تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في أول سورة الكهف: “ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ”.
سورة الكهف هي واحدة من خمس سور ابتدأت بحمد الله، وجميعها تربطه بالنعم العظمى التي أنعمها الله على خلقه.
أول ما يستوقف المتأمل في هذه الآية، استعمال الله لصيغة (الحمد لله)، في جميع السور هذه، وليس (نحمد) أو (أحمد)، وذلك لأن صيغة (الحمد) تعني أنه موقوف كله على الله، فهو من يستحقه، بينما لو جاءت (نحمد) فهي تحمل حمدا لله ولكن قد يحمد غيره أيضا.
الأصل في الحمد أن يتحصل بعد فعل حميد قام به المحمود وحقق للحامد خيرا وأناله نفعا، لكننا نلاحظ في السور الخمس أنها تبتديء بتقرير الحمد وجوبا قبل بيان علة الحمد وموجباته، وهذا أمر من إعجازات القرآن لأن هنالك حمد سابق متحقق، لم يطالَب به البشر، لثلاث نعم عامة لكل البشر، هي: الإيجاد من العدم والامداد بالرزق والارشاد الى الهدى.
فالأب استوجب من ابنه الطاعة والإحسان لأنه رباه ورعاه، وأطعمه وكساه، ولا يسع الإبن إذ ذاك إلا أن يكون له حامدا شاكرا على الدوام، فكيف لو أن الأب فوق ذلك هو الذي أوجد إبنه!؟.
لذلك فالحمد لا يكون بسبب الفعل الذي تلاة فقط على عظم أثره وجزيل نعمائه، بل بسببها جميعاً.
ففي سورة الفاتحة توجّبَ الله الحمد كونه رب العالمين ولأنه الرحمن الرحيم بهم، ولأنه ملاذهم ومستعاذهم وإليه مرجعهم، فكم سيكون جهد البشر ضائعا وسعيهم خاسرا لو لم يكن هناك يوم حساب، يثاب فيه المجتهد ويرى سعيه مشكورا عند قاض ٍ عادل عليم، وفي المقابل سيجد لديه اقتصاصا من الظالم يعيد له حقه.
وفي سورة الأنعام كان الحمد وجوبا لعلّة خلقه السموات والأرض والظلمات والنور.
وفي سورة فاطر جاء الحمد مرتبطا بنعمة فطر السموات والأرض مع خلق الملائكة.
وفي سورة سبأ استوجب الحمد لأنه يملك كل ما نعرفه في الدنيا (السموات والأرض) وكل ما لا نعرفه في الآخرة.
لكن سورة الكهف جاءت بما لا يقل عظمة وما لا ينقص نفعا للبشر عن كل ما سبق، إنه بسبب هذا القرآن العظيم، الذي أنزله الله نورا هاديا الى النهج السوي.
وقد جاء وصف هذا الكتاب بوصفين مشتملين، على أنه الكامل من جميع الوجوه، وهما نفي العوج عنه، وإثبات أنه قيم مستقيم، فنفي العوج يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث، وإثبات الاستقامة، يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجلّ الإخبارات .
وقد جاء تقديم هذا الوصف قبل إخباره بأمرين جليلين، حتى لا ينصرف العقل الى الجدل فيهما:
الأول: “لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ”، وهو أن الله لن يترك هؤلاء الذين حباهم بكل هذه النعم بلا حساب.
والثاني: ” وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا”، فهذا الذي يقولونه افتراء عظيم لا ينبغي قوله، ومن عظم ذنب من يقوله، أنه تعالى هدد بأسا شديدا في الإنذار الأول ولم يحدد من هم المهددون به بل اكتفى باستثناء “الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ”، فجاء في الثاني توضيح من هم المقصودون بذلك.
إن من أكبر الكبائر القول بأن لله صاحبة أو ولد، فهذه صفات المخلوق الذي ينجب الأولاد عضدا له في حياته، ومعينا في شيخوخته، ولكي يحفظ ذكره بعد موته.
فما حاجة رب الناس إله الناس لذلك؟ وهو الذي الذي خلق كل شيء وما مسّه من لغوب، وهو الحي الذي لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم.
لقد سمى الله تعالى نفسه بكل الأسماء الدالة على الصفات الحسنى، ومع أن الأبوة تشمل العديد منها إلا أنه جل جلاله لم يسمِّ نفسه بالأب، لأنه لا يجوز أن ينتمي مخلوق الى الخالق برابطة الدم فذلك من الشرك.
الشرك بالله ظلم عظيم، وهو الحالة الوحيدة التي لا يغفرها الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى