د. #هاشم_غرايبه
من الطبيعي أن يكون صاحب القرار مسؤولا عن قراره، إن أصاب يحمد، وإن أخطأ يلام، ويكتفى باللوم وإعفائه من منصبه إن كان خطؤه بسبب ظروف قاهرة لا قدرة له على ردها، أما ان كان خطؤه مقصودا، أي أنه اتخذه بناء على مصلحته وليس المصلحة العامة، أو كان استجابة لاملاءات خارجية، فيجب محاسبته لأن ذلك خيانة لواجبه واجبه الأول وهو العمل لما فيه المصلحة العامة.
لذلك، فتساؤل البعض عمن يتحمل المسؤولية عن الدمار والقتل والتشريد الذي أحاق بالقطاع وبالجنوب اللبناني، هو تساؤل مشروع ان كان بريئا، أم إن كان مغرضا بهدف التشكيك في جدوى التصدي للعدو وتبرير أفعال الأنظمة المطبعة، فهو ذنب سيتحمل المتسائل أو الموافق له وزره يوم القيامة، لأنه مخالفة شرعية جلية لأمر الجهاد الذي فرضه الله على كل مسلم ان احتلت بقعة من ديار المسلمين، ولأمره تعالى بنصرة إخوانه المسلمين ان استنصروه لدفع باغٍ عليهم، مثلما هو نكوص عن واجبه الوطني تجاه أمته.
وعليه سأجيب المتسائل البريء وليس المغرض، الذي هو خارج عن الملة ولا يستحق الرد.
القرار بهجوم السابع من تشرين، اتخذته قيادة المقاومة الإسلامية في القطاع، ولما أن أولئك القادة مختفون عن الأنظار، كونهم ملاحقين مترصدين من قوى الشيطان الأكبر، وأعوانه (الكيان اللقيط والغرب)، وأتباعه (أنظمة التنسيق الأمني العربية)،وليسوا مثل قادة الأنظمة العربية الذين يرفلون بالأمان والثروات والقصور، لذلك لا يمكن أن يحقق ذلك القرار اية مصلحة شخصية لهؤلاء القادة، بل ستتحقق بلا شك، وسينالون الأعطيات والامتيازات فيما لو كان قرارهم بالرضوخ والانصياع كما فعل المطبعون، بدليل حالة الثراء والمنافع التي أغدقت على سلطة أوسلو بعد المنافي.
إذاً ينحصر البحث في مدى صواب القرار ونفعه من ضرره.
لو استعرضنا بموضوعية الحالة التي كانت قائمة قبل يوم السابع من تشرين، كان الوضع العام في القطاع في حالة سيئة بسبب الحصار المحكم من قبل النظام المصري، بهدف أن لا يجد الغزاوي لقمة عيشه إلا بالعمل لدى العدو بأعمال انشاءات لتوسيع المستوطنات، آملين ان تدفع تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية سكان القطاح للنقمة وتحميل موقف المقاومين الرافض للاحتلال المسئولية عن سوء الأوضاع، فيرفضون سلطتهم، ويطالبون ببسط سلطة أوسلو على القطاع.
وبما أن المقاومة هي بنت القطاع وليست مستوردة، والفكر الذي تنتهجه هو الإسلام الذي هو العقيدة التي يؤمن بها 95 % من الأمة، بل ويزداد المقهورون المظلومون إيمانا بها يوما بعد يوم، مع تزايد البراهين على فشل الأنظمة العربية التي تنتهج الفكر النقيض (العلمانية)، مقابل ازدياد القناعة بأن اتباع منهج الله سيحقق النصر والخلاص، مهما كانت قوى البغي والعدوان متفوقة.
كل هذه الظروف أعطت لقادة المقاومة حوافز معززة لقرارهم، ووفرت غطاء شعبيا بتقبل التضحيات الجسيمة المتوقعة، لمعرفتهم بغطرسة العدو وعدم تقبله للهزيمة التي تعني التفاوض للإفراج عن الرهائن مقابل المعتقلين بسهولة.
ومع مرور سنة على المعاناة البالغة القسوة لسكان القطاع جميعا، فلم نسمع صوتا واحدا يلوم المقاومين على قرارهم، بل هنالك شعور عام بمباركته، كونه حقق أخيرا الشعور بالعزة والكرامة، لتمرغ أنف العدو المتجبر بالأوحال وتكبيده الخسارة الفادحة، مما أعطاهم أملا جديدا بالتحرر.
إذا فقد كان القرار على المستوى المحلي صائبا، بل ومحموداً.
على مستوى الأمة، كل الأمة باركته، بل واحتفلت به كانتصار لإرادتها وصدى لآمالها، فهو أعاد العزة والكرامة لشعوب اعتادت من أنظمتها الانسحاب من مواجهة العدو.
من كانوا ضده ووقع عليهم وقوع الصاعقة هم أنظمة الانبطاح، التي رضخت لاملاءات العدو وتنازلت عن أرض الأمة مقابل احتفاظها بكراسيها، إذ كشف عيبهم وفضح تخاذلهم، لذلك رأيناهم يشجعون العدو، بل ويطالبونه سراً بعدم التوقف قبل القضاء على المجاهدين كلياً.
نستخلص ان قرار الهجوم كان استجابة للحكم الشرعي والذي هو فوق كل مصلحة، مثلما كان القرار بمعركة مؤتة رغم أن احتمالية النصر معدومة، وهو صائب من الناحية الوطنية ومصلحة الأمة.
لذلك فمن يشكككون في صوابيته ليسوا بريئي الغرض، بعضهم من الانتهازيين المؤيدين للأنظمة طمعا بأعطياتها، وآخرون من متبعي التيارات السياسية العلمانية، وهؤلاء لا يحبون أن يحمد أسلاميون ينافسونهم، خاصة وأن الطوفان أثبت أن المناضل الحقيقي هو الجهادي.