تحدّيان رئيسيّان يُواجهان أردوغان / عبد الباري عطوان

تحدّيان رئيسيّان يُواجهان أردوغان لا يستطيع تجنّب الحسم فيهما وبسُرعةٍ.. ما هُما؟ ولماذا نعتقد أنّ تطوّرات المعارك في شمال سورية قد تُعطِي بعض الإجابات؟ ومن سيكون الفائز الأكبر بقلبِ تركيا.. ترامب أم بوتين في نهاية السّباق؟

يُواجه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان اختبارين، أو تحدّيين، على درجةٍ كبيرةٍ من الخُطورة في الاسابيع السّبعة المُقبلة، الأوّل يتمثّل في جولة الإعادة لانتخابات بلديّة إسطنبول يوم 23 من الشّهر الحالي، والثاني الإنذار الأمريكيّ الذي صدر أمس بضرورة التخلّي عن شراء صفقة منظومة صواريخ “إس 400” الروسيّة المُتقدّمة لأنّها تتعارض مع أسرار طائرة الشّبح الأمريكيّة “إف 35” ومنظومات حلف الناتو الدفاعيّة، وجرى إعطاءه مُهلةً حتّى أواخر شهر تموز (يوليو) وإلا عليه مُواجهة عواقب وخيمة من بينها العُقوبات الاقتصاديّة.
في تقديرنا أنّ الخِناق بشقّيه الداخليّ (الانتخابات)، والخارجيّ (الإنذار الأمريكي)، بدأ يضيق على عُنق الرئيس التركي، ولم تعُد أساليب المُناورة وكسب الوقت، وتأجيل اتّخاذ القرارات الحاسِمة والحازِمة في هذا المِضمار التي يُجيدها باتت مُمكِنةً.
لنترُك الحديث عن انتخابات إسطنبول جانبًا لعدم اتّضاح خريطة التّحالفات الجديدة التي تضُم أطرافًا عديدةً من بينها مُتمرّدون على زعامته من قِيادات سابقة في حزب العدالة والتنمية الحاكِم مِثل أحمد داوود أوغلو وعبد الله غل، وعدم وصول قادة حزب السعادة الإسلامي إلى قرارٍ نهائيٍّ بشأن استراتيجيّته في هذه الانتِخابات، ترشيحًا أو دعم مُرشّح المُعارضة، ونُركّز في هذه المقالة على التحدّي الأخطر وهو التّهديدات الأمريكيّة وكيفيّة التّعاطي معَها سلبًا أو إيجابًا.
***
هُناك عدّة نقاط رئيسيّة لا بُد من التوقّف عندها وتسليط الأضواء عليها لاطلاع القارِئ الكريم على خلفيّات هذه المسألة قبل إعطاء أحكام تُرجّح طبيعة الخِيارات المُتاحة للرئيس أردوغان:

الأوّل: إقدام تركيا على شراء منظومة دفاعات صواريخ “إس 400” جاء لعدّة أسباب، أبرزها رفض الاتّحاد الأوروبي بطريقةٍ مُواربةٍ القُبول بعُضويّة تركيا فيه، ورغبة الأخيرة في التحرّر من شُروط التّسليح الأمريكيّة المُهينة، والتّعاطي معها كدولة غير موثوق فيها كعُضو في حلف النّاتو.
الثانية: ثقة الرئيس أردوغان بأمريكا كحليف استراتيجي تراجعت إلى مراتبٍ سُفلَى بعد الانقلاب العسكريّ صيف عام 2016، حيث يعتقد الرئيس أردوغان أنّ وكالة الاستخبارات الأمريكيّة (سي آي إيه) لم تكُن تعلم به فقط، وإنّما شاركت فيه.
الثالثة: دعم أمريكا العسكريّ المُباشر لقوّات حماية الشعب التركيّة التي يعتبرها نظامه ذِراعًا لحزب العمّال الكردستاني الانفصالي المُصنّف إرهابيًّا من قبله.
الرابعة: إبرام صفقة الصواريخ الروسيّة يُعطي الرئيس أردوغان ميزتين رئيسيتين، الأُولى، الحُصول على مدخل إلى تكنولوجيا إنتاج أسلحة مُتطوّرة تُعزّز الصّناعة العسكريّة التركيّة الطّموحة، واستِخدامها كورقة مُساومة للوصول إلى شُروط ماليّة وتكنولوجيّة أفضل في مُفاوضات شِراء صفقة صواريخ باتريوت المُنافسة، وطائرات الشّبح “إف 35” التي يُريد شراء مِئة منها.
الخامسة: الرئيس بوتين كان على درجةٍ عاليةٍ من الذّكاء عندما أدرك أنّ هُناك فُرصة ذهبيّة له لاستغلال مرحلة الخِلاف التركيّ الأمريكيّ، وجذب تركيا إلى مُعسكره، ولهذا قدّم عُروض ماليّة وتكنولوجيّة مُغرية جدًّا لأنقرة والمُضي قُدمًا في صفقة “إس 400″، التي تُقدّر قيمتها حواليّ 2.5 مليار دولار، علاوةً على حِفظ مصالحها، أيّ تركيا، في سورية.

الرئيس أردوغان أكّد يوم 4 حزيران (يونيو) الحالي أنّ تركيا لن تتراجع عن هذه الصّفقة لأسبابٍ أخلاقيّةٍ و”لكن” إذا كانت شُروط عقد صفقة صواريخ “الباتريوت” المُنافسة جيّدة فإنّ الوضع ربّما يختَلِف.
هذا التّلميح من قِبَل الرئيس أردوغان جاء بعد علمه بتفاصيل المُهلة الأمريكيّة، وإيقاف أمريكا تدريب طيّارين أتراك على طائرة الشّبح “إف 35” في قاعدتها العسكريّة في أريزونا، ومنه تسليم أربع طائرات منها في إطار صفقة قيمتها 9 مليارات دولار، وأبلغت خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، بعدم إرسال مجموعة جديدة من الطيّارين للتّدريب، وما يُثير الاهتمام ما ذكره مصدر في البنتاغون أنّ المُفاوضات بين تركيا وأمريكا حول شراء صفقة صواريخ “باتريوت” مُستمرّة هذه الأيّام ولم تتوقّف.
الجانب الروسي بَدأ يشعُر بالقلق بعد توصّله إلى قناعةٍ بأنّ احتمال تراجُع الرئيس أردوغان عن صفقة صواريخ “إس 400” ما زال وارِدًا، وربّما يتم هذا التّراجع في اللّحظة الأخيرة إذا جرى تحسين العُروض الأمريكيّة، وتَجنّبًا للعُقوبات.
لا نعرِف على وجه الدقّة كيف سيكون قرار الرئيس أردوغان النهائي تُجاه هذين الخِيارين الحاسمين، ولكن ربّما يُعطي التّعاطي الروسي التركي مع تطوّرات الأوضاع عسكريًّا في الشّمال السوري، ومُحافظة إدلب على وجه الخُصوص.
نشرح أكثر ونقول أنّه كان لافتًا في الأيّام القليلة الماضية ظُهور صواريخ مُضادّة للطائرات “إم .ط”، وأخرى مُضادّة للدّروع من نوع “ثاو” في أيدي مُقاتلي جبهة تحرير الشام (النّصرة) في حماة وحمص وإدلب، وإسقاط هذه الصّواريخ طائرة عسكريّة سوريّة، وسط اعتقادٍ راسخٍ بأنّ تركيا كسَرت كُل الخُطوط الحُمر، الأمر الذي دفع موسكو بالتّهديد بدعم قوّات حماية الشعب الكرديّة في تل رفعت وأماكن أُخرى.
***
الرئيس أردوغان ما زال يُقلّب خِياراته، مع إبقاء أوراقه قريبةً إلى صدره، ومُحاولة المُناورة بالتّالي حتّى اللُحظة الأخيرة، فهو يُؤجّل الطّلاق النّهائي مع أمريكا، ويُعطي إشارات إيجابيّة للرئيس ترامب، أبرزها وقف استيراد النّفط الإيراني التِزامًا بالعُقوبات الأمريكيّة، وكذلك تجميد التّقارب والاتّصال بالسّلطة السوريّة على صعيدِ الجانب الاستخباري.
من يُتابع مسيرة الرئيس أردوغان السياسيّة لا يستبعِد أيّ احتمال، بِما في ذلك التّراجع عن صفقة الصّواريخ الروسيّة إذا كان المُقابل الأمريكيّ مُغرِيًا، وبوتين يعرِف ذلك جيّدًا، ولذلك لا بُد من التأنّي قبل إصدار أحكام قاطِعة، وما علينا إلا الانتِظار، وهو انتظارٌ لن يطول فالمُهلة الأمريكيّة مِقدارها سبعة أسابيع، ولكنّ علينا في الوقت نفسه مُتابعة الحرب في إدلب وتطوّراتها، فقد تُعطي الإجابة الشّافية.. والأيّام بيننا.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى