الهبوط على كومة من الحجارة والهبوط على كرسي وثير. . !

#الهبوط على #كومة من #الحجارة و #الهبوط على #كرسي_وثير. . !
#موسى_العدوان

في أوائل عقد الثمانينات الماضي، كنت قائدا للقوات الخاصة في القوات المسلحة الأردنية. وطَلَبَتْ مني القيادة العامة، تدريب أفراد لواء الحرس الملكي، على القفز بالمظلات. كانت الغاية من هذا التدريب زيادة اللياقة البدنية، وتعزيز الثقة بالنفس، وغرس الإقْدام لدى المتدربين.

فوضعت برنامجا تدريبيا يحقق تلك الغاية، ابتداء من صيف عام 1982. كان القفز تم بمظلات ( T 10 ) من خلال طائرة ( 130)، حيث تقلع من مطار ماركا العسكري، وتُسقط حمولتها من المتدربين بالمظلات، فوق منطقة الإنزال في منطقة الطنيب إلى الجنوب من عمان، ومن ارتفاعات تتراوح بين 800 – 1000 متر.

في صباح أحد أيام شهر تموز في ذلك العام، كان الطقس قائظا والريح ساكنة بلا أي نسمة هواء، فتوجهت إلى مطار ماركا لأتابع عملية قفز المتدربين الجدد صغار السن. وهناك قررت أن أشاركهم القفز وأن أكون في مقدمتهم، تشجيعا لهم في ممارسة هذا النشاط العسكري الميداني. فارتديت مظلة القفز الرئيسية على الظهر ومظلة الاحتياط على الصدر، وصعدت إلى الطائرة التي كانت تُقلّ 40 جنديا متدربا مستعدون للقفز، وأخذت مكاني في المقدمة.

مقالات ذات صلة

أقلعت الطائرة بحمولتها متجهة نحو منطقة الإنزال المحددة، والتي لا يستغرق الوصول إليها أكثر من 30 دقيقة طيران. وقبل الوصول بمسافة قصيرة، أعطاني مسؤول القفز ( Jump Master) شارة الاستعداد، والوقوف على باب الطائرة تمهيدا لعملية القفز. أخذت الطائرة تدور بصورة دائرية محلّقة فوق المنطقة، كي تأخذ مدخلها المناسب إلى منطقة الإنزال ( D Z ).

بعد لحظات أعطاني المقفّز شارة القفز، فقفزت من الطائرة وانفتحت المظلة الرئيسية، لأصبح معلّقا في الهواء ومنفصلا عن الطائرة. نظرت فوقي فلم أجد أحدا من القافزين يتبعني، ثم نظرت تحتي إلى الأرض، فشاهدت منازل سكان القرية، وعرفت عندها بأن المقفّز قد أخطأ في إعطائي شارة القفز، بعيدا عن منطقة الإنزال المحددة. وتوقعت أنني سأهبط فوق المنازل، بما فيها من أعمدة وأسلاك كهربائية وعوائق أخرى.

هنا أصبحت مشكلتي الحرجة، كيف يمكن أن أتجنب هذا الهبوط الخطر فوق الأعمدة والعوائق الأخرى؟ فأخذت أحرك ساقي وأسحب حبال المظلة من الجهة المعاكسة لاتجاه الريح المفترض، لعلّه يدفع المظلة بي بعيدا عن الخطر. ولأن الهواء كان ساكنا في صباح ذلك اليوم، لم تستجب المظلة لعملية سحب الحبال، بل أخذت تُطْبقُ على بعضها، فتزداد سرعتي في الهبوط، الأمر الذي سيزيد من قوة ارتطامي بالأرض.

ورغم محاولاتي المتكررة للابتعاد عن المنازل، إلاّ أنها كانت كمحاولة المستجير من الرمضاء بالنار، إذ سقطْتُ بقوة على كومة حجارة كبيرة، كانت مكدّسة قريبا من تلك المنازل. فهرع إليّ عدد من الضباط والجنود الذين كانوا قريبين من الموقع، ليتأكدوا من سلامتي. ولكنني نهضت سريعا وطمأنتهم بأنني بخير، رغم الألم الذي كنت أشعر به.

راجعت الطبيب في اليوم التالي، وبعد الفحص تبين أن لا كسور في عظامي، بل بعض الرضوض في جمسي، فوصف لي الطبيب بعض المسكنات لتخفيف الألم. إلا ّ أنني أمضيت ما يقارب ثلاثة أشهر، لا أستطيع خلالها الجلوس على كرسي السيارة إلاّ بصعوبة. وتسبب لي ذلك الهبوط الخشن، دسكا في العمود الفقري، اضطرني لإجراء عملية جراحية في وقت لاحق.

وحين تأملت بما يجري حولي من هبو ط لبعض المحظيين، على الوزارات والوظائف العليا في هذه الأيام، تساءلت : لماذا أهبط أنا بالمظلة على كومة حجارة مؤلمة ترسلني إلى الطبيب، بينما يهبط غيري بمظلة مفترضة، على كرسي الوظيفة الوثير بسلام ؟ فكان جواب الخبراء : أن الهابطين على كرسي الوظيفة دون عناء، إنما يستخدمون مظلة خاصة، باركتها ونسجتْ خيوطها أنامل حاجّة تقيّة ورعة . . !

التاريخ : 7 / 12 / 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى