في مؤتمره الصحافي السنوي الذي حضره اكثر من 1500 صحافي، واستغرق ثلاث ساعات، وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جدول اعمال مؤتمر نيويورك الذي سيبدأ اعماله الجمعة بحضور وزراء خارجية 17، دولة لبحث كيفية الوصول الى حل سياسي للازمة السورية.
النقطة الابرز في هذا المؤتمر تأكيد الرئيس السوري بكل وضوح بانه “لن يقبل بأن يفرض احد على روسيا من سيحكم سورية او اي بلد آخر”، وقوله “موقفنا هذا ثابت ولن يتغير”.
تصريحات الرئيس بوتين هذه جاءت بعد اجتماع عقده مع جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية في موسكو، وكأن لسان حاله يقول للادارة الامريكية “انتهى الزمن الذي كنت فيه تتدخلي عسكريا بكل حرية وتغيري فيه الانظمة، مثلما فعلت في افغانستان والعراق وليبيا فنحن عدنا.. ونحن هنا والشعب السوري وحده هو الذي يقرر مصير رئيسه”.
***
من المؤكد ان الوزير كيري فهم هذه الرسالة ومضامينها جيدا، فلم يعد يتحدث عن رحيل الرئيس السوري كشرط لبدء المرحلة الانتقالية، كما ان نغمة حليفه السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، المطالبة بالشيء نفسه قد خفت درجة حدتها، وربما لن نسمعها لفترة طويلة.
مؤتمر نيويورك الذي يأتي امتدادا لنظيره في فيينا ينعقد في ظل حدوث تطورين رئيسيين على صعيد ملف الازمة السورية:
الاول: انعقاد مؤتمر فصائل المعارضة السورية في الرياض قبل اسبوع وتشكيله هيئة تنسيق للاشراف على اي مفاوضات مقبلة مع حكومة الرئيس الاسد، واختيار السيد رياض حجاب رئيس الوزراء السوري المنشق رئيسا للوفد المفاوض، ومرشح المعارضة وداعميها في اي انتخابات رئاسية مستقبلية.
الثاني: انتهاء السلطات الاردنية من وضع لائحة بأكثر من 160 تنظيما ارهابيا في سورية تتصدرها “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” و”احرار الشام”، و”جند الاقصى”، وفجر الاسلام” و”لواء التوحيد”، وقد تسلمت موسكو نسخة من هذه اللائحة رسميا، الى جانب الدول المشاركة وستقدمها الى الامم المتحدة لاصدار قرار باعتمادها من مجلس الامن.
مؤتمر المعارضة السورية في الرياض كان حافلا بالمشاكل، سواء من حيث تخوين جميع من شاركوا فيه، مثلما جاء على لسان السيد ابو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، او مقاطعة البعض له مثل تيار “قمح”، الذي يتزعمه الدكتور هيثم مناع، او عقد الفصائل الكردية السورية مؤتمرا موازيا في الحسكة شمال شرق سورية كرد على تجاهلهم، وتهميشهم، وعدم توجيه القائمين على مؤتمر الرياض اي دعوة لهم، وبايعاز من تركيا، ولعل اصرار الامير محمد بن نايف ولي العهد السعودي في كلمته امام فصائل المعارضة على حتمية رحيل الرئيس السوري قبل بدء العملية السياسية والمرحلة الانتقالية على وجه الخصوص قد نسف هذا المؤتمر، وعرضه لاتهامات بعدم الشرعية من موسكو، وربما واشنطن ايضا، وربما يضيف اختيار السيد حجاب رئيسا لوفد المفاوضات انقسامات جديدة، لان هناك من يتهمه بالولاء للنظام او يعتبره جزءا منه.
ولا نعتقد ان توريط السلطات الاردنية في مصيدة اعداد لائحة الجماعات الارهابية سيمر دون مشاكل، فاذا صح ان هذه القائمة تضم جبهة “احرار الشام” المدعومة قطريا وتركيا، والممثلة في مؤتمر المعارضة في الرياض، فإن هذا سيثير العديد من المشاكل، وعلى اكثر من صعيد، وقد يسبب صداعا مزمنا للاردن، ويخلق عداوات هو في غنى عنها، خاصة ان لديه ما يكفيه منها داخليا وخارجيا، وربما يصبح هذا الصراع مزمنا، سواء اذا ما جرى ضم فصائل شيعية الى القائمة، مثل كتائب ابو الفضل العباس وربما “حزب الله” ايضا، او لم يتم ضمها.
***
لا نريد ان نستبق الاحداث، ونرسم صورة متشائمة عن نتائج مؤتمر لم يعقد بعد، ولكن الطموحات الامريكية الروسية ببدء المفاوضات مع السلطات السورية والمعارضة مع مطلع العام الجديد تبدو غير واقعية، كما ان تمسك روسيا بموقفها الداعم للرئيس الاسد، وهجوم بوتين الشرس على تركيا، وتأكيده بأنه لن يغفر للرئيس رجب طيب اردوغان اسقاط الطائرة الروسية التي اخترقت الاجواء التركية لثوان معدودة، يهدد بإجواء توتر، وربما صدامات كلامية في داخل قاعة الاجتماع واروقتها ايضا.
الرئيس بوتين بات يتصدر خط الهجوم، ويسجل الاهداف في مرمى الامريكان وحلفائهم، الواحد تلو الآخر، تمهيدا لمقدم عام جديد حافل بالمفاجآت على اكثر من جبهة، سياسية كانت او عسكرية.