حين يصبح الفساد وساماً على الصدر!

حين يصبح #الفساد وساماً على الصدر!

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

لم يعد #المشهد_السياسي_الأردني بحاجة إلى شروح طويلة ولا إلى تحليلات معمقة كي نفهمه؛ فهو بات أقرب إلى مسرح عبثٍ كبير، تُدار فصوله على خشبة مليئة بالغبار، فيما يُطلّ على الجمهور ممثلون يرتدون أقنعة مهترئة. والصدمة الأخيرة التي تلقاها الشارع الأردني، بتعيين #مسؤول سبق أن أُدين بجرم #استثمار_الوظيفة العامة، ليست سوى فصل جديد من هذه المسرحية الرديئة.

#الشعب_الأردني الذي كان يعلّق آمالاً عريضة على حكومة الدكتور جعفر حسان، استيقظ على أول مسمار يُدقّ في نعش تلك الآمال. حكومة بدأت بدايات مبشرة، وتغذت من الرؤية الملكية للإصلاح السياسي والتحديث الاقتصادي، وسوّقت نفسها بزيارات ميدانية ووعود براقة. ولكن، يا لسخرية القدر، كيف لزهرة أن تذبل في أول ربيعها؟ كيف لحكومة أن تفقد رصيدها الأخلاقي في خطوة واحدة؟

التوقعات من #رئيس_الوزراء كانت واضحة: ممارسة الولاية العامة، والالتزام بالمصلحة الوطنية، واحترام الرأي العام. لكن ما حدث أعطى إشارة مغايرة تماماً. وكأن الرسالة تقول للناس: “لسنا معنيين بكرامتكم ولا بذاكرتكم، المنصب فوقكم وأنتم مجرد هامش”.

أي عبثٍ هذا؟!
ألسنا في دولة تقول صباح مساء إنها تحارب الفساد؟ كيف نقنع #المواطن_الأردني بأننا جادون في بناء دولة قانون ومؤسسات بينما نُكرّم من عبث بالوظيفة العامة بإعادته إلى حضن المناصب؟ كيف نواجه شاباً عاطلاً عن العمل، يحمل شهادته الجامعية ويطوف على الأبواب بلا جدوى، بينما من لوّث منصبه يُعاد تسويقه كأنه خبير منقذ؟

لقد تحولت العدالة في بلادنا إلى عرض كوميدي ساخر. الفساد يغتسل بماء القانون، والجريمة تُختصر إلى “هفوة إدارية”، والناس يُطلب منهم أن يصفقوا ويهتفوا: “عاش المسرح!”. أي مسرح؟ مسرحية عنوانها: من يُدان يُرقّى، من يُهمل يُكرّم، ومن يستهتر بالشعب يُكافأ بمنصب جديد.

ولو كان المسؤول المعني يملك ذرة من احترام لذاته أو للشعب، لكان تقدم باستقالته فوراً، لا لأن الاستقالة بطولة، بل لأنها أقل أشكال الاعتذار الممكنة. لكن للأسف، في بيئتنا السياسية، الاستقالة كلمة منقرضة، لا تظهر إلا في قواميس الشعوب الأخرى.

والأدهى من ذلك أن الأقلية القليلة المتحكمة بالسلطة والثروة والنفوذ لا تبالي كثيراً بالرأي العام، بل تنظر إليه كـ”ضجيج شعبي” سرعان ما يهدأ. وهذه العقلية هي التي قتلت ثقة الناس بالدولة، وأفقدتهم الإيمان بجدية أي مشروع إصلاحي.

الناس ليسوا بلا ذاكرة، وليسوا قطيعاً من الأغنام. كل قرار صادم يُراكم إحباطاً جديداً، وكل صدمة تُضاف إلى سجل طويل من الانكسارات. والنتيجة: فجوة هائلة بين الدولة والمجتمع، بين السلطة والشعب، فجوة تتسع يوماً بعد يوم، حتى غدت أكبر من أن تُردم بالوعود والخطب.

إن ما حدث ليس مجرد “تعيين خاطئ”، بل هو رسالة سياسية وأخلاقية خطيرة: أن الفساد لا يُحاسَب، بل يُكافأ، وأن الشعب الأردني في نظر بعض النخب مجرد تفصيل صغير في معادلة الحكم.

لكن، هيهات. فالشعب الذي تعب من المسرحيات الرديئة ما زال يملك ذاكرة، وما زال قادراً على قراءة النصوص بين السطور. الشعب يعرف أن العدالة غابت، وأن المصلحة العامة وُضعت في غرفة الإنعاش، وأن الفساد، بكل أسف، صار وساماً يُعلّق على صدر بعض المسؤولين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى