سواليف
أيام قليلة وتحل الذكرى الأولى لوفاة الرئيس المصري محمد مرسي، في ظل ظروف غامضة أثناء محاكمته وبعد حبسه ست سنوات في سجون النظام العسكري الحاكم.
وخلال عام مضى لم تتكشف أي من الحقائق حول ظروف وملابسات وأسباب وفاة الرئيس مرسي المفاجئة يوم 17 حزيران/ يونيو 2019، رغم مطالبة أسرته بالتحقيق في شواهد تثبت قتله.
وتعرض مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، لانتهاكات جسدية ونفسية بعد حبسه ست سنوات على يد سلطات الانقلاب العسكري في زنزانة انفرادية، دون زيارة ذويه أو محاميه، ومنع العلاج والطعام الصحي عنه، ما اعتبرته منظمات حقوقية جرائم أفضت إلى وفاته.
ورغم ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين وبعض جبهات المعارضة المصرية ومنظمات حقوقية من توجهات حول مقاضاة النظام بالجريمة التي اعتبرتها مدبرة للتخلص من الرئيس الشرعي لمصر؛ إلا أنه لم يظهر في الأفق أية بادرة لفتح ملف وفاة مرسي.
“عربي21” تواصلت مع محامي أسرة مرسي بالقاهرة، وعدد من المحامين المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، والسياسيين المهتمين بملف وفاة مرسي، إلا أن جميعهم اعتذروا عن الحديث في القضية، بدون ذكر أسباب.
“لم ترفع قضايا”
ولكن الباحث في منظمة “هيومن رايتس ووتش” عمرو مجدي أكد أنه “لا توجد قضايا ولا محاكمات تخص وفاة مرسي للأسف”.
وأشار بحديثه لـ”عربي21″ إلى أن “المسار القضائي داخل مصر تم تسييسه بشكل شبه كامل، والعدالة غائبة، وخارج البلد هناك بعض المسارات القضائية متاحة لكنها معقدة فنيا؛ ولم أسمع عن محاولات لتفعيلها بواسطة محامين”.
وقال: “على سبيل المثال؛ هناك في ألمانيا والسويد قوانين التقاضي الكوني التي تتيح مقاضاة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية مثل التعذيب حتى لو ارتكبت الجرائم بدول أخرى خارج أوروبا”.
ويرى مجدي أن “هناك تفاصيل عديدة تجعل هذه الآليات معقدة من بينها الحصانة الدبلوماسية للمسؤولين الحاليين؛ وبالتالي يمكن فقط تفعيلها واقعيا ضد المسؤولين السابقين فقط”.
ولفت إلى أن “التحقيق بهذه القضايا يبدأ غالبا بجهود الضحايا والمحامين وليس بجهود سلطات تلك الدول؛ لأنه مع شح الموارد وقلة عدد المحققين المتخصصين بهذا النوع من القضايا لن يعمل المحقق بقضية إلا لو قدم المحامون دفوعا جدية وأدلة ملموسة تشير لإمكانية تحقيق تقدم حال التحقيق”.
وجزم الحقوقي المصري بالمنظمة العالمية بأن “قضية مرسي، لم تغلق لأن قضايا التعذيب والقتل خارج القانون وخلافه لا تسقط بالتقادم ويمكن فتحها أي وقت”.
وحول دور “هيومن رايتس ووتش” بالملف، أكد الباحث الحقوقي بها أنها “معنية بالأساس بالتوثيق ونشر الانتهاكات، وأنه ليس لدينا دور برفع القضايا ولا محامين أو قسم للتقاضي”.
وأضاف أن “هذه مهمة النشطاء والمحامين المتخصصين والمنظمات المعنية بالتقاضي؛ وفقط يمكننا تقديم أدلتنا للمحكمة إذا دعينا لذلك”.
وبشأن وجود سوابق لمحاكمات شبيهة دوليا، قال: “بالطبع يوجد، وهناك محاكمة تجري بألمانيا بدأت منذ أسابيع لاثنين من مجرمي الحرب المحتملين بسوريا، وقبلها تمت عدة محاكمات بالسويد وألمانيا”.
وفي رده على التساؤل: هل وصلتم كـ”هيومن رايتس ووتش”، لشيء يوثق مقتل الرئيس مرسي، خاصة وأن منظمات حقوقية جزمت بأنها مدبرة؟ أوضح أنهم وثقوا “سوء المعاملة، وعزلته الإجبارية على مدار سنوات حبسه، والتعنت في توفير الخدمة الطبية الكافية له”.
وأضاف مجدي أن “هذا كان واضحا في تقرير المقررة الخاصة المعنية بالقتل خارج القضاء في الأمم المتحدة الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019″، مشيرا إلى أن “كل هذه الأدلة كافية جدا لبدء تحقيق مستقل وشامل”.
وأوضح أن “هيومن رايتس ووتش” لم يصدر عنها مصطلح (قتل مرسي)، ولكنها قالت إن “معاملته كانت قاسية وترقى إلى التعذيب وإن التعنت في توفير الرعاية الطبية الكافية له قد تكون ساهمت في وفاته المفاجئة”.
“لن يغلق رغم التحديات”
من جانبه أكد الحقوقي المصري خلف بيومي أن “ملف قتل الدكتور محمد مرسي لم ولن يغلق، ولن تتوقف المطالب بفتح تحقيق دولي نزيه في ملابسات ما تم بحقه منذ إخفائه قسريا بداية تموز/ يوليو 2013، حتى قتله في 17 حزيران/ يونيو 2019”.
مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان جزم بحديثه لـ”عربي21″ أن “الجهود الحقوقية والقانونية والمؤسسات الحقوقية لم تتوقف في كشف الانتهاكات التي تعرض لها الدكتور مرسي، والإهمال الطبي المتعمد والمحاكمات الجائرة”.
وأشار إلى أن كل ذلك وثقه تقرير “رحيل رئيس”، والذي أصدره مركز “الشهاب لحقوق الإنسان” بالتعاون مع مؤسسة “عدالة لحقوق الإنسان”، والذي تم ترجمته لعدة لغات وإرساله لكافة الآليات الدولية كوسيلة من ضمن وسائلنا للكشف عما تم بحق الدكتور مرسي.
وقال الحقوقي المهتم بالملف إن “الأدلة على قتل مرسي، واضحة وجلية؛ ولعل تركه مدة نصف ساعة كاملة بعد سقوطه بقفص الاتهام ليس هو الدليل الوحيد على قتله وإنما الاستغاثات الـ9 التي أطلقها طوال مدة حبسه”.
ولفت أيضا إلى “منع أهله من زيارته، ومنع العلاج عنه بلا مبرر؛ جميعها أدلة على القصد الخاص من النظام بقتل الدكتور مرسي، فضلا عن تقاعس النيابة عن التحقيق بالبلاغات المقدمة من أسرته بهذا الخصوص”.
ويعتقد بيومي أن “التحدي الأول والأخير هو إرادة المجتمع الدولي في فتح تحقيق؛ وهو ما نسعى إليه طوال الفترة السابقة نحن وعدد كبير من المؤسسات الدولية والخبراء والمحامين”.
وحول وجود أية بارقة أمل أكد بيومي أن “العالم كله يتغير بين لحظة وأخرى، والنظم تتقلب أسرع من الليل والنهار؛ وذلك ما يعطينا الأمل في عدم ضياع حق مرسي، وكشف حقيقة ما حدث معه وظروف قتله للعالم، والوصول لكل من ساهم وأمر وسهل الجريمة التي لن تسقط أبدا بالتقادم”.