انتخبوا مرشحكم الفريد الاستاذ فريد

#انتخبوا_مرشحكم_الفريد الاستاذ فريد

د. #عبدالله_البركات

تمتلئ جيوبه بالدواحل . ثائر الرأس مفتوح ازرار القميص بل مقطوعها.في بنطلونه بعض خروق مرقوعة وبعض بلا رقع.طويل الاظافر يتحدى ما يقوله الاطباء عن تسببها بنقل الامراض فهو بصحة جيدة . يلبس في قدميه شبشب رق عند الكعب حتى انفتق . وانقطعت مستديرة الامراس فغرز بما بقي من عنقها ابرة لتقوم بجمعها مع النعل فضاقت الامراس على قدميه . يرشف ريقه السخي بقوة ولا يحذر تأفف الصحاب. يتحزم بخيط مصيص مبتهجا كأنه الحزام الاسود في لعبة الكراتيه. كان العلامة الفارقة في كل ساحة لعب للدواحل. عليك ان تلعب معه شئت او ابيت وسوف يربح منك على الاغلب , وان خانه الحظ مرة فلن تخونه مهارته في خطف الدواحل والجري بسرعة النعامة. ويبدو ان الاولاد قد سلموا له بحقه في الخطف فاذا لم يلحقوه على الفور فلن يجددوا المطالبة بحقوقهم ان وجدوه في يوم اخر او ساحة اخرى.
لم يكن “فريد” ,وهذا هو اسمه , قد دخل المدرسة فترات طويلة على الاغلب. او لربما قد درس الصفوف الاولى على اكثر تقدير. ذلك انه كان يكرر اثناء لعبه بالدواحل بعض الاناشيد التي تدرس في هذه الصفوف. كان يجلس على سور المدرسة ينتظر انصراف الاولاد ليلعب معهم الدواحل. وفي المساء كان يخرج مع شلة من الاشقياء للبحث عن الذهب او لأغراض اخرى. المهم انه كان يختفي ليلا ويظهر نهارا. بقي الامر هكذا الى ان كان يوم. ماتت ام فريد . كانت كل ما يربطه بالبلدة بالاضافة الى شركاء الدواحل وشلة الاشقياء. على المقبرة وقف فريد يتقبل العزاء من القلة التي شيعت والدته. في اليوم التالي لم يظهر فريد ولم يرى في ساحات لعب الدواحل. ولم يكن حتى في بيته كما افاد بعض اصحابه الذين ذهبوا لتعزيته. لم يظهر كذلك في اليوم الثاني ولا في الاسبوع الثاني ولا في الشهر الثاني . لقد اختفى فريد منذ يوم الدفن.
مرت عشر سنين على البلدة التي تطورت وكثر سكانها وتنظمت شوارعها واصبح بها مدرسة ثانوية ومحال تجارية ومركز صحي . وفي احد الايام بينما كان اولاد البلدة يلعبون الدواحل في احد الساحات توقفت سيارة سوداء فخمة امامهم. نزل منها شاب انيق يرتدي بدلة سوداء واخذ يرقب الاطفال وهو غارق في تأملاته. ثم قال ” مين فيكو بعرف حمد؟” رد الاولاد “حمد لقطم” قال ” ايوه” في هذه الاثناء جاء عدد من المارة وتجمعوا حول السيارة وصاحبها. قال احدهم شو بده الاستاذ ؟ رد الاولاد ” بده حمد لقطم”. انطلق احد الاولاد جريا الى دار حمد لقطم وخلال دقائق عاد ومعه الشخص المطلوب. ما ان رأى حمد الاستاذ حتى هجم عليه يقبله ويقول ” اه والله يا الله عرفتك يا فريد . منين لك هل الخلقه يابو سن وفلقه. ههههه” لكن فريد نهره وقال له “تكلم بأدب يا حمد”. ادرك الباقون والذين تزايد عددهم مع مرور الوقت ان الواقف أمامهم هو فريد بلحمه وشحمه. ولكنهم تعلموا من رده على حمد التحفظ في الحديث معه. قال أحدهم “أهلا وسهلا استاذ فريد. الحمد لله على السلامة.” قال فريد ” مين مختار البلد؟” رد المختار ” اني يا استاذ فريد”. منذ تلك اللحظة لم يخاطبه أحد بغير “الاستاذ فريد”. قال المختار ” أمرني”. قال فريد ” بدي اشتري بيت بالقرية. دور لي على احسن بيت بالسعر اللي بده اياه صاحبه المصاري مش مهمة عندي”. عندما عاد فريد الى القرية في اليوم التالي وجد المختار بانتظاره. ” البيت جاهز يا استاذ فريد”.
خلال الاسابيع التالية قام معظم اهل البلدة بدعوة الاستاذ فريد للغداء و الذي اعلن خلال هذه المناسبات نيته للترشح للبرلمان اذا وجد الدعم الكافي من قريته وباقي القرى المجاورة. وقد رحب الاكثرية بهذه الخطوة المباركة , واعلنوا عن تأييدهم لابن بلدهم السخي. القليلون هم الذين تهامسوا حول مدة غيابه وكيف حصل على هذه الثروة . بضعهم حلف يمينا انه شاهد فريد في الجفور يشحد وبعضهم زعم انه كان يشتغل في الشعوذة والحجب واخرون قالوا ان سرق بنك وغيرهم اكد انه “لقى لقية”. كل ذلك همسا ولم يجرؤ احد على الجهر به.
في السنة التالية تقدم الاستاذ فريد لانتخابات مجلس النواب وشكل لجنة لدعمه ضمت مثقفين عدة منهم الطبيب والمحامي وأستاذ الجامعة وكانت برئاسة المختار والذي كلف احد اعضاء اللجنة المرموقين بشراء الأصوات. جرت الانتخابات بكل نزاهة وفاز الاستاذ فريد فوزا ساحقا ممثلا لقريته وللقرى المحيطة . شيء واحد لم يتغير في فريد رغم كل هذه الاحداث. اختفاؤه في الليل.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى