
#حفاوة_ذاكرة
احياء موات مع ……….. لماذا؟…
فيما مضى من ذاكرة
كنت كثيرا مااسمع من الدهماء وتشمل ارهاطا من الاكاديميين الذين لم يزل الكثير منهم حبوا على بساط المعرفة تركتهم امهاتهم ولم يزل عند كثير منهم( حليب اللبا)..لم يبرح الرضعة الاخيرة ما قبل فطامه وفصاله وان تجاوز عامين كاملين لمن اراد فصالا.. لم اكن استغرب إذا صدر من الطلبة ولكن الغربة في السؤال حتى وصل الامر عندما يذكر بسام هلول من لدنهم ينهضون جريا على أمشاط اصابعهم اه نعم هذا الذي عرف عنه في الأمية الاكاديمية سؤال عنونته( لماذا…؟ والجواب…لإن..يالحماقة الصبية الكبار ولم يقف الامر هذا عند شأو الذي بلغ في عقول الزملاء ومن سمع من اكاديميي( الأنصاف)..اه هذا الذي طرح على طلبه سؤالا ضميمته وجواله مستخلص( لماذا)..حتى بلغ بهم الجهل والسذاجة عند تناهي الخبر إلى أسماعهم في اصقاعهم إذا ذكر الدكتور بسام الهلول فورا تسعى بهم مالم يقف الواحد منهم( ولا تقف ماليس لك منه من علم)..وهذا على سبيل الوشاية الأمر الذي تشنأه نفر من حملة علوم الشريعة( وكثير منهم شذاذ آفاق)..لايدرون ان المئوية الان تحتفل بمرور قرن على الفيلسوف( قراءه في مئويه الفيلسوف مراد وهبه.. قرن من المقاومة الفكرية… وهاانت تراني مقابسا بين يدي مناسبة…
لم يكن ميلاد مراد وهبه قبل مئة عام مجرد حدث في سجل الزمن، بل كان ولادة عقل سيصبح لاحقا واحدا من أكثر العقول العربية تمردا على المألوف، وأشدها إصرارا على أن تسير الفلسفة في الشارع لا في الرفوف. جاء في لحظة كان فيها العقل العربي يخاف الأسئلة، فتجرأ على طرحها. وفي زمن كانت فيه الحقيقة حكرا على أصحاب السلطة، فانتزعها منهم ووضعها فوق طاولة النقاش. لم يكن فيلسوفا ينتظر أن يتغير العالم من حوله، بل كان هو من يطرق جدرانه، ويهز يقيناته، ويضيء زواياه التي أطفأها الخوف.
حين نقترب من مئوية مراد وهبة، ندرك أننا لا نحتفل بعمر رجل، بل نحتفل باستمرار صراعا بدأ منذ قرون. معركة خاضها ابن رشد ضد فقهاء زمانه، ويخوضها مراد وهبة اليوم ضد الأصوليين وجماعات الإسلام السياسي.
المشهد ذاته يتكرر عبر الزمن، لكن الأسماء وحدها هي التي تتغير.
كما نفي ابن رشد وأحرقت كتبه، تعرض مراد وهبة للفصل من الجامعة، ومنع من التدريس عامين كاملين، لأن العقل الحر في عالم يخشى التفكيرجريمة لا تغتفر.
وكما رد ابن رشد على تهافت الفلاسفة بكتابه العظيم تهافت التهافت، سخر مراد وهبة من الذين يحتكرون اليقين وسماهم «ملاك الحقيقة المطلقة»؛ووهو اسم إحدى مؤلفاته الهامه..ذلك اللقب الذي يكشف جوهر المعركة: حرب بين من يرى الحقيقة أفقا واسعا مفتوحا، وبين من يختزلها في رأي واحد جامد لا يتغير
مئة عام مرت على ميلاد الفيلسوف الذي ظل يحاول ان يوقظ فينا شهوة التفكير، ويعيد للعقل مكانته المفقودة في حضارتنا المنهكه
لم يكن مجرد استاذ فلسفة، بل مشروع نهضوي كامل يمشي على قدمين، يسعى الى ان يعيد للعرب ما فقدوه منذ قرون: القدرة على التفكير الحر.
مراد وهبه هو ذلك الصوت الحاد الذي اصطدم مرارا بجدران الجمود، ولم يمل، ولم يهادن. امن بان التنوير ليس رفاهية، وبان العقلانية ليست خيارا تجميليا، بل شرط الوجود الانساني ذاته. وفي لحظة كان فيها العقل العربي محاصرا بين التطرف والانكفاء، خرج وهبه ليقول عبارته الشهيرة: لا نهضة بلا عقل، ولا عقل بلا حرية، ولا حرية بلا فصل بين الدين والسياسة.
كان يرى ان معركتنا الكبرى ليست مع الواقع، بل مع طريقة التفكير التي تصنع هذا الواقع. لذلك دعا الى نزع القداسة عن الافكار، والى اخضاع كل شيء دون استثناء لمبدأ الشك. فالحقيقة عنده ليست ميراثا جاهزا، بل رحلة في المجهول، وان التفكير هو الفعل الاخلاقي الاول.
ولم يكن التنوير عنده مجرد تنظير اكاديمي؛ فقد حاول ان يمنحه جسدا ومؤسسة، فاسس مؤسسة ابن رشد للفكر الحر، بوصفها مساحة تجتمع فيها العقول التي تؤمن بان الحضارة لا تبنى باليقين المغلق، بل بالنقاش المفتوح. كانت المؤسسة امتدادا طبيعيا لفكر الرجل، ومنصة تعاون فيها مفكرون واكاديميون واعلاميون بهدف احياء سؤال التقدم في عالم عربي انهكته الازمات.
لقد امن وهبه بان تحرير العقل هو الخطوة الاولى نحو تحرير المجتمع، وبان ابن رشد ليس مجرد رمز تاريخي، بل وصفة انقاذ: ان نعود الى جذوة العقل التي اطفئت يوم احرقت كتبه، وان نعيد وصل ما انقطع بين الفلسفة والحياة، بين الايمان والحرية، بين الانسان وقدرته على التفكير.
ومن هنا كان إصراره على استعادة ابن رشد؛ ليس بوصفه صفحة من التاريخ، بل بوصفه قوة فكرية حية، ما زالت قادرة على خوض المعركة إلى جانبنا.
فمعركتنا اليوم كما يرى وهبة ليست إلا امتدادا لمعركة ابن رشد: مقاومة الجمود، والانتصار للعقل، والدفاع عن حق الإنسان في التأويل.
والتأويل عند مراد وهبة ليس لعبة لغوية، بل مبدأ وجودي:
إنه الامتناع عن التكفير، لأنه يفتح الباب للتعدد، ولإمكان أن يكون للعقل أكثر من بديل وأكثر من طريق.
العقل الذي يكتفي ببديل واحد يسقط في الدوغمائية، يتوهم أنه يملك الحقيقة المطلقة، وحين يقع في هذا الوهم يتوقف التطور، ويُغلق المستقبل أبوابه.
التأويل كما يفهمه مراد وهبه هو رحابة، تسامح، واعتراف بأن الحقيقة لا تنزل على عقل واحد، ولا تختصر في رأي واحد، ولا يمكن أن تختذل في نصٍ مغلق.
وهكذا تصبح الرشدية المعاصرة دعوة إلى التحرر، وإلى أن نعيد للعقل قدرته على تنويع البدائل، وعلى مواجهة العالم بلا خوف.
وها نحن اليوم، في ذكرى ميلاده المئوية، نقف امام ارثه لا لنجله فقط، بل لنسال انفسنا:
هل نستطيع ان نحمل المشعل من بعده؟
هل ما زال لدينا الشجاعة لطرح الاسئلة التي كان يطرحها؟
ام اننا ما زلنا ندور في الدائرة نفسها التي حاربها طوال حياته؟
في النهايه. يظل مراد وهبة واحدا من القلائل الذين حملوا مشعل التنوير دون أن ترتعش أيديهم.
مائة عام قضاها وهو يقف في الصفوف الأولى للمعركة من أجل أن يبقى العقل حيا، وأن تبقى الفلسفة في قلب الحياة، لا في أطرافها.
سلام على هذا الرجل الذي أعاد للرشدية أنفاسها، وللعقل العربي حقه في السؤال، وللفكر مساحته التي يستحقها.
ان حديثي اليوم عن الفيلسوف الكبير مراد وهبه ليس استدعاء لماض بعيد، بل محاولة لاستعادة بوصلة فقدت.
فهذا الرجل لم يكتب ليصفق له احد… بل كتب ليحررنا من الخوف، وينتزع من اذهاننا وهم المسلمات، ويذكرنا دائما بان الحضارة تولد حين يجرؤ الانسان على ان يقول: لماذا؟
في مئويته…
نقول له: شكرا لانك ظللت واقفا في وجه الريح.
شكرا لانك كنت ضوءا حين كان الظلام سيد الموقف.
في مئويته، لا نحتفي برجل تجاوز العمر، بل بفيلسوف تجاوز زمنه. لا نحتفل بمن عاش مئة عام، بل بمن منح هذه الاعوام معناها.
لقد ترك مراد وهبه لنا ما هو ابقى من السيرة وما هو اكبر من الاعمال: ترك لنا سؤالا مفتوحا لا يموت، وسعيا لا يتوقف، وجرأة لا تنكسر امام سلطان او خطاب او جماعة.
وحتى لو غاب جسدا سيظل الفيلسوف مراد وهبة حيا في وعينا لا بذكراه، بل بما ايقظه فينا من شغف لا ينطفئ نحو النور….واحمده تعالى ان جاءت المناسبة نعيا على مرور وفاة( وهبة)..في حين قطعت مع طلبتي ( ولكن اكثر الناس لايعقلون).. لايسؤوك ان تأتيك المرارة من العوام فهذا ديدن الجاهلية حتى مع أنبيائها …حتى وصل الأمر بنبي الله( لاتخزوني في ضيفي)…لكن شذوذ الفطرة اقلهم بعيدا عن رشدها فإذا هم مبلسون)…نعم فإذا بهم مبلسون ….وقد تركتهم وبقية من أنسالهم لم يرعووا …فلا تخزوني في ضيفي….. نعم وان استجديتها ان ينبري منهم( رجل لم يفته رشده)..ولكن هيهات….عملا بوصفة الدهر النطاسي الامهر( اليس فيكم من رشد)..لأتعمى الابصار وانما البصيرة في القلوب …

