حين يكون وجه الطفولة ملثما بالشقاء
في رمضان تحتلف حياتي وتنقلب راسا على عقب تتبدل الاوقات فالليل عندي يصبح نهارا والنهار حين يبدا يطرح السلام على وجه الارض انام.
في كل ليلة حكاية وقصة وروايه وشيء نراه ربما يكون مؤلما او ربما يكون فيه من الشقاء ما لم نراه.
ذات ليلة رمضانية امتد بي الصحو حتى السادسة صباح كنت مختنقا فقررت ان احرج الى الرصيف المقابل لبيتي اطرح السلام على الشمس التي لم اكن احبها الا حينما تغيب.
وقفت اناظر الشوارع الصامته والشمس التي ترسل دفئها على استحياء فلمحت في اخر الشارع اثنان يجران عربة يقفان تارة ويغادران تارة مما اثار فضولي ووقفت انتظر حتى يصلان.
ثمة شيء يلتقطانه عن الارض ومن جانب الحاويات انا اراقب خطواتهما المنهكة واراقب تقدمهما البطيء وعيونهما التي تجوب ارجاء المكان وصوت العربة التي تهتك ستر صمته .
اقتربا اكثر وانا ادقق النظر حتى اقتربا واذ باحدهما يشد اللثام على وجهه ويشيح بوجهه عني مسرعا كانه خجلا او انه اراد ان يهرب من شي امامه فزاد لفت انتباهي اليه ولما تدلى عنقه نحو الارض يريد ان يتناول علبة الببسي الفارغة عن حدث شيء؟
في غمرة هروبه سقط اللثام عن وجهه . يا لهول المنظر يا لهول الاحراج ويا لهول الصدفه البائسة التي جعلتني انظر اليه، ثمة وجه ملائكي اعرفه ثمة حزن وخجل فقد كان صديق ابني الصغير يساعد والده في لملمة علب الببسي وما تيسر من خشاش الارض .
في تلك اللحظة ادركت انه لا يريد ان اراه واستجبت لرغبته التي قالها لثامه على وجهه كاني لم اعرفه ولم اراه فلملت جسدي وخجلي الاكبر منه وتعب نفسي وودعت الشمس والرصيف وعدت الى سريري.
صديق ابني عزيز النفس اكله الفقر اكلا حتى في رمضان فانه يلملم خشاش الارض ليقتات بها ووالده الذي نهره حين اشاح بوجهه عني مختبئا اراد ان يقول له لما تختبيء من نفسك فقسمة الله هذه وهذا ظلم ذوي القربى .
نلقي الطعام في رمضان في الحاويات وغيرنا يبحث عما يقتات به… وفي غير رمضان نلقي انفسنا في الملذات …….وغيرنا لا يجد الا الاهات وتبقى الطفولة تغطي وجهها بلثام الحرج فقد كبرت وشاخت قبل الاوان ..
طلبت من زوجتي ان تطبخ افضل الطعام في هذا اليوم وندهت لابني وطلبت منه ان يعزم صديقه على الافطار ……….. حموده ابني استجاب وهرول الى صديقه ولكن الطفل الذي شاب اعتذر فهو قد باع ما لمله من خشاش الارض الارض وعلبها واشترى بالقيمة افطارا لامه وابيه .
هذا الطفل بفقره وعفته وتعبه ……..بلباسه الكث بوجهه الشاحب بلثامه بحذاءه البالي بخجله الدامي وبؤسه وشقائه بدمعه ووجعه وبخطاه المثقلة على الارض فيه كرامة اكثر من كل حكومة مرت على بلدي .
هذا الطفل لبس اللثام ربما ليخفي ملامحه فقد احرجه الفقر كثيرا وحكومات بلدي لبست لثام العفة والطهر فاخذت قوت هذا الفقير ومستقبله ولكنها لم تستطع ان تاخذ منه عزة نفسه وبعض خصلات الشيب التي زينت مفرق الطفولة في راسه ولم تستطع ان تاخذ منه رغبته في الحياة وهي بالتالي لم تستطع ان تنزع عن وجه طفولته لثام الشقاء.