في ظلال #طوفان_الأقصى “93”
تحيةٌ فلسطينيةٌ من الأعماق إلى جبهاتِ #المقاومة والإسناد
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
لم يقف معنا سواهم، ولم يقاتل إلى جانبنا غيرهم، ولم يؤيدنا في حقنا ويساندنا في مقاومتنا إلا هم، ولم يتحمل معنا تبعات المقاومة ونتائج القتال بحقٍ أحدٌ مثلهم، وكانوا أسبق الناس إلى نصرتنا، وأسرعهم إلى مساعدتنا، وألهفهم علينا، وأصدقهم في تحالفهم معنا، وأنبلهم في وقوفهم إلى جانبنا، في وقتٍ انحطت فيه القيم، وانتكست الأخلاق، وغابت الفضائل وتراجعت الشمائل، وعزَّ فيه النصير وقلَّ الصديق، ونذر الوفاء وانعدم الرجاء، وتخلى عن نصرة الحق الأخُ والشقيق، وتحالف مع العدو القريبُ والبعيد.
إنهم فئةٌ من الأمة قليلة، وثلة منها مباركة، وجماعاتٌ مختارةٌ، آمنت بربها وصدقت وعدها، ووفت بعهدها، والتزمت كلمتها، وكانوا أهل شهامةٍ ونبلٍ، وأصحاب مروءةٍ وشرفٍ، إذ انبروا منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة إلى حمل السلاح وفتح الجبهات، وبادروا العدو بالقتال، وقاوموه بالفعل، وأعلنوا أنهم جبهاتٌ مساندة، وقوى رديفة، تقاتل إلى جانب الفلسطينيين ومعهم، وتساندهم في حقهم وتدعمهم، فأوجعوا العدو وشغلوه، وناوشوه وقاتلوه، ومن قريبٍ وبعيدٍ قصفوه، وبالمزيد هددوه، وبالشواهد أرهبوه، وبالكثير من الأهداف قيدوه، وبالقرار الحاسم خيروه، فإمَّا وقفاً للعدوان على غزة، أو يتحمل وحده تبعات الحرب ونتائج القتال وفتح المزيد من الجبهات.
إنه لبنان ومقاومته الإسلامية، وجبهة جنوبه الجامعة، التي اتسع قوسها للرماة الصادقين من كل الجهات، وتزينت سماؤها بالصواريخ من كل الجماعات، فكانوا إلى جانب حزب الله الذي لم يتأخر في موقفه، ولم يستشر في سياسته، ولم يتردد في قراره، ولم ينتظر رأياً لأداء واجبه، إذ أعلن منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أنها معركة الأمة التي تستوجب النفير العام والنصرة الممكنة، وهي حربٌ بين الحق والباطل، وأن العدو يجب أن ينكسر فيها، وأن المقاومة يجب أن تنتصر في غزة وفي كل مكان، ووعد صادقاً أنها ستبقى صامدةً ولن تهزم، ولن ينال منها العدو وعليها لن ينتصر، وما زال على أرض المعركة ثابتاً يقاتل، لم يتعب رغم طول الحرب، ولم ييأس رغم عظم تضحياته، ولم يتراجع عن موقفه الأول، أنه مع غزة حتى تضع الحرب أوزارها، وينهي العدو عدوانه عليها وينسحب منها.
ربما تكون الجبهة اللبنانية هي أكثر الجبهات سخونةً، وأكثرها عطاءً، وأعظمها تضحيةً، وأخطرها على العدو، وأشدها على حلفائه، وأصدقها موقفاً وأثبتها سياسةً، وأصبرها على القتال، وأقدرها على مواصلة الإسناد، وقد طالها الكثير مما طال أهل قطاع غزة، تدميراً وخراباً وقتلاً ونزوحاً، وقدم حزب الله خلالها العشرات من خيرة رجاله، وأفضل قادته، ونخبة مقاتليه، وأكثرهم تميزاً في الميدان واختصاصاً في الحرب والقتال، ورغم ذلك فهو يعض على الجراح، ويصبر على التضحيات، ويصر على مواصلة القتال، حتى يرى قطاع غزة حراً عزيزاً، محرراً مطهراً لا وجود فيه لجنود العدو، ولا قدرة له على تهديده أو قتاله.
وعلى ذات الدرب كان اليمن السعيد، الشقيق المخلص البعيد، الذي ننتمي إليه نسباً ونتشرف به أصلاً، الذي رغم الجوع والحرمان، والعدوان والحصار، وشظف العيش وَمُرَّ الحياة، فقد أَصَرَّ أن يكون له في هذه المعركة سهمٌ يباهي به ويتفاخر، ويلاقي به ربه عز وجل ويتواضع، وينافس به إخوانه ويتسابق، وأبى رغم جراحه وكثرة همومه إلا أن ينصر فلسطين وأهلها، وأن يساند المقاومة ورجالها، وأن يكون إلى جانب غزة وأبنائها، ولم يبالِ بما قد يصيبه أو يلحق به، فقد وَطَّنَ نفسه على تلقي الضربات، وتحمل الأعباء، ومواجهة الأعداء، وصبر على عدوان بريطانيا والأمريكان، واحتسب عند الله عز وجل نتائج الغارات وتبعات العدوان.
وغير بعيدٍ من فلسطين انتظمت المقاومة العراقية وتعاهدت، وتظافرت جهودها واتسقت، وأصرت أن تعيد مجد العراقيين وأن ترهب الإسرائيليين، الذين لم ينسوا بأس العراق، ولم تشف جراحهم من جبهات قتاله في فلسطين ضدهم، ولم يستطع الزمن أن يمحو آثارهم، فتنافست مجموعاته وتسابقت كتائبه، كلها تريد شرف المشاركة وفضل السبق، فأطلقت صواريخها وسيرت مسيراتها، وأعدت المزيد ليوم كريهةٍ آخر، يوجع العدو ويؤلمه، ويترصده ويصدعه، ولعلها لا تخش ردة فعله ولا انتقام حلفائه، ولا تبالي بغضبة أمريكا ولا ردة فعل أتباعها، التي لا يروق لها فعل أهلها ولا غيرة رجالها.
ظن العدو وحلفاؤه أن محور المقاومة وهمٌ، وأن وحدة الساحات خيالٌ، وأن جبهات الإسناد سرابٌ، وأن أحداً لن ينصر الفلسطينيين أو يقف معهم، أو يقوى على مساندتهم ويستطيع مساعدتهم، وأنه سيتمكن منهم وسيستفرد بهم، وسيحقق ما يريد، وسينال منهم ما يتمنى، ظناً منه أن الفلسطينيين باتوا وحدهم، لا ناصر لهم ولا سند، ولا معين لهم ولا شريك معهم، وأنهم أضحوا ضعفاء لا حول لهم ولا قوة ، وعاجزين فلا قدرة لديهم ولا حضن قريب عندهم.
لكنهم فوجئوا بأن وحدة الساحات حقيقة، وأن جبهات الإسناد صادقة، وأن قوى المقاومة حاضرة، وأن بأسها شديدٌ، وفعلها مؤثر، وقدرتها على الثبات والمواصلة، والاستمرار والتطوير كبيرة.
خالص التحية والتقدير باسم المقاومة في فلسطين، وأهلنا في غزة وعموم الفلسطينيين، إلى قوى المقاومة التي ساندتنا وأيدتنا، ووقفت معنا وساعدتنا، ولم تتركنا وحدنا ولم تتخل عنا، وأعادت بمواقفها عملاً لا قولاً، للإسلام إخوته، وللعروبة تضامنها، وللجيرة نخوتها، وللحلفاء صدقهم، وللمقاومة جديتها ومصداقيتها، وإخلاصها وولائها، حماها الله وأيدها، وحفظها ورعاها، ووسع قوسها وفتح إطارها، وجعلها جنداً للتحرير، وذخراً للأمة.
بيروت في 20/7/2024