تعددت الجبهات .. وينك يا الفساد ! / م . عبدالكريم ابو زنيمه

تعددت الجبهات .. وينك يا الفساد !
يُحكى أنَّ ضبعاً كان قد اعتاد السطو على أغنام أهل قريةٍ ما، إذ كان يفترس العديد من الماشية في كلِ غارةٍ من غاراتهِ على القرية حتى دب الخوف بين أهلها، مما دفع برجال القرية للاجتماع بُغيّة وضع حدٍ لغاراته بقتله، فقاموا بتقسيم أنفسهم إلى مجموعات للحراسة وللتربص به، وما إن يُخيم الليل حتى تنسل كل مجموعة إلى بيوتها تاركةً مهمة الحراسة للمجموعات الأُخرى، فيكشف الصباح عن وقوع غارةٍ جديدة وعن أعداد ماشية إضافية قد تعرضت للافتراس، فتتبادل المجموعات التّهم فيما بينها، وظلَّ وضع القرية على حاله هذا حتى هجر الناس قريتهم بحثاً عن مآوىً آخر.
هكذا سيكون مصيرنا نحن، فالفساد بتوصيفه هو السرطان الذي ينخر أجساد الأوطان حتى يفتك بها إن لم يُستأصل ! كان يُمكن أن نعالج هذا المرض الخبيث لو تنبهنا إلى ضرورة استئصاله وعلاجه في مراحله الأولى، لكن أحداً لم يلتفت إلى خطورته حتى تمكن من التفشي في معظم أجزاء الدولة على كافة المستويات، وبدلاً من محاولة علاجه، فقد كان الهَمُ الأكبر للبعض هو تكميم فم كل من أشار إلى إصابة الدولة بسرطان الفساد، فتعددت التهم بين تشويه سمعة الدولة والعداء للوطن وقتل الشخصية والنجومية، ولم يتوقف الأمر عند كيل الاتهامات لهم بل تجاوزه إلى الزّج بالكثير منهم في المعتقلات تحت ذرائع واهية، علاوةً على ذلك، لم يكتفِ هؤلاء ممن كمموا الأفواه واعتقلوا أصحابها بالإنكار وحسب، بل وصل بهم الأمر إلى حد التّفاخر بصحة جسد الوطن منقطعة النظير، فصدعوا رؤسنا بتقارير حكومية كاذبة تشير إلى تعدد الانجازات والتطور والنمو، حتى وصلنا إلى حالنا هذا وقد أثخننا ورم الفساد جراحاً وقروحاً، دون أن يجرؤ أحد على الإشارة إلى مواطن بؤر الغدد السرطانية الأُم التي كانت ولا زالت مصدراً لكل ما نُلاقيه من ويلات.
اليوم، نسمع ونقرأ عشرات البيانات والقصص عن حجم الفساد وأشكاله، كما نشهد تشكّل كُتل وجبهات ومؤتمرات واعتصامات ووقفات احتجاجية لمواجهة الفساد، هذا كله لا يصب إلا في مصلحة مؤسسة الفساد وتغولها على الوطن ! لقد سأم الاردنيون البيانات والندوات..جعجة بلا طحن ! فإذا كانت جميع هذه الجبهات والأحزاب مُجمعةً أنَّ الهدف المشترك للجميع هو التصدي للفساد فلماذا لا تتوحد وتتفق على برنامج إنقاذٍ وطني ! تتظافر فيه الجهود لتحقيقة ! فمرحلة المراهقة السياسية التي تمرون بها اليوم وحالة التّخبط والفوضى التي تعيشونها، تجعل من اختراقكم أمراً سهلاً على مؤسسة الفساد، لا سيّما ونحن نرى بعض الأسماء التي كانت وعلى مدار سنوات جزءاً أساسياً من منظومة الفساد وهي التي بصمت على بيع معظم مقدرات الوطن وأملاكه قد انضمت مؤخراً لحركة محاربة الفساد، مما قد يؤثر في مصداقية هذه الحركة أمام الشعب الأردني.
ينتظر الأردنيون منكم أيها الجبهويون والمؤتمرون والحزبيون تشكيل جبهة أُردنية موحدة تتبنى برنامجاً وطنيا سلمياً بعيداً عن التسويف والمماطلة محدداً بأهدافٍ مجدولة زمنياً، هدفه الرئيس “تخليص وإنقاذ الأردن من الفساد والانهيار” من خلال تشكيل حكومة إنقاذ وطنيّ تعمل على حل مجلسي النواب والأعيان وتنقيّة الدستور الأردني من كل التعديلات التي أُدخلت عليه وأفرغته من مضمونه مع إضافة بنود تنمي وتطور الحياة السياسية والديمقراطية وتعمل على فصل حقيقي للسلطات، وتعرض الدستور على الشعب ضمن استفتاء شعبي يصدر على أساس نتائجه قانون انتخابي جديد،
أيُّها الجبهويون والمؤتمرون والحزبيون، فيتنام لم تتحرر من عبوديتها ولم تنال استقلالها وسيادتها إلا بعد أن توحدت كل الجبهات والفصائل على تحقيق هدف محدد واحد وإلا بعد أن التزمت باليات عمل مُتفق عليها، على الصعيد الآخر، لم تصل القضية الفلسطينية إلى مهالك الردى والهوان والضياع بين العواصم العربية والعالمية إلا نتيجة تشتت جبهات النضال والمقاومة وتعدد المرجعيات والولاءات، بالرغم من وحدة الهدف والمطلب.
لن ينقاد الشارع الأردني خلفكم ما دمتم متفرقين متناحرين، وما دامت أهداف بعض الأحزاب لا تعدو عن انتظار اللحظة المناسبة لركوب الموجة بعد ارتفاعها، عليكم بحشد كافة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات والشخصيات الوطنية لتتفق على هدفٍ واحد ولتلتزم ببرنامج عمل محدد ومؤطر زمنياً بعيداً عن الشخصنة والمحاصصة والانتهازية والنفعية ! عندها سيؤمن بكم الشعب الاردني ويتبنى برنامجكم وسينتصر لوطنه ومستقبله وعزته وكرامته..وبخلاف ذلك سنبقى نهيجن “وينك يالفساد..وينك !”
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى