
الموت بين فجع المغامرة وترف المقامرة!
نورس قطيش
هزّت فاجعة البحر الميت الأبدان، وأدمت القلوب، ولا يسعني القول إلّا ما يرضي الله؛ إنّا لله وإنا إليه راجعون، وألهم الله ذوي الأطفال الصبر والسلوان.
أتابع عن كثب كحال الملكومين جميعاً أخبار الفاجعة، والقلوب ترقب كلّ عاجل على التلفاز، نأمله بشارة خير لا غير. رواية معلّمة الرياضة في المدرسة الأستاذة مجد الشراري قطعت قول كل خطيب، لكن هذا لا يعفي كلّ من يقصّر ويعرّض حياة الآخرين للموت.
دخلت الأردن مؤخراً رياضة المغامرة من أوسع الأبواب، ولاقت رواجاً شعبياً ملحوظاً، إضافة لسباق تجاريّ جشع من بعض فرق المغامرة غير المدرّبة والمسؤولة بتنظيم رحلات دون أدنى رقابة من الجهات المسؤولة والتأكد من جاهزيتها بالكوادر المحترفة وتوفيرها لمعدّات الأمن والسلامة؛ وهنا مُيّعت المغامرة كمفهوم بين الرياضة والسياحة، ناهيك عن عدم اكتراث الجهات المعنيّة بتلك الرياضة.
أعود للفاجعة وأسبابها؛ السبب الرئيس لحدوث الفاجعة هو التوقيت ثم التوقيت ثم التوقيت، وبحكم خوضي في مجال المغامرة، فمتابعة حالة الطقس والتنبؤ بالأجواء من أهمّ الركائز قبل بدء المغامرة، والمنطقة معروفة لدى أهل المغامرة بطبيعتها في فصل الشتاء نتيجة انحدارها وعلوّ الجبال من حولها، مما يشكّل جريان قوّي وعالي وسريع للمياه في حالة المطر، دون الاضطرار لتحليلات غير حقيقية كفتح بوّابات سد زرقاء ماعين؛ إن كان للسدّ بوّابات!
وادي زرقاء ماعين كحال الكثير من الأودية المجاورة له والتي تصبّ في البحر الميّت يرتادها المغامرون من الأردن وخارجها، لكن من تجوّل فيها وغيرها من الأودية وأماكن المغامرة يعلم بأن الجهات الحكومية لا تلقي بالاً لتلك المعالم التي تدرّ دخلاً غير مباشر للأردن.
رياضة المغامرة تزدهر في الأردن بفضل نشطاء الرياضة دون مقابل، والكثير ممن أعرفهم يتطوّع لتجهيز بعض الأماكن الخطرة في الأودية من تثبيت المرابط ووضع الإشارات وغيرها، والحكومة هنا في سبات عميق.
هذا لا يعفي كل من يعرّض حياة المواطنين للموت والخطر، فالجهات الحكوميّة المسؤولة لا تكترث للمصائب السابقة، وفي كلّ شتاء يغرق الكثير في دمع السماء، فمنطقة غور الأردن من العدسيّة الشمالية حتّى البحر الميّت تتعرض للمأساة المتكررة كلّ شتاء، من فيضان الجبال وطوفان الطمي والأتربة، لتغرق البلاد في الوحل. ففي نفس توقيت الفاجعة، يذكرني الفيسبوك بذكريات المأساة التي تعرّض لها الأهل في الأغوار الشماليّة السنة السابقة، وغيرها الكثير ممّا يتكرر في كلّ شتاء منذ سنوات سابقة.
ليس من العدل تحميل جلّ المشاكل لحكومة واحدة، فما يحصل الآن نتيجة ترحيل الأزمات، وتعاقب المشاكل دون الاكتراث لها والسعي لحلّها.
فصل الشتاء يمرّ على الأردنيون وإيديهم على قلوبهم، فلا جاهزية ولا استعداد لاستقبال أمطار الخير التي أصبحت بفساد المتنعمين أمطار موت وعذاب!