
د. #هاشم_غرايبة
منذ أن سلمت الماسونية العالمية أحد الضباع الكاسرة الحكم في الدولة العظمى، فقبع في البيت الذي سمي أبيضا، تدليسا وخداعاً لإخفاء السواد الي يعمره، منذئذ والعالم يحبس أنفاسه مترقبا في كل يوم قرارات أسوأ.
حتى نستوعب ما يجري، يجب علينا استرجاع التاريخ، فليس ما يحدث اليوم منقطع عما حدث بالأمس، سنجد هنالك تاريخ طويل للأوروبيين من الصراعات والظلم واستمراء أكل حقوق الغير، لم ينقطع فيه سفك الدماء في أية حقبة تاريخية، سواء بين الأمم الأوروبية ذاتها، أو جراء اعتداءاتها على الأمم الأخرى.
السبب الأول لذلك هو طبيعة الطمع بما لدى الآخر السائدة على طباعهم، لذلك طوروا قيماً بعيدة تماما عما فطر الله البشر عليها، التي هي التعارف والتعاون.
قد يفسر ذلك لماذا لم ينزل الله رسالات عليهم، فهو أعلم بما في نفوسهم، وبمدى قساوة قلوبهم، فآثر أن يوصل لهم الهدى عبر الدعاة، فتستجيب لهم قلوب تلك القلة القليلة التي تعرف الرحمة والعطف.
لذلك ليس مفاجئا أن قيم الرأسمالية المتوحشة هي التي سادت بينهم منذ القدم، والقائمة على اعتبار أن النجاح في الحياة هو بمقدار ما تحققه من كسب واستئثار بالخير للذات، بغض النظر عن الوسيلة المتبعة لذلك الغرض، والتي هي نقيض لفكرة الدين الذي أنزله الله للبشر ليعمم قيم الخير والصلاح، والمبنية على أن النجاح يقاس بمقدار ما تقدمه من خير للمحتاج، وتنفع به نفسك وغيرك.
استثمار فائض القوة وانتهاز الفرص وابتزاز ضعف القدرة على الرد، هي عنوان كل القرارات التي ميزت الإدارة الأمريكية الجديدة، ليس معنى ذلك أن الادارات السابقة كانت إنسانية رحيمة، بل على العكس، هي من الطينة ذاتها، إنما كانت أكثر حكمة وتعقلا، لأنها قرأت تاريخ الحضارات البشرية، وعرفت أسباب صعود الامبراطوريات وسقوطها، وتعرف أن أهم عامل للسقوط كان هو الغرور بالقوة والطمع، وأهم عامل لإطالة أعمارها ظل توفير العدالة واحترام القيم الانسانية.
لقد توصل المفكرون من دراساتهم المقارنة لأحداث التاريخ، الى أن أعمار الدول كأعمار البشر، تترعرع وتنمو وتقوى الى أن تبلغ أشدها، ثم تبدا تهرم الى أن تبيد، والعوامل التي تطيل بقاءها أو تقصر في أجلها هي ما ذكرناه آنفا.
لذلك يتوقع كثيرون أن أجل القوة العظمى الحالية اقترب، وان زمن هيمنتها قد شارف على الزوال، ويعزز ظنهم هذا أن الحرب الاقتصادية قد حميت وتيرتها، ويعتقدون أن الاقتصاد سيكون أهم أسلحة الحرب العالية الثالثة.
من السذاجة الاعتقاد بأن القرارات الحمائية الأمريكية الأخيرة هي قرارات ترامب ذاته، فلم يكن الرئيس في اي يوم صاحب قرار في الأمور الاقتصادية، الأصوب هو أن القوة المالية الخفية التي تصنع الرؤساء وتضع حولهم المستشارين هي صانعة القرار، ولعلها رأت في المجيء بالضبع رئيسا يتوافق مع ما هو مطلوب من قرارات شرسة تحتاج شخصا مغامرا يمتهن صفقات المقامرة.
هذا ينبئ عن القلق لدى القوة الخفية من انقشاع عهد الهيمنة الاقتصادية استنادا الى سياسة الذراع الطويلة (القواعد العسكرية وحاملات الطائرات)، فقد ظهرت قوى ناهضة منافسة لا تقوى هذه الذراع على ترويضها، وعلى رأسها العملاق الصيني، الذي نجح خلال انشغال هذه القوة الضاربة بمحاربة الاسلام، خوفا من انتشاره في عقر بيت الأوروبيين، نجح بتثبيت أقدامه وفرض وجود مهيمن على خريطة الانتاج العالمي، فلم يعد بمقدور القوة الرأسمالية الغربية منافسته ناهيك عن اقصائه، وكانت آخر نجاحاته الباهرة، محاول تقويضه نظام (سويفت) المالي الذي ظل مهيمنا وحيدا على أسواق التبادلات التجارية العالمية، وكان السيف الغربي الأقوى في سلاح المقاطعة لمن يخرج على الطاعة، فبعد أن حافظت على عملتها (يوان) كأرخص العملات، مما فتح أمامها الأسواق المستوردة، قد تمكنت بصمت وعمل دؤوب من فرض العملة الرقمية (الرنمينبي) في التعاملات المالية الدولية، واعتمدتها عدة دول آسيوية، ونظرا لأن سرعة التعاملات بها أسرع بمائة ضعف من (سويفت)، فستكون قريبا جدا البديل الأفضل.
فهم الحاضر واستقراء القادم متوفر لمن يتدبر القرآن، فعندما كانت تطغى أمة وتعلو بغير الحق وتقول من أشد منا قوة، يأتيها أمر الله ليريها أن من خلق وقدر هو أقوى.