ثقافة العولمة.. ايدلوجية الصورة لماذا..؟

#ثقافة_العولمة.. #ايدلوجية_الصورة لماذا..؟

” منظور علم اجتماع العولمة”

اعداد وتقديم

الأستاذ الدكتور #حسين_طه_محادين

قسم علم الاجتماع – جامعة مؤتة

من العالمية “الحداثة النسبية” الى #العولمة ما بعد #الحداثة ..

توطئة..

1-انتقال العالم بعد تسعينات القرن الماضي من مفهوم وخصائص العالمية Universalism الفكرية والتنظيمية التي كانت سائدة قبل ذلك التاريخ إلى ظهور مفهوم وتنظيم العولمة Globalization وهي الحقبة الجديدة كليا مقارنة بالحقب السابقة؛ إلى حد يمكنني القول علميا بان الكثير من الأفكار والتكنولوجيا والتنظيمات مثل “اسرة” من حقبة ما قبل العولمة لم تعُد صالحة بالمجمل للاستمرار تنشئة وادوار في مرحلة ما بعدها؛ مؤكدا على ان للأفكار/ المفاهيم والتنظيمات والأدوات التكنولوجية معا اعمارا تشبه اعمار البشر أيضا. بدليل مضاف إلى ما ذهبت اليه من استنتاجات هو تبني العولمة قاموسا وتقسيما خاصا بها للمجتمعات ومؤسساتها التنظيمية قائم على صنفين جديدين هما :-

أ- ظهور مجتمعات “المركز -الأوروبية الغربية” كقائدة للعولمات المتنوعة الظاهر الموحدة الفكر والاهداف في الباطن والمحصلة مثل اقتصادية؛ ثقافية؛ تنظيمية مثل أطباء وصحافيون بلا حدود، ولكنها برابط تفاعلي وتواصلي واحد الا وهو التكنولوجيا وتحديد الانترنت بأذرعها البرامجية والتطبيقية المختلفة.

ب- مجتمعات الهامش أي الدول المتخلفة/النامية والتابعة تأثريا – فكرا لغات تقانة ونماذج سياسية دولية – لدول وتقسيمات المركز الغربي المعولم؛ اذ تم على سبيل المثال؛ استبدال مفهوم الموارد البشرية Human Resources السابق إلى رأس المال الاجتماعي social capital؛ ووصف شركات وطنية عالمية إلى شركات متعددة الجنسيات Multinational Corporation؛أي ان العولمة /ات قد اصبح لها منظومة متكاملة من المفاهيم والإجراءات التطبيقية المستجدة العابرة للغات والدول والمعتقدات الساعية نحو تضبيط الحياة والانسان معا وفقا للنموذج الكوني -الأرض والفضاء- المعولم والجديد مقارنة بمرحلة ما قبلها “الحداثة”.”.

وبناء على ما سبق ؛ لابد من معرفة ما هي المنطلقات الفكرية والايدلوجية لمرحلة ما بعد الحداثة ومصفوفتها التي سارعت في تسيد اطروحات وممارسات العولمة كما وردت عند ( إسماعيل؛ 2008) وهي الاتي:

1-النسبية الاجتماعية؛ لا توجد المعاني او الاخلاقيات او الحقيقة بشكل موضوعي في العالم لذا فأن المجتمع هو الذي يكونها- نلاحظ هنا ارجاع الاخلاق إلى المبدأ الوضعي للبشر وليس هناك أي بعد ديني غيبي او مقدس لها.

أ- الحتمية الثقافية؛ تشكل القوى الاجتماعية الافراد بالكامل؛ وتحدد اللغة بشكل خاص الذي نفكر به “وهي هنا الإنجليزية التي تسيّدت العالم بعد ان حُملت مع تكنولوجيا العولمة واذرعها التواصلية ومنها الهاتف الخلوي ” ولهذا لابد لإنسان ما بعد الحداثة ان يتكيف مع الاخر المختلف معه ثقافيا.

ب-رفض النزعة الإنسانية؛ ان القيم الإنسانية الحداثية هي أدوات للقهر والاستعباد والجريمة ضد الطبيعة وضد الاخر الثقافي؛ لذلك لابد من ان تقوي كل مجموعة نفسها لتؤكد قيمها وتأخذ مكانها مع المجموعات الأخرى من دون مفاضلة.

ج- انكار الميتافيزيقا والأديان؛ ترفض ما بعد الحداثة وجود معايير علوية مفارقة للواقع تدعي لنفسها القدرة على الحكم والاختيار بين القيم المختلفة؛ كما ان ليس هناك مطلقات.

د- رفض الانساق المغلقة؛ ترفض ثقافة ما بعد الحداثة الحكايات الكبرى التي تقوم على توحيد او جامع مستمر لما هو متعدد الأعراق؛ كالخطابات الدينية والاشتراكية؛ وهذا الايمان الايدلوجي يؤكد ان حقبة العولمة لا تؤمن بالمسلمات التاريخية لدى أبناء وتنظيمات مجتمعات الهامش “الاسرة مثلا”؛ اذ تهدف عمليا إلى ان تكون مثل هذه الجوامع المشتركة متعددة؛ مفككة؛ ومتشظية تسائل نفسها باستمرار.

ويرى العالم (جيدنز) ان اهم خصائص مرحلة ما بعد الحداثة هو تركيزها على التكنولوجيا وسيطرة النزعة الاستهلاكية والطموح الاستهلاكي للموضة والتقسيم الدقيق للوقت وقيمه وهذا ما تعتمد عليه وسائل الاعلام وتكنولوجيا الاتصال عولميا ( محادين؛ 2008

:-

دِين العولمة الجديد.. العِلم والتكنولوجيا كأيدلوجيا

 لقد انتهت الحرب الباردة بفوز دول وحلفاء الرأسمالية الغربية كايدلوجيا معولمة مع بداية تسعينيات القرن العشرين؛ حيث جاء التغير العميق في ميزان القوى العالمي ليُمكِن أيديولوجية القطب الرأسمالي الواحد بقيادة أمريكا أي دول المركز من تسيّد نموذج العولمة /ات وهي الحلقة الاوسع والأكثر تطورا وشمولية فكرا وانتشارا في مسيرة الرأسمالية التاريخية من حيث كِبر وعمق مدياتها التأثيرية المتباينة السرعة فكرا؛ تكنولوجيا واقتصادا؛ وبتعدد العناوين التي احتلها العولمة مع بداية القرن الواحد والعشرين؛ خصوصا ما تجلى في انجذاب دول الهامش/النامية سابقا لها وفقا للتقسيم الدولي الجديد نحو تأثرها المتسارع بنماذج قيم الحياة والعلم والاقتصاد والتكنولوجيا في دول المركز الغربي على هذه البسيطة؛ حيث شكل برأيي هذا التحول الدولي الجديد انقيادا وسعيا من دول الهامش المغلوبة حضاريا كما شخص حالنا العلامة “ابن خلدون- مؤسس علم العمران البشري ” نحو تمثلها للعولمة ومحاكاتها لمنظومتها القيمية الطاغية والغالبة لنا:- حضاريا؛ وفكرا تغييريا وافدا علينا؛ بما فذلك شركات وتنظيمات عولمية عابرة للجغرافيا والأديان واللغات بقيادة اللغة الإنجليزية كحاملة لاطروحات واهداف العولمة التي حُملت على الاذرع التكنولوجية للتواصل بين البشر وكجزء من عمليات بثها وتعميمها؛ وساعيها الرامي إلى سبر وتطويع الأثير والفضاء معا خدمة لفلسفتها؛ ترابطا مع تسيِّيدها للغة الإنجليزية عبر ثورة التكنولوجيا الاتصالية خدمة لأيديولوجيتهم الكونية الجديدة التي تستهدف ترويض “الأرض والفضاء” خدمة لمصالح العولمة التي هي الأقوى سيادة للان.

مع التأكيد على ان إرادة فرض أي نظام اقتصادي واجتماعي وثقافي وتربوي وحيد لا يمكن ان يدخل الا في باب إرادة الهيمنة واختراق الخصوصيات الوطنية فما يميز العولمة عن الاستعمار هو اختلاف في أسلوب الهيمنة ووسائل فرضها (الخياري؛ 1998).

إنَّ هذه السيادة الإيديولوجية العولمية الجديدة بعيد تسعينيات القرن الفائت لم تأت فجأة كما قد يعتقد أو يزعم البعض منا؛ وإنما جاءت تعبيرا ونجاحا إجرائيا لتخطيط فكري علمي وأيديولوجي استند إلى مراحل علمية وأهداف حضارية مترابطة هدفت إلى إعادة هندسة وإدارة الكون؛ أي “هندرة” ثقافات ومؤسسات مجتمعات الهامش/النامي في العالم وفقا للنموذج العولمي انطلاقا من مرجعية أساسية تستهدف البناءات التنظيمية لبنى وانماط التنشئة التقليدية والمحافظة التي يتشربها ابناء مجتمعات الهامش من المؤسسات المرجعية لهم انطلاقا من ” الأسرة /العائلة “كأنموذج كبير وصولا إلى تذويب بنيتها وادوارها هي و”الاسرة” أي النموذج الأصغر تنظيما في تلك المجتمعات الفقيرة كي تتعولم وفقا لأهدافها المرجوة ضمن اطروحات ما بعد الحداثة؛ لتبدا حقبة العولمة الجديدة التي يصفها العالم الإنجليزي “بالتصرف” أنتوني جيدنز Anthony Giddens بحقبة ما بعد الحداثة والتي تتسم بما يلي:

1-شكلت العولمة مقدمة غنية ومتطورة من الرأسمالية والليبرالية العالمية الجديدة ويقودها ما يعرفون الليبراليون الجُدد في الغرب المعولم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق؛ وسيادة القطب الغربي المعولم الواحد؛ اذ افصحت عن تبنيها لضرورة ظهور نموذج لمجتمع تعددي، يقوم على الديمقراطية كعملية تطوير حداثي شمولي متعددة المستويات والمناطق في العالم الجديد.

2-سعيها “اللفظي فقط ” إلى إلغاء العسكرة وأنسنة التكنولوجيا عولميا؛ لكن في الواقع شهدت أوروبا الكثير من التظاهرات المطالبة بأنسنة العولمة الربحية الجشعة وضرورة ابتعادها عن تبني قانون “الانتخاب الطبيعي “وكأن العيش هو حكر وحق الأثرياء والاقوياء ماديا ومهارات تكنولوجية فقط؛ فالعولمة /ات في جوهرها أصبحت نتيجة لتسيدها الكون بلا قلب او حتى بلا مشاعر إنسانية في نظرتها وتعاملها الاستعلائيين مع فقراء المال والمهارات معا سواء اكانوا افرادا او دولا في ظل العولمة المتوحشة عموما (محادين؛2022).

3-تركيزها على أهمية واستثمارها الفكري والاقتصادي لشعبوية التكنولوجيا وادواتها التواصلية وربطهما مع ضرورة تنامي كل من النزعة الاستهلاكية المظهرية والطموح الاستهلاكي للموضة لدى المستهلك العالمي؛ واستثمارها القوي في تعميمها لما اسميه كمتخصص في دراساته “بثقافة الوقت ” وتقسيمه الدقيق كمورد نادر وغير متجدد يصعب تخزينه او استرجاعه، وهذا وما نجحت استثماره واعتمدت عليه العولمة في سرعة بث وتعميم أيدولوجيتها الفكرية والربحية عبر شركات وبرامج التواصل الاجتماعي Social Media المختلفة والتي أصبحت شركاتها الاغنى عولميا كونها أحدى ادوات الإعلام الشعوبي الجديد؛ علاوة على كونها جزءا من تكنولوجيا الاتصال المتطورة جدا في كل العناوين والصناعات على الأرض وفي الفضاء على حد سواء؛ وما نموذج الذكاء الاصطناعي Artificial intellgenceالا تتويجا مذهل القدرات لهذه التغييرات؛ خصوصا وانه المرشح المستقبلي كأحد ابرز واسرع اذرع عولمة التكنولوجيا تأثيرا؛ انتشارا؛ وتحديثا مستمرا وهائلا في مجال العلوم التطبيقية.

الهاتف الخلوي وثقافة الصورة معا.. مُحاكاة للحواس

ان هذه الورقة المكثفة ستكون مُقتصرة على أهمية تكنولوجيا العولمة وتحديدا الأدوار التاثيرية لثنائية على بنية وتغير أدوار الاسرة العربية التقليدية ( الاتجاه العضوي) مع التأكيد هنا على صعوبة التفريق الحديّ الدقيق بين الحداثة وما بعدها فهما مترابطتان فلسفيا وايدولوجيا وعضويا في آن، فحقبة ما بعد الحداثة تحديدا هنا تُعتبر تياراً فكرياً نقدياً يحاول صياغة وتطوير افكارها وتطبيقاتها التكنولوجية العابرة لكل من:- الجغرافيا؛ سيادة الدول الوطنية؛ المعتقدات الدينية؛ واللغات التي تتسيدها الإنجليزية بأسلوب رمزي حديث يتوافق مع النهج الرأسمالي المعولم، تنطلق في تسويقها لاطروحاتها الاقتصادية والربحية الطاغية من منظور اجتماعي ثقافي متدرج الإيحاء والدهاء بانها تسعى من خلاله إلى إعادة ما أفقدته مراحل الحداثة السابقة من قيم وأخلاق إنسانية مرتجى حضورها في ثنايا هذه العولمة.

عموما؛ أن للعولمة ذات القطب العالمي الواحد جوانب إيجابية عديدة؛ خصوصا ما صاحبها بُعيد تسعينيات القرن الماضي من تطور متسارع في منظومتها التكنولوجية والمعرفية والمهارية ؛اما خصوصا فتجلى ذلك أيضا في الاستفادات النوعية والحياتية الاسهل والأكثر كلفا بالنسبة لأفراد الاسر في البلدان النامية من خلال ما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات وفرص عمل جديدة العناوين والمهارات إضافة إلى منحهم وسائل تواصل متنوعة للتعرف على حضارات وخصوصيات الكثير من المجتمعات المتقدمة تحديدا من جهة؛ ومن جهة أخرى أهمية ما وفرته هذه التكنولوجيا ومصاحباتها العلمية والثقافية الجمة لأبناء وبنات المجتمعات النامية من فرص معاصرة أيضا لبث خصوصياتهم الوطنية واسهاماتهم الثقافية والاقتصادية وفرص متابعاتهم الاحداث الرياضية بصورة مباشرة وحيّة مع الاخرين في هذا العالم /المتعولم والرحب في آن والذي غدا عبر الخلوي بحجم كف اليد الواحدة ؛ إضافة لما وفرته التكنولوجيا من فرص تعارف وعمل عن بُعد للمميزين وللجادين؛ إضافة لتوفيرها فرصا مقدرة لانخراط بعض شبابهم في التجارة الالكترونية كتعبير عن قِيم العمل المرن بكل اللغات والتخصصات العلمية والاقتصادية بشكل أوضح. وبرغم الذي سبق ذكره من مزايا إيجابية، ألا انه لا ضيّر من التذكير العلمي المُختصر هنا بالفروق الفكرية والاعتقادية والسلوكية بين كل من فلسفة وفكر العولمة بأذرعها التكنولوجية المهيمنة على الأرض والفضاء وواقع الحياة التقليدية المُستهدف على الأرض فقط في المجتمعات النامية لضعفها وتبعيتها التكنولوجية والمحملة بثقافة ولغة الصورة الإعلامية والحياتية المعولمة المراد تعميمها لدينا بالمجمل من خلال النقاط الآتية:

أ- خصوصية المنظومة القيمية والدينية الجماعية الفاعلة بقوة في فكر وحياة الاسر وابنائها من الجنسين في المجتمعات النامية/العربية المسلمة بكل عناوين الحياة المحافظة غالبا مقارنة بالواقع الفكري / المادي الربحي والحياتي في المجتمعات الغربية المعولمة.

ب- سعيّ فلسفة وايدلوجية العولمة نحو السيطرة على كل من:- اقتصادات وتكنولوجيا وثقافات وموارد الكون “الأرض والفضاء” سواء اكانت البشرية والطبيعية والاثيرية منها- من الاثير- بهدف إعادة تشكيل و”نمذجة” الحياة البشرية و”المجتمعات النامية منها ” وحتى اللغات والمعتقدات المقدسة والتنظيمات وهي “الاسرة هنا” وفقا لمنطلقاتها الفكرية المتوالدة بالتدرج؛ بعد ان اشهر ابرز مفكري العولمة ” فوكوياما مثلا” بان نموذجا الليبرالية القديم والجديد قد اوصلا البشر اقصى ما قد تصل اليه الحرية البشرية واصفا إياها ب”نهاية التاريخ والانسان الأخير” وبالترابط مع ما ذُكر باعلاه؛ حريّ بنا التذكير كباحثين هنا؛ في أن في هذا المعطي الحضاري الغربي “التكنولوجيا” قد شكل قوة واضحة الحضور والتأثير في العالم مثلما زاد من حجم ممارسة الحريات والمبادرات الفردية والمؤسسية في حياة الاسر والمجتمعات الغربية المعولمة؛ مقارنة مع واقعها هذه المعطيات السابقة الذكر مع ما هو قائم ومعيش في حياة البلدان النامية ومؤسساتها الناظمة لوعي وسلوكيات أفرادها؛ الامر الذي يقتضي منا هنا دراسة واقع ومآلات هذه التجاذبات المتضادة عموما بين منطلقاتها الايدلوجية الرأسمالية المعولمة وتأثيراتها التكنولوجية معا على واقع المجتمعات النامية ممثلة بالتنظيم الأساس فيها الا وهو بِنية وتراجع أدوار الاسرة العربية المسلمة جراء تعاظم مهددات تكنولوجيا العولمة وثقافة الصورة معا لها استنادا لسيادة منظومة تلك القيم المُستجدة التي اصبحت تتحكم في طبيعة واتجاه العلاقات التفاعلية الذاتية والعامة في كل من بنية اسرنا وتغير ادوار افرادها التي اضعفت خصوصيتها التاريخية ومهددة لهويتها العقدية والجماعية بالمجمل.

                            شبكة الانترنت.. الأم الثانية للعلوم المعاصرة

تاريخيًّا وُصفت الفلسفة بأنَّها أُمّ العلوم الأولى منذ انبلاجها في العصور اليونانيّة القديمة؛ أمّا الآن ‏فبوسعي القول إنَّ شبكة الإنترنت المعولمة والتي استندت  كما أرى كباحث إلى فلسفة جديدة هي الأمّ الثانية للعلوم ‏المعاصرة  التي نضجت وعُممت تطبيقيا عام (1983)عبْر توظيفها الناجز كتكنولوجيا لاطروحات نظريّة الحداثة وما بعدها: شعبيّةً واقتصادًا؛ لذا نلاحظ بوضوح تام أنَّ ثقافة ‏الصورة كتنظيم فكري وبصري مباشر ومحمّل عبر التكنولوجيا قد تفرَّد عمّا سبقه من أدوات التواصل التعبيرية / اللغوية الأخرى كونه قائمًا على ‏مشاعيّة التداول حدّ الإدمان؛ لذا أخذت ثقافة الصورة في تسيُّد المشهد والاهتمام الثقافي البشري ‏العابر للجغرافيا والمعتقدات والأبجديّات التاريخيّة بعد انتشار أدوات التواصل التقاني المتدرِّج منذ ‏بداية سبعينات القرن الماضي وصولًا لعام 1992؛ وهو تاريخ نجاح إطلاق أوَّل منصّة بثّ ‏مدمجة للُّغة مع الصَّوت والصّورة ترابطًا مع ظهور كل من الهاتف الخلوي و”الفيس بوك” و”اليوتيوب” بداية ‏الألفيّة الثالثة والتي أضعفت بدورها علاقة الإنسان مع كل من: المكان، الماضي، والأفكار ‏الأخلاقيّة التي كانت تؤمن بالخصوصيّة؛ حتى تلك السِّلع التي كانت مُعمِّرة غدت الآن ذات ‏استعمال لمرَّة واحدة عمومًا.

ما هي المُهدِدات.. ؟

المُهدِدات لغة: من الفعل هدّ، يهدّ: بمعنى الهدم الشديد والكسر، وقد وردت في المعاجم اللغوية المختلفة بهذا المعنى، فقد وردت في معجم لسان العرب بمعنى الهدم الشديد والكسر، وفي مختار الصحاح هدّ البناء أي كسره وضعّفه، وهدّته المصيبة أي أوهنته واضعفته (موقع معاجم، 2013)

المُهدِدات القيمية: مجموعة من العوامل المرتبطة بتأثيرات التكنولوجيا الحديثة التي ساعدت في تسريع عمليات تغيير منظومة القيم نسبيا في المجتمع الإنساني بشكل عام ومجتمعات الهامش / النامية بشكل اعمق واخطر على هويتها التاريخية المحافظة، مسببة تهديداً للبناء الاجتماعي وهو هنا الاسرة العربية وظائف وادوار مُستجدة

وبالتالي بدائنا نلاحظ بعيد ظهور تكنولوجيا العولمة وعمق تأثيراتها على الأسر في مجتمعات الهامش بروز قيم اجتماعية خاصة ذات سطوة ضاغطة على افراد الاسرة العربية المستهدفة؛ وذلك بهدف إعادة تشكيلها تِبعا لها وهذا ما يسمى في علم اجتماع العولمة بتأثير الجماعة المرجعية (محادين؛2022)؛ ما يؤدي ضمنا إلى محو اثار وادوار الجماعة الأولية وهي الأسرة العربية؛ مما يفقده افرادها ترابطهم مع مجتمعاتهم المحافظة نسبيا وما سيؤدي أيضا إلى عولمة كل واحد منهم جراء تواصله الدائم مع هاتفه الخلوي لاسيما ما يتضمنه من أفلام ذات مهنية عالية ومتجددة المحتوى؛ وهي بذات الوقت مختلفة عما يعيشه من مخالفة لأنماط التربية التي يتشربها في اسرته.

الأيدلوجيا والتكنولوجيا.. أداتا العولمة الأقوى

* ما هي الأيديولوجيا…؟.- ideology

أو العقيدة السياسية أو الفكرية يترجمها البعض إلى “فكرانية” التي هي مجموعة منظمة من الأفكار تشكل رؤية متماسكة comprehensive vision وطريقة لرؤية القضايا والأمور التي تتعلق بالأمور اليومية أو تتعلق بمناحي فلسفية معينة سياسية بشكل خاص. أو قد تكون مجموعة من الأفكار التي تفرضها الطبقة المهيمنة في المجتمع على باقي أفراد المجتمع كما عرفها المفكر الصراعي والاممي كارل ماركس (Karel marx).

ومفهوم الفكرانية -العولمة واحدة من نماذجها الكونية المعاصرة – مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات؛ فمثلاً يعرّفه قاموس علم الاجتماع كمفهوم محايد باعتباره نسقاً من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) يسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات السياسية / الاجتماعية للأفراد والجماعات وهي من منظار آخر نظام الأفكار المتداخلة كالمعتقدات والأساطير التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما، وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية والأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية وتبررها في نفس الوقت.

إن السؤال الفكري والثقافي الواخز هنا؛ هل ستنجح تكنولوجيا وايدلوجيا العولمة الوافدة علينا رغم فعاليتهما ونجاحهما بعيد سيادة القطب العولمي الواحد للان؛ وهل ستتمكن من نمذجة اسرنا أعضاء فيها وادوار راسخة لها كتعبير عن سطوتها على الواقع الاجتماعي والحياتي العربي المسلم الجديد ومؤسساته “الاسرة العربية المحافظة انموذجا” وتقديم خريطة تغيير له وأن تكون فكرا وسلوكيات مستجدة علينا محوراً لخلق الوعي الجمعي وفقا لانموذجها المُعمم في المجتمعات النامية بخصوصياتها التاريخية راهنا وفي المستقبل

أبرز مفكري ايدولوجيا العولمة ومسويقها؟

اجتماعيا وثقافيا؛ لقد قاد العديد من المفكرين الغربيين بدورهم عملية التسويق الأيديولوجي الاقتصادي والتنظيمي الحضاري الجديد؛ المصاحب لهيمنة القطب الواحد؛ ممثلا في العولمة/ات قبيل وبُعيد تسعينيات القرن الماضي انطلاقا من طرحين فكريين وتطبيقيين متكاملين هما:-

أولاً: اعتبار أن النظرية / النموذج الوظيفي العولمي الجديد امتدادا مطورا– للمدرسة الوظيفية الرأسمالية التي هي بالضد من النظرية الصراعية الماركسية التي كانت تحكم الاتحاد السوفيتي السابق – وهذا النموذج الوظيفي المُحدث هو المُصدّر لمجتمعات الهامش/النامية عبر تكنولوجيا العولمة ومصاحباتها: – الاجتماعية الثقافية واللغوية “الإنجليزية قائدة” كون العولمة هي الغالب حضارياً لنا كما يرى العلامة ابن خلدون. وبالتالي يجب علينا كمجتمعات هامش مغلوبة حضاريا تمثل كل المراحل التي مرت بها مجتمعات دول المركز الغربية المعولمة كي نتطور حضاريا مثلها وبغض النظر عن أي خصوصية ثقافية أو حضارية لتلك المجتمعات الراغبة في التطور أو التكيف مع نموذج دول المركز العولمي وفقا لأطروحات نظرية الحداثة وما بعدها؛ وعبر هذه الاقتفاء التنموي المُقلِد للغرب المعولم ستكون ذروة المسيرة البشرية الراهنة مجسدة في تعميم وسيادة النموذج الغربي المعولم وصولا إلى الإنسان الكوني في ما بعد؛ وتجلى ذلك أيضا في أطروحات المفكر الأمريكي من أصل ياباني “فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير الصادر 1989مثالا (فوكوياما، 1993) وهو الذي نظّر زاعما أن الأيديولوجيات قد انتهت، وأن الليبرالية التقليدية والجديدة والديمقراطية انتصرتا، وأنَّ الصراع المقبل سيكون بين أمم متباينة الحضارات؛ وقد حدّد الصين والإسلام كتحدّيين مقبلين (ضمره؛ 2008. (

ثانياً: جاءت أطروحات المفكر صموئيل هننتون في كتابه “صراع الحضارات-1996” الذي يسببه الطرح الديني المقدس/كالإسلام مدعما بالأقليات المسلمة الموجودة في معظم مجتمعات المركز الأوروبي ابتداء؛ إضافة للتحدي الصيني الأهم بالنسبة لمنظومة أوروبا المعولمة ويمكن القولان هذه الاطروحات قد شكلت تراكما فكريا وايدلوجيا أوسع مما طرحه وسوّق له المفكر الأمريكي فوكوياما ليكونا من أبرز مفكري ومسوقي مضامين العولمة عموما.

أن هذا الطرح الأيديولوجي الوضعي “من وضع البشر- أي اللاديني” والمشترك بين أيدولوجيتا أوروبا الغربية والشرقية معا هو الذي بشر به ووظفه هنتنون أيديولوجيا وتسويقاً مهولاً للحديث عن خطورة عودة الصراعات بين الحضارات من خلال الاديان، كما في السابق؛ وهو طرح يرمي إلى تعميق مفاهيم وسيادة العولمة من جهة؛ ومن الجهة الثانية هو ردّ فكري وايدلوجي بديل واوسع على أطروحات الإيديولوجيا الصراعية السوفيتية الوضعية للمفكر الاممي كارل ماركس ورفاقه – صاحب نظرية يا عمال العالم اتحدوا كنموذج فكري وصراعي مؤدلج يطمح لإعادة توزيع الثروة في العالم بين المستغِل والمستغَل؛ وهي النظرية التي غادرت تطبيقاتها الحياتية مع أفول القطب الثاني الذي كان سائدا قبيل التسعينات من القرن الماضي وتحديدا بعد انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي “الاشتراكي “والقطب الاوروبي “الرأسمالي”.

 لقد طرح هننتون كمؤمن بالمدرسة الوظيفية الرأسمالية تاريخيا فكرة حوار الحضارات في العولمة الجديدة عِوضا عن الصراعات كما في السابق؛ وهذه الاطروحة علميا هي امتداد مطور لإيديولوجية القطب الوظيفي الواحد- كبديل للطرح الصراعي الماركسي- وكلاهما غربي النشأة والصراع على قيادة وتنظيم العالم وفقا لثنائية فكرية وايدلوجية هي الايدلوجيا “الوظيفية والصراعية “منذ انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية إلى حين ظهور العولمة وسيادة القطب الغربي الواحد للكون بعيد تسعينيات القرن العشرين والتي الغت الكثير من خصائص الحقائق التاريخية السابقة لظهورها (محادين، 2011).

ما هي ثقافة الصورة..؟ Image culture

الصورة تساوي ألف كلمة

هذا التعبير البليغ كُتب باللغة الإنجليزية ويدل على ان الفكرة المعقدة يمكن ايصالها فقط من خلال صورة واحدة؛ وهذا التعبير أوصل المعنى او جوهره الأساسي بشكل اكثر فعالية من الكلام.

لذا ليس من السهولة بمكان وضع تعريف واحد لمصطلح ثقافة الصورة التي تعتمد على حاسة البصر وتعتمدها العولمة أيضا في بث فلسفتها التي تستهدف منظومة القيم لدى مختلف شرائح المجتمعات الهامش من اميون ومتعلمون معا وهذه واحدة من عناصر قوتها التاثيرية في المتلقي لرسائلها البصرية الهادفة؛ فهي- حسب تعريف “ويكيبيديا” التي تُمثل قدرة الدماغ والعين على كشف الموجه الكهرومغناطيسية للضوء بهدف تفسير وتمثل مضامين الصور الملوّنة المبثوثة اليها لحظيا أي؛ أقول يصعب تعريفها لكثرة وتنوع وتوالد مضامينها الملوّنة الدقيقة وكثرة توظيفاتها الحية ;فكريا وسلوكيا كرسائل أسرة للمتلقي كحامل للرسائل القيمية والثقافية الأقوى عبر التكنولوجيا لاسيما “الهاتف الخلوي” كونه الأكثر شعبية واقتناء في دول الهامش المستهدفة من قِبل دول المركز العولمي نحو مجتمعات ومؤسسات دول الهامش “الاسرة كأساس” والمحمولة اليها عبر شبكة الانترنت كأم لكل وسائل التواصل الاجتماعي.

فالإنسان المعاصر في ظل العولمة يخضع لأفكار شمولية-إنسانية -كونية متجاوزة بيته واسرته وعشيرته وبلده وقوميته وعرقه؛ وذلك بتأثره بثقافات جديدة متجاوزة التراثيات الثقافية المحلية؛ وبصورة تجعل المعرفة الحسية المباشرة لا اثر لها في حياته مقابل ثقافة معرفية تقانيه (العمر؛2017). والمقصود هنا هو خلق انزياحات قيمية /ثقافية تنزع نحو الفكر الغربي المعولم اثناء التفاعل الاسري الوجاهي او عن بُعد بين افراد الاسر في المحصلة كهدف مرحلي متدرج التحقق وإستراتيجي الافاق.

 إنّ ثقافة الصورة وتأثيراتها المتنوعة دخلت كلّ مجالات الحياة البشرية وطالت اغلب شرائح المجتمعات النامية الشعبوية بالترافق طرديا مع سعة انتشار واقتناء الهواتف الخلوية، فقد كسرت الصورة حاجز التلقي لدى الأميين، وأصبح بإمكانهم مشاهدة ومتابعة ما تعرضه الفضائيات، ولن يعد ذلك حكراً على الأغنياء، بل تتوفر اليوم أجهزة الاستلام، وبأسعار زهيدة، بإمكان معظم الناس اقتنائها، كما يشاهد الصغار والكبار مباشرة ومن خلال الهاتف الخلوي كحامل ومحمول الفضائيات الوطنية والعالمية مع إمكانية الترجمة الفورية لكل اللغات، مما يعني سعة تأثيرها، فاليوم لا يحتاج المتلقي إلى معرفة اللغة أو امتلاكه مستوى وعي ثقافي معيّن لمتابعة المواد المبثوثة عبر التلفزيون/الفضائيات فقد راح عصر النخبة، رغم أنّها لم تفقد دورها القيادي، فهي التي عليها أن ترسم وتخطط. وبدون ذلك سنفقد البوصلة، “إنّ الصورة عبر وسائل الاتصال الحديثة قد قلّبت تماماً دور المجتمع عامة والأسرة خاصة، واغتصبت الذات، وانتهكت الحرمات الخصوصية علناً جهاراً نهاراً ودون أيّة علامات استفهام لهذا الواقع الذي يُعرض علينا، ومساءلة علاقته بالواقع الذي نعيشه. لذا نحن بأمسّ الحاجة إلى تلفزيون/فضائيات عربية ذات برامج تساعد على تحصين التنشئة الاجتماعية والتربوية لأبنائنا من الجنسين؛ ولأجل تربية الناشئة العربية على الالتزام، وأن نبتعد عن التطبيع والانكشاف حيث القبول بكشف كلّ عرواتنا، وإنهاء هذه الظواهر الناشئة عن تأثير وسائل الاتصال الحديثة/الخلوي وثقافة الصورة انموذجان؛ الساعيان إلى احداث التحوّل في منظومة قيمنا التاريخية، والتطبيع مع العنف، والخنوع والإذلال كما يرى بعض المختصين كونها انعكاسات سلبية لهما على بنيتنا الاسرية وهوية الحضاري عربا ومسلمين، وكثيراً ما ننسى أنّ هذه الثورة قد شجعت القطاعات الثقافية على النموّ بما قلّص من المسافات بين الشعوب والمجموعات، ولعبت دوراً في تربية الأفراد وتنمية قدراتهم ومداركهم ومعارفهم، كما لعبت دوراً في ديناميكية المجتمع “فلسنا وحدنا مَن سوف تقع عليه هذه التحولات، فالمجتمعات النامية جميعها في مرحلة ثقافة الصورة هي الغازية والمغزوة في اللحظة ذاتها( محمّد جاسم ولي، بلا عام). باختصار لقد دخلت الصورة في صميم التكوين النفسي والعقلي للمجتمع. كما أنّ للصورة تأثيرات فكرية واقتصادية ناهيك عن الثقافة. ويمكن تحديد التأثيرات المفترضة لثقافة الصورة على السلوك البشري، (فؤاد إبراهيم؛ بلا عام). واستناداً إلى خلاصة ما توصلت إليه دراسات أكاديمية حول الاتصال الجماهيري(فؤاد إبراهيم؛ 2007):

1-المؤالفة: حيث يسهم الإعلام المرئي في احتواء الفرد داخل إطار اجتماعي محدد، ويفرض عليه بمرور الوقت الاستجابة لمتطلباته.

2-السيطرة الاجتماعية: ويلعب الإعلام بطريقة ما في إعادة إنتاج للنظام الاجتماعي القائم، عن طريق إثارة احتجاجات مستمرة تجاه النظر للأشياء كما هي، وينسحب ذلك على السلوك القانوني، والنظرة السياسية.

3-إعداد الأجندة: أي وضع برنامج زمني للمطلوب القيام به من اعمال او الالتزام بتنفيذ المواعيد المؤجلة مثلا وهو هدف غير مباشر، مبني على فكرة أنّ الإعلام عموماً والمرئي منه خصوصاً يحدد النظرات حيال الحوادث والموضوعات التي تستحق الاهتمام.

 4-المخاوف الأخلاقية: وهي تأثيرات نابعة من كون الإعلام ممثلاً لجماعة فرعية أو ثقافة فرعية بوصفها خطرة أو شاذة.

5-التبدّل السلوكي: ويحدث هذا التبدل كنتيجة مباشرة للتعبئة الفاضحة أو كنتيجة للتناوب الناجح بطريقة تدفع الناس للتفكير في موضوعات محددة لتهيئتهم للتصرف بحسب أفكارهم ونظراتهم الجديدة. كما يمكن الإشارة إلى بعض الملامح الناتجة عن التطورات التكنولوجية في عصر الصورة، تلك التي يراها البعض منها ما يُعد من سلبيات الصورة.

كما أن لثقافة الصورة كما يُستنتج هنا سطوة تأثيرية قوية على افراد الاسرة المتلقين لما يبث عبر هذا الجهاز الغني والمتنوع الخدمات والاستعمالات التي يبثها ويوصلها الهاتف الخلوي /المحمول من حيث أهميتها التربوية والتعلمية التعليمية، وفي عالم الاتصال الإعلام والإعلان، والفنون السمعية البصرية، ومع ذلك فالسلبيات عديدة ولافتة كما يؤكد ( السيد نجم؛2007):-

1-هيمنة الواقع الافتراضي، مما قد يؤدي إلى الإدمان، كما في حالة بعض الألعاب المُسلِية. هيمنة ثقافة المظهر والشكل والإبهار والاستعراض على حساب ثقافة الجوهر والمضمون والقيمة والعمق، حيث تتحول الصورة إلى واقع بدلاً عن أن تعكس الواقع.

2-هيمنة الصورة في حالتها السلبية، يُعد معاكساً للإبداع، وما أحوجنا إليه في حياتنا اليومية، وذلك نظراً لهيمنة ثقافة الكثرة والنقل والمحاكاة عن غيرنا.

3-هيمنة ثقافة صناعة النجوم” رياضيين؛ طهاة؛ مصممي أزياء؛ نماذج انثوية مثل دمية باربي “، وما يستتبعها من أساليب غير أخلاقية Unethical لتوليد حالة من الاغواء والإجبار العقلي أو (غسيل المخ)، وبعض الأنظمة يمكنها توليد الأثر النفسي الفاعل (على الجانب الآخر استخدمه الأطباء النفسيين في العلاج من الفوبيا أو الخوف اللاإرادي.

4-انتشار ما يُعرف بجرائم الصورة (جرائم الإنترنت)، وهي تقوم على الخداع، واستخدام الصور المزيفة، أو حتى الحقيقية للإيقاع بالضحية. وقد نخلص إلى أنّ “ثقافة الصورة” التي تقوم في جوهرها على الجديد والخيال وتنشيط الإبداع، تحولت إلى تخوف من هيمنة ثقافة التكرار وللإبداع

تأثيرات ثقافة الصورة عبر الهاتف الخلوي

لقد غدت ثقافة الصورة بعيد ظهور العولمة واذرعها التكنولوجية في حقبة ما بعد الحداثة لاسيما بعد ان تحققت شعبوية انتشار الهاتف الخلوي مع الافراد ضمن اسرهم؛ وتحديدا في مجتمعات الهامش الكوني هي الأكثر توظيفا واحداثا للتغيرات الاجتماعية الثقافية في حياة المتلقين والمنبهرين برسائلها المتقنة بحرفية تصميمها ومضامين صياغاتها الايدلوجية من قِبل صانعي الرسائل والأفلام والبرامج الإعلامية /العولمية التفاعلية بمحتواها الاحترافي كي تسيطر على تفكير المتلقي وتعمل بنجاح على اسر حواسه وبالتالي على تعديل وتغيير أنماط تفكيره وممارساته الحياتية المختلفة بنسبة مئوية مرتفعة استنادا إلى ثنائية المحاكاة والتقليد لما شاهده؛ إضافة لقدرتها الهائلة كثقافة بصرية في التأثير على حواس الانسان؛ فهي التي تنطلق وبصورة متطابقة لدى كل البشر المتلقين لها من العين وصولا إلى الشبكية حيث أن دماغ المتلقي لديه تركيز كبير في الرؤية؛ إضافة إلى ان الصورة تحتل منطقة الدماغ الأساسية لمعالجة المحفزات البصرية وهي اكبر مساحة وقوة تأثير بالمتلقي مقارنة باي من الحواس الأخرى، حيث يُعبر عنها أيضا بأنها كل ما يمكن تخيله من أثر وانعكاس للصورة، يُعنى برصد الرؤى المختلفة المحيطة بالصور ودلالاتها ومعانيها وتأثيراتها وكيفية النظر إليها كرمز وكوسيلة تواصل وناقل للخدمة/الرسالة المصممة بحِرفية عالية جدا نتيجة للتطور الهائل أيضا في أدوات التصور التكنولوجية الاحدث. كما تُعّرّف كثقافة عولمية مدمجة مع الهاتف الخلوي تفرد مزاياه؛ بأنها منظومة متكاملة من الرموز والأشكال والعلاقات والمضامين والتشكيلات والأدوات المادية والمعنوية، التي تحمل خبرات ورصيد الشعوب المتقدمة نحو غيرها من الاقوام الأقل تطورا من مصممي وباثي رسائل العولمات، والتي هي نامية ومتجددة وذاتية وديناميكية.

والتي تُغوي المتلقين على تقليد ومحاكاة ما يشاهدونه من مضامين وصور حية بغض النظر عن المرجعية القيمية او الأخلاقية لهم كمشاهدين ما يشاهدونه من الرسائل البصرية بدقة لدى المتلقين، وتوصيل المعنى للآخرين من خلال الصور الحية او المباشرة لحظيا التي تم ابتداعها بحرفية عالية التأثير على المشاهدين.

 وتعّرفها الجمعية الدولية للثقافة البصرية بأنها: مجموعة من الكفايات البصرية التي يمتلكها الإنسان بواسطة الرؤية، وبنفس الوقت عن طريق تكامل بعض الخبرات الحسية الأخرى.

ولأن الصورة جزء مهم من الثقافة، فإن ثقافة الصورة المبثوثة عبر الخلوي أيضا اعتبرت من المكونات المحددة للثقافة عامة، باعتبارها مجموعة من الممارسات والخبرات المرئية والبصرية، التي أصبحت مجال تخصص علمي حديث العهد وتوظف لإعادة تشكيل الوجدان الجمعي كي يتمثل قيم ومضامين الثقافة المعولمة بالمجمل.

وخلاصة القول فأن ثقافة الصورة هي احدى اهم اليات ثقافة العولمة الحادة في تأثيرها على المتلقي أكثر من الكلمة تجذبه نحوها بشكل سريع اكثر من الفكرة او العبارة؛ لذا فالصورة يشاهدها عامة الناس وخواصها؛ بينما الكلمة يعرفها الخواص “المتعلمين فقط” وهذه إيجابية لثقافة الصورة في العولمة؛ وهذا بدوره أدى إلى تراجع كبير في معدلات القراءة في العالم ( العمر ؛2017).

وظائفها.

ثقافة الصورة…. دكتاتورية البصر

فكريا وسياسيا، كان الإنسان محكومًا بدكتاتوريّة بعض الحُكّام والسُّلطات الثقافيّة ممثَّلة بالعادات والتقاليد ‏إرضاءً للآخرين وللحفاظ على عضويّته غير الطوعيّة ضمن الجماعة التي يشترك معها في ‏الجغرافيا والتاريخ والعادات الخاصة في المجتمعات المحليّة والقوميّة كجزء من امتثالِه للقيم ‏الجماعيّة عمومًا. لكنَّ الإنسان المعاصر قد غفل –باعتقادي- عن أنَّ الصورة تمارس عليه ومعه ‏أيضًا دكتاتوريّة خاصة على حواسّه؛ فالدِّراسات العلميّة تشير إلى أنَّ الإنسان يتلقّى ما يقارب ‏‏80% من معارفه عبر حاسّة البصر وأنَّ الحواس الأربع الأخرى تتقاسم النسبة المتبقية.‏

وعليه؛ يمكن للمُهتمّ فهم وتحليل مبرِّرات صعود واتِّساع سيادة هذه الدكتاتوريّة الطوعيّة الآسرة ‏للإنسان “ثقافة الصورة “؛ وهكذا يمكننا أيضًا معرفة وتفهُّم كيف أنَّ هناك عبقريةً هادفةً وفاعلةً لدى مفكِّري وقادة ‏العلم والأيدولوجيا في منظومة العولمة التي عملت على إعادة تشكيل وتبعيّة الثقافات الأخرى ‏لتبنّي اللغة الإنجليزية المحمولة بالتكنولوجيا في مجتمعات الهامش العولمي مع فكرها الغالب ‏ونموذجها الحياتي والاستهلاكي المظهري المُقلَّد حاليًّا من قِبَلِنا كمغلوبين حضاريًّا وتقانيا” لدول ‏المركز الغربي الغالب كما يرى العلامة ابن خلدون؛ إذ نجحت ثقافة الصورة في نقل الإنسان من ‏كاتب وقارئ فاعل له لغته الخاصة إلى مُشاهد أسير يمتاز بالكسل المعرفي، فعملت على ‏إضعاف الحِسّ النّاقد لديه جرّاء سطوة “ثقافة الصورة” المتسارعة التغيُّر بمحتوى وأهداف غير ‏محايدة من قِبَل صانعها ومصدِّريها لنا عبر أدوات التواصل الاجتماعي، لتجسِّد الصورة نوعًا ‏من الإغواء والإدمان للمُشاهد ليمارس ما يُعرف “بالمُحاكاة” و”التقليد لِما شاهد”؛ إذ سيقوم ‏المُتلقي باستدعاء وتقليد ما شاهدهُ من مَشاهد آسرة له لاحقًا، سواء أكانت مشاهد عنف أو حب، ‏والتي خزَّنها في ذاكرته ذات المدى الطويل؛ وأمام هذه الدكتاتوريّة البصريّة ماذا نحن فاعلون بعد ان توحدت ثقافة الصورة حاملها الخلوي؟

أداتا العولمة الرئيسة

رؤية استشرافية “سوسيوثقافية ” للأسرة العربية المسلمة..

علميا ومن خلال الملاحظة بالمشاركة بالنسبة للمؤلف كأكاديمي متخصص في حقل علم الاجتماع أقول ما هو آتِ؛ من الواضح بجلاء ان الاسرة العربية والمسلمة وهي أول تنظيم أساس من تنظيمات البناء الاجتماعي في ألمجتمع؛ اذ أصبحت تعاني حاليا الكثير من عديد التحديات على صعيدي البنية والادوار الأساسية لها كتنظيم مثل: –

أولا- تعاني حاليا من تراجع ملموس في مجمل وظائفها وادوارها الأساسية؛ بدءا من الأدوار والتوافقات الجنسية بين الزوجين أولا ومرورا بالتفكك الاسري كما تؤكد نتائج دراسات علمية مثل (المدادحة؛2015؛ هواش؛2017؛ الهواري؛2022).

ثانيا- الاسرة العربية المسلمة آخذة بالضعف /هشاشة متنام في قدرتها على القيام بنجاح في أدوارها التنشيئية والتوجيهية لأفرادها من الجنسين؛ هذه الأدوار المتكاملة التي من المفترض ان تقوم بها الاسرة بقيادة الزوجين كأنموذج للأبناء بأدائها في النجاح والتوجيه بالحوار المنفتح وعيا وسلوكيات؛ خصوصا وان أهميتها التاثيرية كمرجعية مستقرة تكمن في كيفية مساعدتها للأبناء في بناء قيمهم وتشكيل شخصياتهم؛ وفي نوعية طموحاتهم المستقبلية؛ كيف لا ؟ وهذه المهددات المتفاعلة لبنية وادوار الاسرة يمكن تقسيمها إلى عاملين رئيسين عضويين مترابطي الأثر والتأثير في آن هما: –

على صعيد تأسيس الاسرة؛ أي البناء الأساس /الثابت Static 1-لها فمن الملاحظ في العقود القليلة الأخيرة عموما ان اعداد المُقبلين على الزواج الشرعي في مختلف اقطار مجتمعنا العربي آخذة بالتراجع بشكل لافت بناء على ما تشير اليه الإحصاءات الرسمية الواردة في متن هذا الكتاب.

2-ظهور مزاحمة قوية لبنية ووظائف الاسرة والزواج الشرعيِين في المجتمع العربي؛ لا سيما في المدن الكبرى من قِبل اشكال وأنواع جديدة من الزواج مثل:- المتعة؛ العرفي؛ المسيّار؛ السياحي؛ المُساكنة؛ علاقات خارج مؤسسة الزواج..الخ وبصورة متنامية القبول الاجتماعي لها كتغير خارجي ووافد اليها؛ رغم انها تهدد الأركان الدينية والقيمية للزواج وآلياته المعتمدة والمتعارف عليها تاريخيا أي منذ ان نظّم واعتمد الإسلام هذا الزواج الشرعي؛ من حيث الشهود واكتمال الإجراءات والمراحل مثل “الاتفاق على قِيمة مهر العروس؛ حفلات الخطوبة مثلا ومن ثم الزواج في المحصلة” بهدف إتمام العقد الشرعي المثبِت والواجب الاشهار قانونيا؛ وصِفة الديمومة لهذا الزواج؛ترابطا مع سعة انتشار الانواع الاخرى كمنافس قوي وناهض النمو للزواج الشرعي التاريخي في مجتمعنا.

العوامل المؤدية إلى ظهور مهددات الأسرة

هناك عوامل رئيسة تقود إلى اهتزاز من البناء الاسري بصورة علمية وثقافية يمكن إرجاعها إلى ما هو آتِ منها:

أ- طبيعة وسرعة تحول عقلية وبنية الحياة وطنيا وعولميا بالنسبة لأبناء وأسر مجتمعنا العربي من القيم التقليدية الماضوية المحافظة نسبيا والتي كانت تضبط وتنظم داخليا وبقوة سلوكيات وتفاعلات أعضاء الاسرة فيما بينهم ومع البيئة الجغرافية والاجتماعية المحيطة بهم ضمن الخصوصية الثقافة للمجتمع العربي سابقا؛ وهي بيئة النمط البدوي والريفي الاسري كتنظيمين بسيطين للحياة بشتى عناوينها وعلاقات أبنائهما المحكومة غالبا بالتفاعلات والمعارف الوجاهية فيما بينهم أي علاقات مباشرة ودون وسطاء –وجها إلى وجه- وهذه ابرز أنماط العيش القبلية/المناطقية؛ واقتصادات زراعية مشتركة بالمجمل.هذه التحولات العميقة اتجهت نحو قيم وانماط العيش الحضري او العيش فما اسميه هنا بنمط “التريف الحضري” في المناطق الجغرافية “اشباه مدن “التي اكتظت بالخليط السكاني نتيجة الهجرات الداخلية والنزوحات والعِمالات البشرية الوافدة اليها من الجنسين جراء الحروب في البلدان المجاورة لها؛ لكن هذه المدن الناشئة لم تحقق شروط أن تكون مدينة مستقرة فكرا/علاقات اقتصادية منفعية؛ وتنظيمات قانونية ناضجة بعد. وهذا الواقع الذي شكل اضطرابا ومهددا قويا لاستقرار البناءات والعلاقات الاسرية عربيا واسلاميا إزاء مبررات بناء الاسرة المفترض استمرارها خصوصا بالنسبة للشباب للحفاظ على استمرارية المجتمع من جهة؛ ومن الجهة الثانية أصبحت تمثل اضعافا وتغييرا عميقا لأدوار ومكانات والانضباط في العلاقات الجنسية والعاطفية هذه الأسر في تنشئة وتوجيه أبنائها بصورة متوازنة عن مفهوم واهمية الاسرة والضوابط الشرعية والتربوية التي في مناطق / مدن جغرافية ذات بيئات هجينة القيم والممارسات اليومية في حياتها؛ أي المشتركات غير متسقة التفاعلات والواضحة الاهداف المجتمعية بذات الوقت.

        1-الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الشباب العربي جراء ارتفاع نسب البِطالة والفقر معا؛ ترابطا مع ارتفاع تكاليف الحياة ومتطلبات الخطبة ومن ثمة الزواج تمهيدا لبناء اسرة.

        2-نتيجة لارتفاع نسب الطلاق بين الأزواج في الاسر العربية حاليا خصوصا وان جل هذه الطلاقات تم ويتم حتى قبل الدخول أي بُعيد الخطوبة وقبل إتمام الزواج الواقع المعيش الذي شكل عاملا مُحبِطا مضافا لتوجهات ودافعية الشباب المفترضة نحو تفضيلهم الحفاظ على أهمية او ضرورة استمرار الزواج كمتمم لقيام الاسر الجديدة التي اخذت في تدني نسب قيامها حاليا.

حيث ازدادت نسبة الطلاق في العديد من الدول العربية في السنين الماضية، ويرجع ذلك لما تمر به هذه الدول في ظروف معيشية صعبة وتشكل انطباعات جديدة ودخيلة على جوهر وهوية الاسرة العربية تاريخيا، بدليل ان الأرقام الاتية في الجدول توضح لنا المدى بين اقل واعلى نسب طلاق في هذه الدول من الدول الأقل نسبة طلاق إلى الدول الأكثر نسبة ومعدل طلاق، وهي كما في الجدول التالي:

    معدل حالات الطلاق في المجتمعات العربية المسلمة للأعوام 2022-2023

•      (المصدر: – موقع الخليج نت 2023).

        3-أدى ظهور وانتشار أدوات التكنولوجيا “الهاتف الخلوي” ودمج ثقافة الصورة مع خدماته كجزء من وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى اتساع الحريات والعلاقات الجنسية المشاهد والممارس معا “الجنس الالكتروني انموذجا ” إضافة لبناء البعض لعلاقات سريعة عن بُعد؛ وبالتالي هذه المعطيات المتفاعلة قد شكلت تهديدا مضافا للبيئة الاسرية العربية بالمجمل.

أخيرا..

إن التساؤلات الحضارية والحياتية القائمة راهنا نحو واقع ومآلات الاسرة العربية المسلمة تتجلى فيما هو آتِ منها:

– هل ستتمكن الاسرة العربية الصمود امام الضخ الفكري والاقتصادي والتكنولوجي العولمي الطاغ عليها عبر كل من ثنائية الهاتف الخلوي وثقافة الصورة بحرفيتها الآسرة للمتلقين؛ وتفاعلها المباشر مع كل الاحداث والنشاطات الرياضية والتسويقية للأفكار والنمذجة الغربية لحياتها المتعولمة وبصورة حية ومباشرة الانفعال والمشاهدة لها والتي تصل حد الإدمان البصري على فلسفتها كأعضاء في الاسرة العربية المسلمة…؟

 تساؤلات ستبقى مفتوحة على الحوار والبحث العلمي في زماننا الرهان والمستقبل الغامض لنا في ظل العولمة وشبكات تكنولوجياتها حاليا وفي المستقبل بالتأكيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى