#خواطر
د. #هاشم_غرايبه
في هذا اليوم الأعظم من بين كل أيام السنة، تزدحم المشاعر وتتدافع الأفكار.
ففي هذا اليوم ينظر الله الى هذه البقعة الصغيرة من الكون الشاسع المسماة المجموعة الشمسية، والى النقطة الضئيلة فيها والمسماة الكرة الأرضية، وتحديدا الى المنطقة المباركة التي وضع فيها بيته الحرام، ليتفقد الحجيج الذين جاءوا من كل بقاع الأرض، ملبين نداء ابراهيم عليه السلام، يلهجون جميعا بلسان واحد مهما اختلفت ألسنتهم وأعراقهم وألوانهم: لبيك اللهم لبيك.
عندما يراهم الله وقوفا على صعيد عرفة، قد جاءوا من كل فج عميق، وتركوا أهلهم وولدهم وقومهم وكل ما يملكون من متاع الدنيا، لا يلوون على شيء، بل يدعونه تعالى خوفا وطمعا، وهم يرتدون ملابس الإحرام التي محت الفوارق بينهم، فباتوا جميعا أقرب الى الصورة التي سيكونون عليها يوم البعث، يرجون رحمة الله وعفوه، عندها يباهي الله تعالى بهم الملائكة، مذكرا إياهم بما قاله لهم يوم أن أخبرهم بأنه سيخلق بشرا ويستخلفهم في الأرض: “اني أعلم ما لا تعلمون”، فهؤلاء الذين اعتقدوهم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، هاهم يتقون الله مخلصين له الدين ولو كره المفسدون وسافكو الدماء من البشر اتّباعهم لمنهج الله، بل صبروا على أذاهم وجالدوهم وجاهدوا بكتاب الله جهادا عظيما ..، ثم يشهدهم الله أنه قد غفر لهم وأجاب دعاءهم، وأعد لهم أجرا عظيما.
هذا الموقف العظيم يحسدهم عليه المؤمنون، ويتمنون نواله، ويكرهه لهم الكافرون والمنافقون كونه يفسد أمانيهم في الصد عن دين الله، فمن نال هذا الشرف لا قدرة لهم على صده عن منهج الله، لذلك رأينا أن أكثر عبادة تثير غيظ هؤلاء هي الحج، وقد بذل الغرب المستعمر جهودا محمومة لثني المؤمنين عن أداء هذه الفريضة.
منها أن المستعمرين الأوروبيين كانوا يفرضون رسوما باهظة على طالبي الحج من مسلمي دول جنوب شرق آسيا، كما كانت أساطيلهم التي كانت تجوب المحيطات بحجة الاستكشافات الجغرافية، تنكل بأية سفينة تصادفها ذاهبة الى الحج أو عائدة منه، إذ كانت تغرقها بعد احراقها ومن فيها أحياء.
وبعد أن وجد الاستعمار الغربي أن كلفة الاحتلال العسكري المباشر لديار المسلمين عالية، تحول الى الاستعمار غير المباشر، عن طريق ربط النظام الحاكم بمعاهدات تلزمه بالانصياع لاملاءاتهم، فوضع لكل قطر راية ونشيدا ليوهمهم بالاستقلال، وأسمت الأنظمة ذلك بمرحلة التحرر والمد القومي.
وكان من ضمن تلك الاملاءات العمل الحثيث على ترك منهج الله واتباع منهجهم العلماني، والتضييق على فريضة الحج، كونها أكثر العبادات جمعا لكلمة المسلمين وتوحيدا لهم، فهي التي يخشون منها أن تعيد المسلمين الى توحدهم تحت راية الدولة الإسلامية من جديد.
بناء على تلك التوجيهات رأينا كيف يتم التضييق على طالبي الحج من الدول الإسلامية، وفتحه بلا قيود لغيرها، وتحديد الأعداد بكبار السن، وحاليا لا يسمح إلا لمن تجاوزوا الخامسة والسبعين، لأجل استبعاد الحجاج الشباب الذين يعول عليهم في الجهاد.
ومن ضمن تلك القيود تخويل شركة (vsf) الأمريكية بمنح تأشيرات الحج، والتي لديها قاعدة بيانات هائلة ومفصلة بتوجهات الناس وأفكارهم لأجل استبعاد من يخشون منهم نوايا التأثير الفكري في الحجيج.
وليست التوجهات لانشاء هيئات للسعادة أو للترفيه إلا من ضمن تلك الجهود المدروسة بهدف التحول الى السياحة الترفيهية كبديل للحج الذي أسموه السياحة الدينية لافراغه من عمقه العقدي، وذلك لتعويض الفاقد من تقليل عدد الحجاج، كون الحج يحقق أعلى مردود اقتصادي بين كل النشاطات الانتاجية، ولو أتيح المجال لكل حاج لجاء الملايين والذين سينفقون المليارات.
من الوسائل التي يلجأ إليها منافقو العصر في الصد عن الحج وتسفيه جهد الحجاج، ادعاءهم الشفقة على المحاصرين في القطاع، بالقول أليس الأجدى أن تنفق كلف الحج على دعم الأشقاء!؟.
كلامهم مردود لأنه حق يراد به باطل، فدعم المجاهدين والمرابطين واجب وليس تبرع، وهو على الجميع الحاج منهم والمقيم، فهل من يصد عن الحج ويحارب متبعي منهج الله وينعتهم بالإرهابيين يؤدي ذلك الواجب؟، وهل الذي يمانع تطبيق منهج الله ويدّعي الوطنية والقومية.. هل يصدع بالواجب الوطني أو القومي الذي يفترضه تعرض القطاع للعدوان!؟.
كل عام ونحن الى التحرير أقرب.. وتقبل الله الطاعات.