
كتب د. #عبدالحكيم_الحسبان –
أشاعت حزمة #القرارات التي جرى الاعلان عنها بالامس تجاه #المعلمين أجواء عميمة من الارتياح ومن التفاؤل كانت البلاد في أمس الحاجة إليها. وأما مبعث هذا الشعور العميم بالارتياح فهو أن قرارات #الحكومة هذه ممثلة بدولة الرئيس وبمعالي #وزير_التعليم_العالي تمس شريحة وقطاعا يكون العقل ناقصا إن أدركها على أنها تمثل جزءا من الدولة أو المجتمع لأنها في عمق المنطق وجوهره هي الدولة والمجتمع؛ فالدولة الحديثة ما هي إلا المدرسة والجامعة، فهما من يصنعان الدولة بحدودها الجغرافية الضيقة أو الواسعة، وهما من يصنعان المجتمع بجبروته وتماسكه أو بهشاشته وضعفه.
والحال، فإن مبادرة دولة الرئيس تجاه المعلمين التي يمكن لنا أن نتلمس فيها التفاتة حقيقية من الدولة تجاه القضايا الحقيقية التي تشكل مفتاحا حقيقيا للولوج إلى عملية بناء وطني ودولتي ينتظره الاردنيون كثيرا وانتظروه طويلا. فإذا كانت عقود التأسيس فرضت على الدولة الاردنية أن تنتج، وأن تعيد انتاج نفسها عبر مؤسساتها الامنية والعسكرية والمالية، فإن عقود التنمية والتطوير باتت تفترض مزيدا من انتاج الدولة واعادة انتاجها عبر المدرسة والجامعة والمنهاج الدراسي.
ولأن مبادرة دولة الرئيس ومعالي الوزير كانت بالامس تتعلق بقطاع #التعليم، فقد إزداد منسوب التفاؤل بالرئيس ومبادراته كي ينسحب ويصل إلى قطاع التعليم العالي والجامعات وبالتحديد #جامعة_اليرموك التي امتلك سلطة أخلاقية وعلمية في الحديث عنها بأكثر من غيرها من الجامعات بالنظر إلى شرف انتسابي الطويل لاسمها طالبا ثم استاذا في الكادر التدريسي فيها. وأما مبعث هذا التفاؤل الذي يختلط بالرجاء والامل في مبادرة تحمل الخلاص من براثن الازمة فهو منسوب القلق والتوترغير المسبوق الذي يعيشه العاملون في الجامعة منذ سنين طويلة.
وأما مبعث القلق والتوتر بل والاجواء العاصفة التي تسود الجامعة منذ سنين، فسوف الخصها واكثف النقاش فيها. فالارقام تقول أن مديونية الجامعة باتت تلامس حاجز المئة مليون دينار أي ما يزيد عن نسبة ماية وثمانين بالمئة من موازنتها السنوية. وكان من نتيجة هذه المديونية تقليصات كبيرة في كل الانشطة العملية والبحثية والاكاديمية والاجتماعية التي تناط بالجامعة، بل ووصلت الازمة رواتب العاملين فيها، كما وصلت إلى مكافأت نهاية الخدمة حيث ميزانية هذه المكافات هي حاليا الرقم صفر. واذا كانت المديونية هي الاكثر ملاحظة من قبل صانع القرار الذي يفكر كثيرا بأدوات كمية ورقمية واحصائية، فإن المديونية تخفي في داخلها عناصر أزمة عميقة باتت تضرب الجامعة وهي التي قادت إلى رقم المئة مليون دينار من المديونية. ولعل واحدة من النتائج العضوية لرقم المئة مليون مديونية هو هذا الحراك الاكاديمي العاصف والغاضب الذي يضرب اليرموك منذ سنوات، والذي كان من نتائجه هو هذه القطيعة غير المسبوقة بين الجسم الاكاديمي وبين إدارة الجامعة التي باتت تعيش حالا يشبه الحصار من قبل معظم الجسم الاكاديمي والاداري في الجامعة.
وبالعودة إلى قرارات دولة رئيس الوزراء بالأمس، فهناك رجاء نود أن نضعه بين يدي دولته يتعلق بجامعة اليرموك في خضم هذه التسريبات التي تجري بشكل متواتر عن تغييرات أكاديمية مرتقبة على صعيد رؤساء الجامعات الاردنية إثر عملية متواصلة منذ اسابيع لتقييم عمل رؤساء الجامعات انخرط بها مجلس التعليم العالي واجهزة الدولة المعنية، وإذ تشير هذه التسريبات إلى تفكير في احداث تغييرات في العديد من الجامعات وتحديدا تلك الجامعات التي تعيش أزمات أدارية ومالية واجتماعية.
بداية نود أن نحيي اجهزة الدولة التي انخرطت في عملية التقييم هذه، فهي اجراء مهم يثبت في العقل الاكاديمي الجمعي مبدأ المحاسبة وفكرة الانتاجية. ونتمنى أن نرى نتائج ملموسة وحقيقية لعملية التقييم هذه كما نود أن ننقل بعضا من الواقع بل والهواجس التي يعيشها العاملون تجاه عملية التقييم وما ستسفر عنه من نتائج على صعيد التغيير في موقع رئاسة جامعة اليرموك. فالتجارب السابقة علمت العاملين في جامعة اليرموك، أن كل التغييرات في موقع رئاسة الجامعة – سجلت الجامعة الرقم القياسي في تغيير أسماء الرؤساء- كانت مجرد تغيير في أحرف اسم الرئيس وفي تخصصه الاكاديمي وفي لكنته ورطانته اللغوية، وأما مسارات الادارة ومسالكها ومناهجها، فقد كانت هي ذاتها بل جرى الامعان فيها. فمنذ العشر سنوات تعاقب على رئاسة الجامعة اكثر من أربعة رؤساء ولكن مسارات المديونية والازمة لم تتغير بل وواصلت التسارع بوتائر أضخم وأكبر. لم يشعر العاملون في الجامعة رغم كثرة تغيير الرؤساء انهم يعيشون تغييرات مطلقا، فالنهج واحد كما المسارات الحزينة، كما النتائج البائسة.
ويكمن السبب الرئيس في عدم حصول تغيير في واقع الجامعة رغم كثرة التغييرات في اسم الرئيس ولكنته ولون عينيه، فهو أن المجموعة الادارية التنفيذية التي تتحكم في مفاصل الجامعة بقيت هي نفسها برغم تغير الرؤساء. ولم يعد سرا أن كل مجتمع الجامعة أو معظمه يعرف تلك المجموعة التي تتكون من أربعة أو خمسة اشخاص والتي تتلمذت على يد شخصية نافذة سبق لها أن تحكمت في كل مفاصل الجامعة قبل أن يتم اعفائها من موقعها.
ما يأمله اليرموكيون هو تغيير حقيقي. والتغيير لن يكون حقيقيا إذا كانت الوصفة تقوم على ذهاب الرئيس مع بقاء هذه المجموعة التي تحكمت في مفاصل الجامعة وأوصلتها الى ما وصلت اليها. كما أن التغيير لن يكون تغييرا بل سيكون إمعانا في وصول أزمة الجامعة الى مستويات خطيرة من القطيعة والعدائية إذا كان التغيير يشتمل على مغادرة الرئيس مع الاتيان بواحد من أعضاء هذه المجموعة كرئيس قادم.
فمنذ سنين طويلة يعرف اليرموكيون أن مجموعة سيطرت على مفاصل الجامعة من قبيل كلية الهندسة التي كانت هي بمثابة القاطرة الحقيقية للبحث العلمي في الجامعة، كما كانت الرافعة الرئيسة على الصعيد المالي فيها، كما سيطرت هذه المجموعة على عمادة البحث العلمي التي هي أيضا في موقع القلب في الجامعة على صعيد البحث العلمي وتطوير الخطط الدراسية وعلى الصعيد المالي، كما سيطرت على عدد من المراكز من قبيل الريادة والجودة وغيرها. حال هذه المفاصل كما حال الجامعة، كان قبل سيطرة هذه المجموعة عليها شيء وصار بعدها شيء آخر.
وتقول الحيثيات والوقائع أن عمليات السيطرة على مفاصل الجامعة هذه كانت بغرض تأمين أفضل عمل لادارة المشاريع الدولية التي تم السيطرة عليها من قبل هذه المجموعة. من يحلل علميا مديونية الجامعة سوف يكتشف أن جزءا مهما من اسبابها هو ما جرى بسبب ممارسات هذه المجموعة التي سيطرت على هذه المفاصل داخل الجامعة. وكانت السيطرة على هذه المفاصل هو بهدف تأمين افضل سيطرة على دائرة المشاريع الدولية بحيث بتنا أمام جامعة تعمل في جلها أو معظمها من أجل خدمة دائرة المشاريع الدولية ومن يسيطرون عليها. فالكليات والمراكز وكثير من التعليمات باتت كلها تسير على وقع ما يريده من يسيطرون على دائرة المشاريع الدولية. والحال، فإننا بتنا في اليرموك في جامعة لم تعد دائرة المشاريع الدولية فيها في خدمة الجامعة، بل باتت الجامعة كلها في خدمة من يتولون ادارة المشاريع الدولية.
في ضوء تواتر التسريبات عن تغييرات قريبة في موقع رئيس الجامعة، يأمل اليرموكيون أن يكون التغيير حقيقيا وأن يمس جوهر عمل الجامعة ومسارات العمل والنمو فيها، لا أن يتم أعادة انتاج نفس المسارات. كا يأمل العاملون فيها أن يكون التغيير حقيقيا بما يمس الجوهر والقواعد التحتية في الجامعة، لا أن يكون التغيير مجرد تغيير في اسم ساكن مبنى الرئاسة الجديد. كما يصر العاملون في الجامعة على أن لا يكون التغيير بمثابة أعادة انتاج أو تدوير لنفس المجموعة التي كانت هي السبب الحقيقي في جبال الخراب الذي وصلنا إليها والتي نكون قد ارتكبنا خطأ كبيرا اذا حملنا رؤساء اليرموك المسؤولية عن الفشل دون أن نحمل هذه المجموعة التي استوطنت وتمكنت من صنع القرار في الجامعة خلال السنوات الاخيرة بما هو اكبر من القدر الذي تحمله الرئيس.
لن ينظر إلى تعيين رئيس جديد قادم لليرموك إذا جرى الاتيان بمن كان ركنا رئيسا في ملفات الخراب التي قادت الجامعة لما وصلت اليها. فملفات الخراب يعرفها اليرموكيون جيدا. أو إذا جرى الاتيان بشخص تشتمل سيرته الذاتية على إشغاله عشرة مواقع إدارية تتباين في طبيعة عملها في اقل من عشرة أعوام ومنذ العام الاول لتعيينه في الجامعة، ما يعني أن خبرات هذا الشخص في العمل التدريسي والبحثي هي صفر في مقابل عمله الاداري وحيث العمل الاداري الجامعي هو في جوهر مبني على الخبرة التدريسيية والبحثية.
كي يطمئن اليرموكيون إلى أن الدولة بدأت مسارات التغيير الحقيقي في جامعتهم يجب أن يكون اسم الرئيس القادم مرتبطا بخبرات زمنية طويلة في العمل التدريسي والبحثي والاداري، كما يودون رؤية اسم لم تسجل في حقه حتى اشاعة واحدة تتعلق بفساد كما هو حال بعض من تتردد اسمائهم، كما يودون أن يروا اسما من خارج تلك المجموعة التي سيطرت على صناعة القرار في الجامعة وجيرت كل عملها يما يخدم مصالحها هي وليس مصالح الجامعة، وهي مجموعة جربتها وخبرتها الجامعة على مدى سنين طويلة.