سواليف
بعد البوكيمون.. تطور تكنولوجي جديد بنهاية هذا العام “الشريحة لا تزال في ذراعي”!
“افتح يا سمسم”، كلمات سحرية ما أن يعلو بها في حزم صوت “علي بابا” في الحدوتة الشهيرة، حتى ينشق باب المغارة الصخري؛ ليغترف ما شاء من كنوزها، وبنهاية عام 2016 لن يحتاج “علي بابا” للذهاب إلى المغارة ولا لأن “يشخط” في الباب “افتح يا سمسم”.
كل ما سيحتاجه أن يهز رسغه الذي يلتف حوله السوار الإلكتروني لتفتح أمامه مغارة الإنترنت وتستعرض كنوزها على ذراعه التي تتحول فوراً إلى شاشة تعمل باللمس، كما تعمل شاشات الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الرقمية.
فقد أعلن فريق عمل Cicret Bracelet في 12 يوليو/تموز الجاري نجاحه في جمع 500 ألف دولار وهو كل ما يلزمهم للبدء في إنتاج السوار الإلكتروني وطرحه للجمهور.
ومن المتوقع طرح السوار في الأسواق بنهاية عام 2016، وهو سوار يبدو كقطعة إكسسوار أنيقة، تأتيك بألوان عدة تختار منها ما يناسبك، وبسعر من المتوقع ألا يتجاوز 300 دولار.
سيمكنك السوار من استخدام الإنترنت بكل تطبيقاتها كما تفعل حالياً باستخدام الهاتف أو الحاسب، إلا أن ذراعك ستحل محل شاشة العرض والتفاعل.
السوار هو التطور الطبيعي لمنتج سبقه هو الساعات الذكية التي طرحتها لأول مرة شركة سامسونغ بالأسواق في عام 2013 وتبعتها الشركات المنافسة؛ حيث ظهرت الساعة الذكية لـ”آبل” في 2014 والتي تميزت عن غيرها بقيامها بمتابعة الحالة الصحية واللياقة البدنية لمستخدميها، بتتبع قياسات النبض، وضغط الدم.. إلخ، مع إمكانية إرسال تلك البيانات إلى طبيبك أو أي جهة صحية تود مشاركة تلك البيانات معها، إلى جانب إتاحة إمكانية تصفح الإنترنت.
لم تلاقِ الساعات الذكية نجاحاً كبيراً، فقد أظهرت الدراسات توقف عدد كبير من المشترين عن استخدامها بعد مدة لم تزد على ستة أشهر، واقتصر استخدام أغلب من داوموا على استخدامها على متابعة وصول رسائل البريد الإلكتروني دون فتحها، وتصفح شبكات التواصل.
فقد صاحب المنتج ظهور تحذيرات من احتمال خرق خصوصية المستخدمين وبيع بياناتهم الشخصية الصحية لشركات التأمين الصحي والتأمين على الحياة وما شابه ذلك، كذلك ظهر بين المستخدمين الراضين عن المنتج ما يطلق عليه Phantom Device Effect ، ويقصد به قيام المستخدم بالنظر المتكرر إلى رسغه بحثاً عن الساعة، وما تعرضه من بيانات، رغم أنه ربما لا يرتديها، ويحدث ذلك لا إرادياً نتيجة لإسرافه في مطالعتها بطريقة مرضية مبالغ فيها.
وقد حذر الدكتور كارل سيدتروم، الأستاذ بجامعة استوكهولم، وأندريه سبيسر، أستاذ العلوم السلوكية بجامعة سيتي، في دراسة مشتركة، من أن هوس الإنسان بمتابعة نفسه وتفاصيل ما يجري في جسده لهذه الدرجة يزيد من ميوله النرجسية؛ حيث يصبح منشغلاً بذاته طوال الوقت عما يجري حوله.
كما أن الاهتمام المحموم بمتابعة الحالة الصحية والسعي الدائم للوصول إلى الكمال تسبب في نتائج عكسية كانت سبباً في اكتئاب المستخدمين وتوترهم.
وفي عبارة حكيمة جاءت في الدراسة يقول الدكتور كارل إن تتبع كل تلك البيانات يجب أن يكون في أوقات بعينها عندما يوجد مبرر للمتابعة كأن يعاني الإنسان من وعكة أو ما شابه، لا أن يتم تتبعها طوال الوقت وبهذه الكثافة.
تضافرت العوامل السابقة جميعها إلى جانب مساحة شاشة الساعة المحدودة وطريقة ارتداء الساعة التي حالت دون استخدامها كهاتف أو كاميرا رغم توافر تلك الإمكانيات بها فحولتها إلى أداة “اطلاع” أكثر منها أداة تفاعل، مما تسبب في عدم تحقيقها النجاح المتوقع.
يأتي السوار الإلكتروني مدشناً بداية حقبة تكنولوجية جديدة يتماهى فيها جسم الإنسان مع الآلة ليكملها، فباستخدامه ذراع المستخدم كشاشة عرض وتفاعل بمساحة معقولة، يتلافى الكثير من العيوب التي أفشلت الساعات الذكية.
يعيد السوار الإلكتروني إلى الأذهان الكثير من أفلام وروايات الخيال العلمي القديمة التي تناولت فكرة زرع شرائح تحكم في جسد الإنسان يتم من خلالها برمجته وتوجيهه، ومن التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا يبدو أن ذلك اليوم أصبح أقرب مما نتصور!
فقد اجتاحت حمى لعبة البوكيمون العالم الأسبوع الماضي وهي لعبة دمجت الخيال بالواقع، واستطاعت أن تتحكم في سلوك مستخدميها وتحركهم من أماكنهم لتأخذهم إلى أماكن أخرى وفق هواها ليطاردوا البوكيمون متسببين في حوادث وكوارث أحياناً!
وإن كنا قد قرأنا وشاهدنا بعضَ ما تسببت به لعبة البوكيمون في نيويورك وغيرها من المدن الأميركية، التي تختلف عنا تماماً ثقافة وعلماً، فما ستشهده مدننا العربية سيكون نوعية أخرى من المشاكل والكوارث.
ولا أستطيع أن أمنع نفسي من تخيل مشهد تصادم اثنين أحدهما يجري وراء البوكيمون والآخر يجري وراء أكل عيشه في صباح مزدحم مشحون من صباحات القاهرة!
ما زلنا نملك حرية غلق الهاتف أو الانعزال عن التكنولوجيا من وقت لآخر، لكن يبدو أنه قريباً جداً ستحتل التكنولوجيا جسد الإنسان ربما بما يستحيل معه الانفصال عنها، استيلاء على الجسد بعد أن استولت على الروح!
وسننساق جميعاً ونتنافس على شراء أحدث ما يبرمجنا ويجردنا من حريتنا ويجعل حياتنا بكل تفاصيلها مستباحة لشركات التكنولوجيا لتتكسب منها بشتى الطرق، بين بيع البيانات التي تكشف طباع وعادات الجماهير للشركات المعنية، إلى ما لا يخطر على بال من ممارسات تجارية.
فقد أدهشني مؤخراً قيام شركات البرامج المتخصصة في حجب الإعلانات بتقديم خدمة عرض الإعلانات استثنائياً للمعلنين إذا دفعوا لها مقابل ذلك!
في خيانة للمستخدم الذي اشترى البرنامج لحجب الإعلانات، وفي بلطجة صريحة على المعلنين الذين يتوجب عليهم الآن دفع تكاليف الإعلان ثم دفع المزيد لشركات حجب الإعلانات التي نصبت نفسها وصية على المستخدمين!
أموال طائلة تتدفق على أصحاب الشركات التجارية والتقنية وكلها تعتمد على عدد ساعات تسمرك أمام الشاشة، حيث تتم دراسة سلوكك وتحليل طباعك وعاداتك والتلاعب بمشاعرك، والسيطرة على حالتك النفسية، واستخدام كل معلومة عنك لصالح المعلنين.
كل تطوير هدفه الأساسي ضمان تعلقك بالبرامج وتطوير ما يتم جمعه من بيانات وجعلها أكثر دقة، وقد كان آخرها رموز التفاعل المتعددة التي ظهرت تحت منشورات الفيسبوك منذ عدة أشهر لتحل محل الاختيار الأوحد السابق وهو “الإعجاب”، فما هي إلا أدوات ووسائل تحليل سريعة لمعرفة ما الذي يبهجك ويحزنك ويضحكك واستخدام ذلك في التحكم في رغبتك الشرائية وتطبيق كل ما في جعبة علم التسويق والبيع عليك وربما ما هو أبعد من ذلك لو تبنينا نظرية المؤامرة.
وعلى خط موازٍ تشهد صناعة الروبوتات تطورات فريدة وتطبيقات لم تخطر على بال، فلم يعد استخدامها مقتصراً على المجالات العملية المختلفة في الحياة بل بدأت تخترق عالم الفن والإبداع.
فقد قام المبرمج “روس غودوين” بالتعاون مع صانع الأفلام “أوسكار شارب” بتصميم أول روبوت سمّوه “جيتسون”، ويعمل جيتسون “كمؤلف” لقصص الخيال العلمي؛ حيث تمت تغذيته بآلاف من روايات الخيال العلمي ونصوص الأفلام؛ ليقوم بتأليف قصص جديدة، ومن الجدير بالذكر أن “جيتسون” الروبوت قد قرر أن يغير اسمه إلى “بنيامين” وطالب الآخرين بمناداته بالاسم الجديد! في تمرد يذكرنا مرة أخرى بقصص وأفلام تنبأت بتمرد الإنسان الآلي على صانعه!
انتهى بنيامين من تأليف أول أفلامه Sunspring وهو فيلم قصير مدته 9 دقائق، وقد قام فريق من الممثلين بتمثيله كما كتبه، وبلا أي تعديل ليكون بذلك أول فيلم خيال علمي يكتبه إنسان آلي.
كاتبة هذه السطور متخصصة في التكنولوجيا ومبرمجة سابقة وتهوى الكتابة، ويخطر في بالها الآن عبارة شهيرة من مشهد شهير في مسلسل “المال والبنون”: “عباس الضو قال لأ”!
لا لكل ما يتحكم في الإنسان ويتلاعب بمشاعره ويسلبه إرادته الحرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وحتى نتحرر من أسر المنتجين والمعلنين وتلاعبهم بنا سنكون كما قال “ديف رمزي” الخبير المالي ومقدم البرامج التليفزيونية الشهير: “نرهق أنفسنا في كسب الكثير من المال؛ لنقتني سلعاً لا نحتاجها، لنبهر بها من لا نحبهم!”.