سواليف – رصد
أعلن الوزير الأسبق والكاتب الدكور مروان المعشر أنه لم يعد له بالإمكان الاستمرار بالكتابة في صحيفة الغد الأردنية ، وذلك بسبب ازدياد وتيرة منع مقالاته من النشر في الصحيفة .
كما نشر المعشر اخر مقالاته التي ارسلها لادارة الصحيفة وتم منعها من النشر ، مستهجنا في نفس الوقت ، كيف يمكن للكلمة ان تكتم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد انها لم تظهر في صحيفة ورقية. .
وتاليا نص المنشور الذي نشره المعشر عبر صفحته على الفيسبوك .
لسبع سنوات متواصلة، كانت الغد بيتي الفكري، فيها تعود قلمي على الكتابة عن هموم الوطن، الذي اعشق كما يعشقه كل ابناء و بنات هذا البلد الحبيب.
و منذ تغير إدارة التحرير في الجريدة العام الماضي، ازدادت وتيرة منع مقالاتي بشكل لم يعد مفهوما لدي، حتى لم يعد مقبولا لدي الاستمرار في الجريدة التي احب. تزاملت مع ناشر الجريدة الأستاذ محمد عليان في لجنة الأجندة الوطنية، يوم كانت الأحلام كبيرة و الأغاني ممكنة، و لا يسعني الا ان أتقدم منه بجزيل الشكر للفرصة التي اتاحها لي لكتابة عمودي الأسبوعي. اما معالي السيدة جمانة غنيمات فادين لها بالكثير، لان سقفها كان عاليا يوم كانت رئيسة للتحرير، و لانها كانت واعية بعمق لاهمية حرية التعبير حتى و ان لم تتفق معي دائما في الرأي.
احزن على من يعتقد انه يمكن للكلمة ان تكتم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد انها لم تظهر في صحيفة ورقية. و أقول لكل من يحاول ذلك: حظا سعيدا.
و الى لقاء.
مقالي الذي تم منعه من النشر:
تنبهوا و استفيقوا أيها العرب
مروان المعشر
ماذا يحدث في الوطن العربي من احتجاجات شعبية واسعة النطاق في العراق و لبنان و مصر و الجزائر و السودان ان لم يكن موجة ثانية مما اسماه الغرب الربيع العربي و اسميته اليقظة العربية الثانية؟ أثنتا عشر من اصل اثنتين و عشرين دولة عربية قد شهدت أو تشهد ثورات واسعة منذ العام ٢٠١١. و لكن الموجة الأولى انتهت في غالبيتها بقلائل و اضطرابات و حروب أهلية ما سمح للقوى القائمة في الوطن العربي بمخاطبة، أو تهديد، شعوبها بان عليهم القبول بهذه القوى لان البديل هو الفوضى.
هكذا، و بدون الالتفات الى المشاكل التي تتعرض لها مناطق واسعة من العالم العربي، و دون الاعتراف ان غياب الحاكمية الرشيدة السياسية و الاقتصادية هو ما ادى الى الاحتجاجات الشعبية، بشرتنا قوى الوضع القائم ان الربيع العربي تم تجاوزه، و ان المؤامرة الخارجية (دائما هناك مؤامرة خارجية) قد تم دحرها، و ان المسيرة مستمرة، رغم كل إخفاقاتها التي باتت واضحة وضوح الشمس، و ان ليس بالإمكان احسن مما كان و سيكون.
نجح الخوف من الفوضى في اسكات الناس مرحليا، و لكنه لم ينجح في حل مشاكلهم، و ها هم ينزلون الى الشارع في دول لم تشهد احتجاجات واسعة في الموجة الأولى من اليقظة العربية. فهل يقال لنا مرة اخرى ان هذه الموجة هي الأخرى مؤامرة خارجية؟ متى نتوقف يوما لنتحمل المسؤولية أنفسنا و ندرك ان العالم العربي لا يستطيع بعد اليوم ان يتجاهل الاهتمام بالحاكمية، و لا يستطيع إدامة نظام ريعي انتهى الى غير رجعة، كما لا يستطيع اسكات الناس بالقوة. تكمن في غياب الحاكمية و المؤسسات و سيادة القانون و العدالة الاجتماعية أسباب مشاكلنا، و لا زلنا نرفض الاعتراف ان ادارة الموارد و المؤسسات تتطلب حكما تغييرا جذريا في النهج، بعيدا عن الريعية و الأمن الخشن و نحو اعلاء قيم الإنتاجية و احترام التعددية و المواطنة المتساوية.
و للأسف، فقد أصبحت المطالبة بهذه القيم في الأردن تهمة لدى البعض أسموها ” التيار المدني”، لان دعاة التيار السلطوي المصلحي يريدون المحافظة على مصالحهم على حساب الوطن، و لان سيادة القانون على الجميع و بناء دولة المؤسسات من شأنها تهديد هذه المصالح.
وحدها تونس تواصل إعطاءنا الدروس، و لا تجير أصواتها لاحد، و تقلب الموازين عن طريق صندوق الاقتراع، و يتم تداول السلطة فيها سلميا بين الإسلاميين و الليبراليين و اليساريين و المحافظين و شتى الأطياف السياسية وفقا لادائها على الأرض في درس ديمقراطي بالغ الأهمية، و لكن احدا من الأنظمة العربية لا يريد ان يسمع.
لا زال التشبث بالوسائل القديمة و بالسلطوية سمة متفشية في العالم العربي رغم كل الشواخص التي تثبت فشلها، و رغم الاخفاق تلو الإخفاق. و لا زالت الوطنية لدى هذه الأنظمة تعرف بمدى تملق صاحبها للسلطة، اما النصح الصادق فخيانة! و لكن الشمس لا تغطى بغربال. و عاجلا ام آجلا لا بد من مواجهة الحقيقة الساطعة و هي اننا بحاجة الى أدوات جديدة ضمن إطار جديد قوامه الحاكمية الرشيدة و الالتفات الى معالجة القضايا الاقتصادية و الاجتماعية وفق منظور الكفاءة و العدالة الاجتماعية. هذا ما سيحفظ الاستقرار و ليس التشبث بمقولة الأمن و الأمان التي ما عادت وحدها تصلح لعالم اليوم كما ترينا كل الدول من حولنا.
حين اطلق النهضوي العربي إبراهيم اليازجي قصيدته المشهورة، “تنبهوا و استفيقوا أيها العرب، فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب”، كان يرمي صرخة استغاثة لاستنهاض الشعوب العربية. اما اليوم فهذه الصرخة موجهة للأنظمة العربية لتغيير نهجها بعد ان استفاقت شعوبها و لم تعد ترضى بما رضي به آباؤها و أجدادها.