تهنئة خاصة لعمدة لندن الجديد
فوز “صدّيق خان”، المواطن البريطاني المسلم، الباكستاني الأصل، في الانتخابات البلدية البريطانيّة الأخيرة، وتنصيبه رسميّاً عمدة عاصمة الضباب (لندن)، كان بمثابة حدثٍ سعيد بالنسبة للكثيرين من العرب والمسلمين، وسواء كانوا سياسيين ومثقفين أو ممثلي حقوق الإنسان أو مناهضي العنصرية، كونه لديهم، علاوة على اعتباره مؤشراً مُلفتاً إلى الطابع العالمي للمدينة، ويُظهر وجهها المتسامح لكافة الأقليات داخلها، فإنه دليل كبير آخر على حجم التغيرات، التي طرأت على بُنية المجتمعات الأوروبية، باتجاه الإيمان بالتعددية والمساواة، وعدم التمييز واحترام القدرة والكفاءة. وذلك بعد أن كانت غارقة- على حد قولهم- في أفكار وأيديولوجيات عنصرية وطبقية، وفوضويّة دينية.
ربّما يحِق لأولئك، بأن يسعدوا، وأن يشقّوا صدورهم من فرط السّعادة، بسبب أنهم ينظرون، للحدث على أنه تطوّر نحو كل ما ورد ذكره سابقاً، ولكن لا يحق لهم بأن يسعدوا على حساب قضاياهم العربيّة والفلسطينيّة بشكلٍ خاص، وفي ضوء أنه أفاض في اهتماماته السياسية والمصيرية بإسرائيل وبقضايا اليهود بشكلٍ عام، في مقابل لم تكن له أي نشاطات بشأن قضايا عربيّة وإسلاميّة أو فلسطينيّة تستأهل الذكر.
خاصةً وأنهم، لم يُبرزوا ولا بحرفٍ واحدٍ، يؤدّي إلى أن العمدة الجديد، كان قام بتقديم أي نصرةً من أجل العرب والمسلمين، أو أنه قد يشرع مستقبلاً، بالاهتمام بمشكلاتهم وبمساندة قضاياهم المصيرية، الأمر الذي جعلنا نشعر بالأسف أمام أنفسنا وأمام الغير سواء بسواء، باعتبار الحدث أنساهم ما يُعانونه من إجحاف لهم ولقضايا منذ الأزل وحتى الآن.
لقد بيّت اللنديّون النيّة، لمسألة اختيارهم له وترحيبهم به، باعتباره مسلماً مٌجرّباً باتجاه ولائه للغرب وللمسيحيين على نحوٍ خاص، وبسبب أنه أقل اعتداداً بالديانة الإسلامية التي يعتنقها، فهو ليس بإمام مسجد ولا داعية ولا يؤدي الفرائض المكتوبة بحذافيرها، كما أنه لم يُحِط عِلماً، بأنه سيسعَ لتمثيل المسلمين الأوروبيين بأي حال، ولا أي شيء من ذلك، ومن ناحيةٍ أخرى، لانفتاحه الكبير باتجاه الحريات المختلفة، وخاصة بعد تصويته في وقتٍ سابق، لصالح زواج مثليي الجنس، كونه لديه، من حقوق الإنسان الطبيعية.
لم يُخفِ السيد “خان”، ميلهُ العميق نحو الصهيونية وإسرائيل، والذي بدا أن اختياره لم يتم، إلاّ بعد تاريخ طويل قضاه في الالتصاق بهما والتقرّب منهما، وعلى مدار وظائفه الحكوميّة والوزاريّة التي شغلها خلال أوقات سابقة، حيث أثبت من خلالها، جدارةً خاصة لهذا المنصب، وربما طمعاً – فيما بعد- لاحتواء مناصب أخرى، كرئاسة الحزب العمالي الذي ينتمي إليه، ومن ثم إلى سدة الحكم البريطاني، وفي ضوء التزامه بسياسات الحزب، أملاً في إعادة تجربة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” الذي حصل كـ (أوّل أسود) على حكم الولايات المتحدة.
وبأي حال، فإنه يعتبر قد فاق أسلافه ومن سبقوه في العمادة، كـ “بوريس جونسون “، الذي كان يُكن ودّاً غير عادياً للصهيونية ولإسرائيل، وكان أعلن بأنه صهيوني متحمّس، ودعا البريطانيين إلى توثيق علاقات تجاريّة واسعة معها، باعتبارها دولة حرّة وديمقراطية.
كانت أول خطوة رسميّة للسيّد “خان”، هي قيامه بزيارة مراسيم إحياء ذكرى المحرقة اليهودية، التي عادةً ما يقوم اليهود البريطانيون بتنظيمها، إضافةً إلى حرصه على لقاءاته بالحاخامات اليهود، والذي كان على رأسهم الحاخام الأكبر “إفرايم ميرفيس” والسفير الإسرائيلي “مارك ريغيف”، والجالية اليهودية هناك، بما يعني التعاضد معهم دينياً وسياسياً واجتماعياً أيضاً.
وكان أعلن أمامهم، مساندته للدولة الإسرائيلية، ومُؤكّداً بأنه سيكون عمدة لندن المسلم، الذي سيعمل بحزم ضد مُعاداة الساميّة والتطرف الإسلامي، ومُذكّرهم من ناحيةٍ أخرى، بأنه غيّر رأيه عن قناعة، بشأن دعوته في عام 2009، إلى فرض عقوبات على إسرائيل، وبأنه بات الآن يرفض الدعوات الجارية التي تقودها منظمة (BDS) بشأن فرض مقاطعة ضدها.
نحن لسنا ضد “خان” كفائز في الانتخابات البلديّة، بل ويمكننا تقديم تهنئة خاصّة له بهذه المناسبة، ليس بالعمادة فقط، وإنما بفوزه على مرشحين يهود أيضاً، كما أننا لسنا ضد استلامه لعمادة لندن وقيامه بمسؤولياته باتجاه الأوروبيّين ومن انتخبوه بشكلٍ خاص، وسواء باعتباره مواطناً بريطانيّاً أو كشخصيّة مُسلمة، بقدر ما نريد التوضيح، من أن الابتهاجات بنجاحات الغير وما يتمخض عنها، لا يجب أن تكون سبباً في نسياننا لأنفسنا وقضايانا، التي لا نزال نُعاني منها إلى الآن، والتي لم تكن مدعاة لأن يقوم أحد ما، بالاهتمام بها أو التوقف عندها.
خاصةً، وفي ضوء أن إيجابيّات ذلك التطوّر التي يرون بأنها خارقة وغير مسبوقة، لن تنقلب علينا بأي حال كـ -عرب ومسلمين- بخير في ذات يوم، كما أن من غير المؤكّد أن يحقق هذا التطوّر واحدة من إحدى قراءاته الخياليّة، والتي تقول: بوجود عمليّة تاريخيّة، قد تُفضي – إن آجلاً أو عاجلاً- إلى أسلمة المجتمعات الأوروبيّة.
خانيونس/فلسطين