عليها امسية بثياترو بهيجة غدا ستشعر بالسرور، و لكن المشكلة قد تكون بريهام، فآمل ان لا تتضايق مني، كم كانت جميلة ايضا، و لكن لمارغريت معزة خاصة بقلبي، او ربما يستحسن ان آخذها الى ثياترو آخر بشارع شيكاغو…و لكن المشكلة آخرى تبقى إن رآني احد من ثياترو بهيجة و ان ادخل محل آخر، ستغضب مني…لا اعلم ما هو الحل، سأتركها للظروف،

اخذت سيجارة من باكيت اللكي سترايك و اشعلتها، انتشر الدخان بالصالة امامي حيث اجلس، فكرت بألمازه و عشاقها الذين يأتون لسماعها، كانت ذات صوت جميل جدا، كانت معروفة في دمشق و ضواحيها، فكنت اسمع عنها من حين لآخر من اصدقائي الذين كانوا قد شاهدوا حفلاتها بالثياترة…و و زيارات طلعت حمدي، فالذي كانت ترويه عنه كل صحف دمشق بأنه تقي و يصلي و يتبرع للكنائس؟ كان رجل ذو ثراء فاحش…ماذا يفعل في ثياترو برفقة من يرتشف الكحول و يؤجر بنات الليل لمتاعه…؟ ألعله يؤمن بالمقولة ساعة لك و  ساعة لربك يا مؤمن، ابتسمت لفكرة نفاق البشر و كم يبدعون بها، سمعت من اصدقاء صحفيين لي انه كانوا حراسه و فتوات المحل يمنعون المصورين من التقاط الصور له بالثياترو، و آن لاحظ احدهم ان هنالك كاميرا مصوبة عليه كانوا يصادروها بالقوة،

فجأة ارتفع صوت الآذأن، كانت الساعة الرابعة فجرا، نهضت من مكاني لاذهب لانام قليلا قبل الظهيرة حيث سأذهب و اسلم مقالي…و لكن شعرت بحدس مهني داخلي يقول لي ان اتابع اخبار طلعت، فشعرت ان هنالك امرا لم يريحني حول هذا الامر…يتبع…

هوامش :

  1. هجوم الخنازير عملية عسكرية نظمتها الاستخبرات الامريكية حينما دربت جنودا منفين الى خارج كوبا ليقوموا بغزو كوبا و قلب نظام حكم فيديل كاسترو،
  2. وجود دريد لحام بهذا العالم كفنان مشهور في حلقته الاولى، و حيث نراه ايضا بمشاهد خاطفة خلال العمل ما هو الا لإثراء العمل و اعطاءه وزنه المطلوب منذ بدايته، و حيث انه لعب شخصية كانت دراميا ساكنة او فاترة و خطها خالي من الاثارة، و كأنها في خلفية معينة بالعمل تكمل ثيمة الثياترو الذي يعمل به، و فحأة نراها بآخر حلقة بالعمل تقتل ميرامار، فلكي يعطي المخرج هذه الشخصية وزنها الدرامي جسدها من خلال دريد لحام منذ بداية العمل،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى