
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 53 من سورة الزمر: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.
هذه الآية من الآيات المبشرة برحمة الله ومغفرته، تبعث الطمأنينة في النفوس، وتزيل القنوط عند الذين انحرفوا وتمادوا في معصية الله، وتنبهوا قبل فوات الأوان، لكنهم قلقون ويتساءلون: هل بعد كل الذي عملته من معاص .. هل سيغفر الله لي!؟.
بداية يجب أن نتعرف على الفوارق بين الإثم والذنب والسيئة، فقد وردت هذه المصطلحات في كتاب الله في مواضع كثيرة، ويظنها الناس أنها واحدة، لكنها في الحقيقة ذات مدلولات مختلفة.
الإثم هو نية عمل الذنب أو السيئة، أي هو النية المبيتة والتي لا يعلمها أحد غير الله، فهو مرحلة سابقة للتنفيذ، وقد عرفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الإثم ما حاك فى صدرك وخشيت ان يطلع عليه الناس”، فهو مرض القلب، ومن أتى الله بقلب سليم هو من نجا من هذه الآثام.
وأعظم هذه الآثام الشرك بالله وهو الذنب الوحيد الذي لا يغفر الله مهما عمل المرء من الصالحات: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ” [النساء:84].
يليها في الخطورة كتم الشهادة، لما تلحقه بالآخرين من ضياع الحقوق: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” [البقرة:283].
ومن أمراض القلوب: الحقد، والحسد، وكتم العلم، والنفاق، وسوء الظن.. وغيرها.
بما ان الإثم هو أمر مكنون في النفس، فلا تعلمه حتى الملائكة التي تسجل أعمال المرء من حسنات وسيئات، فلا تسجل الا ما فعله أو قاله، فلا يعلم الاثم الا الله، وهو الذي يقدّر محاسبة المرء عليه أو مغفرته: “وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ” [البقرة:284].
وعلاج الإثم هو طرد هذا الخاطر من النفس، ويبدا بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والاستغفار.
وأما الذنب فهو خطأ العبد فى حق نفسه مع ربه بمعصيته لله دون إضرار بالغير، مثل التقصير في اداء العبادات المفروضة مثل التكاسل عن أداء الصلوات، أو عدم أدائها على وجهها الصحيح، أو الافطار في رمضان بغير عذر صحيح أو عدم أداء الحج مع الاستطاعة عليه، كما تشمل الذنوب إتيان ما حرمه الله مثل شرب الخمر أو أكل اللحوم المحرمة أو مقاربة الزنا أو القمار..الخ
هكذا فالذنب هو التفريط في جنب الله، وتقصير في أداء حقوقه، هذه هي التي ذكرها في الآية الكريمة عندما قال: “إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا”، فهي حقوق لله تعالى ضيعها العبد، لكن الله الرؤوف الرحيم بعباده، عفوٌّ يحب العفو، وإن رأى من عبده توبة وندما على تلك الحقوق التي لن يمكنه أن يوفيها، وعده بأن يتوب عليه ويسامحه فيها، شريطة التوبة وعدم العودة لتلك المعاصي مرة أخرى، ولتوكيد ذلك على العبد الاكثار من الصالحات.
يتبقى معرفة السيئات، وهي خطأ العبد فى حق نفسه مع ربه ابتداء، لكن هذا الخطأ لم يتوقف على معصية الله، بل كان له أثر مادي ضار بالغير مثل القتل والسرقة والغيبة والنميمة وأكل مال اليتيم، وأكل الحقوق والظلم والخيانة والكذب ..الخ.
إن الله قد حرم الظلم على نفسه فكيف يبيحه لعباده، لذلك فالله قد يغفر الذنوب بمجرد التوبة والاستغفار، لكنه لا يغفر السيئات إلا بعد إعادة الحقوق الى أصحابها واصلاح ما فسد جراء ضياعها، وفوق ذلك وكاثبات لتوبة المسيء، عليه أن يكثر من الصالحات لكي يكفر الله سيئاته: ” إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” [هود:114].

