![](https://i0.wp.com/sawaleif.com/wp-content/uploads/2016/02/1525702_647116255349408_744202839_n-e1488819593973.jpg?fit=300%2C206&ssl=1)
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 78 من سورة الحج: ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”.
فسر المفسرون الحرج بالضيق، لذلك فالمعنى يدل على أن الله لم ينزل الدين ليضيق به على الناس، بل وسع به عليهم في الأحكام والعبادات والعقوبات، لكي يكون في اتباعه يسر على الجميع مهما كانت مقدرتهم على اتباعه قليلة، وتحملهم لتكاليفه، وبالطبع من يقدّر ذلك هو من خلقهم وهو أعلم بقدراتهم.
لو تأملنا في مرادات الله من إنزاله الدين للبشر، لرأينا أنه كله بجميع أركانه لمصلحتهم، ليحقق صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم الدنيوية.
فالأحكام لتنظم علاقاتهم وتعاملاتهم، فلا يظلم الضعيف ولا يغمط المسكين.
والعبادات لربط المؤمن بخالقة مباشرة، فتسكن نفوسهم القلقة بهذا الاتصال، ويطمئنن المظلوم الى أن
الله أكبر من كل قوي متجبر، وسيأخذ له حقه ولو بعد حين.
وأما الحدود فجعلت لئلا يتم تجاوزها، والعقوبات لتردع من يفكر في ارتكاب التجاوزات.
هكذا نفهم الدين، انه لتنظيم حياة الناس واسعادهم في دنياهم، وليس لما بعد الموت.
فالحياة دار ابتلاء فيها العمل والجد والاجتهاد، والآخرة محض دار جزاء فقط.
لذلك فالحياة وهبها الله للناس لكي يمتحنهم، هل يحققون فيها النجاح أو الفشل، فينالوا في الحياة الأخرى الجزاء، بأحد خيارين لا ثالث لهما: إما الجنة أو النار.
معيار الناجح في حياته، ليس من حقق مالا أو بنيانا أو جاها، فذلك مؤكد أنه سيفقده فور موته.
ما يبقى معه وينفعه هو عمله الصالح، وبقدر ما بنى سينفعه في آخرته: الأساس الوحيد الذي يمكن أن يرتقي عليه بنيانه هو التوحيد، ولوازمه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا وباليوم الآخر، وكلما بنى فوقه من عمله الصالح (أي النافع له ولغيره)، كلما زاد رصيده الذي يؤهله لنيل رحمة الله (جنته).
بعد نزول الرسالة الخاتمة التي أكمل الله بها الدين، أصبحت المعالم واضحة، والطريق لنيل ثواب الله في الآخرة محددة بسبيل واحد، لن يتغير الى يوم الدين، وهو اتباع الدين الكامل المتكامل، ومن رحمته تعالى بالبشر وتيسير اتباعه أنه بين كل أركانه في كتابه العزيز، والذي تكفل بحفظه من التحريف أو العبث، ليظل مرجعا موثوقا يحدد الحرام، ويبيح ما عداه، من اتبعه فقد سار على الدرب الموصل الى الفلاح، ومن تنكبه فقد خاب سعيه في الحياة الدنيا، وخسر الفرصة التي منحها الله للجميع لنيل ثوابه.
إذاً فموضوع اتباع الدين هو عنوان النجاح، وعليه فالمسأله الهامة في حياة المؤمن هي التأكد من أنه متبع حقا للدين.
مبعث القلق أوجده المتشددون، فجعلوا اتباعه محصورا بمسار ضيق كحد السيف، وزعموا أن من حاد عنه هلك، وهم بذلك ضيقوا واسعا، جاءت هذه الآية لتطمئن الناس الى سعته، ولقطع الطريق على المتنطعين، الذين ضيقوا على الناس سبل عيشهم، لذلك جاء في الحديث الصحيح: “هلك المتنطعون”، والتنطع هو المزاودة على الشارع الحكيم بتحريم بعض ما أحله، وفيما يلي بعض أوجه التنطع في مجال المرأة فقط:
فمنهم من حرّم على المرأة أن يُرى منها شيء، رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح أن يرى وجهها وكفيها.
كما حرموا عليها لبس غير السواد، رغم أن الألوان لم يخترعها البشر، بل خلقها الله زينة لتبهج النفوس: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ” [الأعراف:32].
وبعضهم جعل تعطر المرأة من أنواع الزنا، فإن كان العطر ليشتم الناس من الشخص رائحة طيبة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مواظبا على التعطر، فهل هو حلال للرجل محرم على الأنثى!؟.
وأفتى آخرون بحرمة الاختلاط قطعيا، مع أن (أم عمارة) يوم أحد قاتلت ذوداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رأينا صحابيات وتابعات فقيهات، يقضين ويفتين في الدين، لنساء ولرجال، فقد روي عن ام المؤمنين عائشة أكثر من مائتين وسبعبن حديثا أوردها الشيخان، ومعلوم أن جامعي الحديث كلهم كانوا رجالا، كما أخذ الفقيه سعيد بن المسيب العلم عنها مباشرة، وليس من كتب كتبتها.
ما سبق أمثلة لا حصرا، لتبيان أن دور المتنطعين (ومسماهم المعاصر:المتشددين) في الصد عن منهج الله، لا يقل ضررا عن معاديه.