سواليف
أكد حسين محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين، أن التشخيص العلمي الدقيق للمشكلة الاقتصادية في الأردن من شأنه أن يساهم وبقوة في معالجتها دون تجميل أو مراوغة، محذرًا من أن إقرار قانون ضريبة الدخل الجديد سيشكل تهديدا للبناء الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الأردني، لما سيخلقه من “عوامل مهددة” تزيد من اتساع الفجوة وحدة الصراع بين الشرائح الاجتماعية.
وقال محادين : “إن الفقر أبلغ من كل الخطابات، والدراسات العلمية تشير إلى أنه كلما ارتفعت الفجوة بين الشرائح الاجتماعية كلما أصبح البناء السياسي والاجتماعي للدولة أضعف”.
وشدد على أن المشكلة الحقيقية الكامنة في قانون الضريبة الأخير أنها اتخذت منحى سياسيًا في الشارع الأردني، والدليل على ذلك أن حكومة الملقي السابقة عندما قدمت المشروع لم يحظ بتسويق قبلي ولا حوار مع الناس كما يجب، وكأنّه بدى مفروضًا على الأردن من خلال تبريرات صندوق النقد الدولي والعلاقة معه، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن العلاقة مع صندوق النقد الدولي إن كانت مع مصلحة الأردن فهي مهمّة وضرورية، لكن ما هو أكثر أهمية كيف يمكن أن ندير مواردنا نحن؟.
وأكد محادين أن سلطة صندوق النقد الدولي ليست سلطة مطلقة، بدليل أن كثيرًا من الدول لم تتفق مع الصندوق في تسديد برامجها الاقتصادية واختلفت معه وفقًا لمصالحها الوطنية.
وتساءل أستاذ علم الاجتماع: عندما ترتفع أحجام المديونية، لماذا لا تنعكس طبيعة الضرائب والرسوم وعائدات الخصخصة على تخفيض الضريبة، مستدركاً بالقول: صحيح أن لدينا تحديات أمنية في الإقليم وصحيح أن لدينا نفقات ولكن في المقابل لدينا إسراف وعدم استخدام رشيد للموارد ولدينا نزعة استهلاكية مظهرية عند الحكومة وعند المواطن وكل هذه العوامل تقود إلى خلق إشكالية بين ما يتمنّاه المواطن الأردني باختلاف مستواه الاقتصادي وما تجبيه الحكومة من ضرائب لا تنعكس للأسف بشكل واضح وملموس ومقنع على الخدمات للمواطنين لا سيما في المحافظات بدليل أن لدينا فجوة تنموية بين العاصمة عمّان والمحافظات الأخرى وبين محافظة وأخرى.
وتابع حديثه: “كل هذه العوامل تجعل الإنسان العادي متخوفًا من إقرار قانون الضريبة وثمة تياران يناقشان هذا الأمر الأول يقول إن الحكومة كسبت الوقت وأعادت إنتاج هذا القانون تحت شعار حكومة جديدة، وبقيت الأمور قريبة لما هي عليه في مشروع القانون السابق الذي أسقط حكومة الملقي بحراك الرابع وما قبله من حراكات وثمة تيار آخر يقول إن ما حصل وما تحقق من تعديلات على القانون هي أفضل من لا شيء”.
وأسف محادين لعدم قيام أكثر النواب بواجبهم في الدفاع عن المواطنين الذين انتخبوهم لينافحوا عنهم، قائلا: “يبقى المأزق ما هو دور مجلس النواب الحقيقي عندما نشعر أن كثيرًا من النواب تغيبوا عن مناقشات مشروع القانون ولم يدافعوا عن حق المواطن الذي انتخبهم لينافحوا عنه وكانوا إرضائيين مع الحكومة”.
وأضاف، واضح جدا أن داخل الحكومة نفسها أكثر من تيار لإدارة هذا الملف وإدارة مشروعات التنمية والرئيس الرزاز لديه رؤية قد تكون مختلفة عن سابقيه لكن هو ابن للظروف الموضوعية التي يعيشها هو أو غيره بغض النظر عن الاسم مع الاحترام، على حد وصفه.
وأكد أن المواطن العادي سيتضرر من فرض ضريبة الدخل بغض النظر عن النسب، لأنه بالتأكيد سيأخذ جزءًا من دخله بصورة قاسية كون هذا المواطن يعيش ظروفًا اقتصادية صعبة وتكاليف الحياة مرتفعة ولم يجر أي زيادات على القطاع العام الذي يمثل القاعدة الأساسية للإنتاج والتنمية والدخل أيضا في الشريحة الوسطى.
وانتقد محادين عدم أخذ القانون حقه في النقاش المجتمعي قائلا: “القضية الأساسية التي يجب أن يشار لها أن النقاش الذي صاحب القانون لم يرافقه تسويق نيابي أو حكومي لأهمية هذا القانون، إذ تزامنت مناقشته مع ظروف داخلية صعبة متمثلة بأحداث البحر الميت وما بعدها، وبالتالي كأن هذا القانون عبر بهدوء”.
واستدرك بالقول: “لكن ما هو عائد علينا من هذا القانون هو سالب لجزء من مداخيلهم الضعيفة خصوصًا ارتفاع تكاليف الحياة صعّب من مسألة إضافة ضرائب جديدة”.
وشدد محادين على أن الهوة ستتسع بين من هو متخم بالثراء والمواطنين البسطاء ذوي الدخل المحدود، إذ أن هذا السلوك في جني الأموال والأرباح تتمثل خطورته في أنه يشكل تهديدا للبناء الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الأردني، فالفروقات الاقتصادية ومستوى العيش لمختلف الشرائح واحدة من العوامل التي تقود إلى الصراع بين الشرائح الاجتماعية بدلاً من التنافس فيما بينها.
ما هو الحل؟
وفي سياق حديثه عن طرح حلول للمشكلة الاقتصادية وتبعات فرض ضرائب جديدة أشار محادين إلى أن القطاع العام كان يمثل في السابق جدارًا واقيًا للشرائح الفقيرة والدنيا، لكن القطاع العام بانسحابه وعدم قيامه بالتوظيف ساهم في التضخم ونسب البطالة والفقر من جهة، وفي المقابل القطاع الخاص بجشعه لم يسعف خطط الحكومة في تقليص فجوة التنمية وفرص العمل.
وأضاف قائلا: “نحن نتحدث عن فروق اقتصادية مهددة للبناء السياسي والاقتصادي، لأن الفقر أبلغ من كل الخطابات باعتقادي، وبالتالي على الحكومة أن تعمل على الحيلولة دون استمرار وجود مثل هذه الفجوة الواضحة يوما بعد يوم”.
وشدد على أنه يجب على القطاع العام أن يعادل من خلال العلاوات أو دعومات معينة للشرائح الفقيرة لتجنب مسألة الاحتكاك غير المأمون بين مختلف شرائح المجتمع لا قدّر الله، على حد وصفه.
وحذر محادين من أن الدراسات العلمية تشير إلى أنه كلما ارتفعت الفجوة بين الشرائح الاجتماعية كلما اصبح البناء السياسي والاجتماعي للدولة أضعف، مؤكدًا أهمية وعي المواطنين، ولكنّه في الوقت ذاته لا يكفي بالتأكيد لإشباع متطلبات الحياة أو تلبيتها بحد مقبول من العيش الكريم يفترض بالدولة أن توفره للمواطنين.
وطالب محادين المواطن الأردني أن يقلص من مظاهر الاستهلاك المظهري الباذخ أحيانًا، لأن المواطن الأردني الذي نحبه ونحترمه يتصرف بمستوى وعيه وليس بمستوى إمكانياته الحقيقية، وهذا ينطبق على الحكومة والمواطنين، على حد وصفه.
وأشار إلى أنه ثمة مفارقة أن العقلية التي يتمتع بها المواطن لا تختلف كثيرًا عن العقلية التي تتمتع بها الحكومة؛ لذلك على الطرفين أن يتكاتفا وأن يكون للقطاع الخاص دورٌ أكبر بكثير مما هو قائم، وأن لا يكتفي فقط بالربح، إذ أنّ عليه مسؤولية مجتمعية شاملة كي يستمر في بناء مشروعاته ويحفظها وأن يكون على تصالح مع بيئته.
وأضاف محادين، نحن لدينا شركات ضخمة مثل شركات الاتصالات ولا زال دورها الاجتماعي والتنموي هامشيًا خصوصًا في المحافظات، ولدينا شركات مقارها في المحافظات ولا تنعكس مدخلاتها على مشروعات تنموية لخدمة المحافظات وأبنائها.
واستدرك بالقول: “لا أتحدث عن عطايا أو هبات من المسؤولين بل مشروعات تنموية تقودها لتشغيل الأيدي العالمة ودعم المشروعات الصغيرة بالحد الأدنى”.
وحذر محادين من أنه لا يجب أن ننسى أن الإقليم برمّته هو إقليم ملتهب، وهذا اللهب نتمنّى أن لا يطالنا، ولكن ما يجري يساعد في زيادة عناصر التبرم وعناصر الاستياء الشعبي الجمعوي وهذا ما يجب أن ننتبه له.
وشدد على أن الأمن الوطني مرتبط بالأمن الإقليمي للمنطقة وبالتغيرات فيها، وعندما يكون الأمن الوطني متماسكًا، والوجدان الشعبي على قلب وطنٍ واحد، تصبح الأمور أكثر حصانة، وحتى نصل لهذا الأمر على الحكومة والقطاع الخاص والدولة الأردنية إعادة النظر في كل المشروعات التنموية للسعي نحو تقليص حجم تدنّي المداخيل للشرائح الفقيرة، وعلى القطاع الحكومي العام والقطاع الخاص الثري أن يحافظ على أمنه الاجتماعي بأن يكون على علاقة تصالحية مع بيئته المحيطة.
وأكد محادين أنه لا بد من التذكير أن صاحب الدخل المتدنّي سيعاني بمرارة أكثر من أي اقتطاع أو ضرائب إضافية على دخله الهش أصلا، وبغض النظر عن النسب ثمة شرائح ستتضرر بالنسبة لثبات مداخيلها وارتفاع نسب البطالة والفقر وبالتالي نحن نتحدث عن الأمن المجتمعي الذي يقوم على فكرة التكافل الحقيقي، والذي يجعل النسيج الوطني أكثر تماسكًا والإحساس بعدالة توزيع الضريبة متطلبٌ سابقٌ لمثل هذا النضج الوطني لدى الوجدان الشعبي في الأردن.
البوصلة