المعلم و دولاب الهمستر
سعيد ذياب سليم
الهمستر حيوان صغير من القوارض ليس بفأر و لكنه يسمى” جرذ الهمستر ” و ليس بأرنب، اعتاد البعض تربيته في قفص مزوّد بدولاب صغير يدرّب على الدوران فيه وذلك بحشره في الدولاب أولا ثم إغرائه ببعض الحبوب التي يحبها حتى يعتاد الركض في هذا الدولاب، فإذا جاع رأيته يركض في موضعه بهمة ونشاط ركضا لا يوصله إلى أي مكان ، ربما يدفعه الملل لفعل ذلك ليخرج من ضيق قفصه إلى سعة الخيال، فمن يستطيع الحديث بلغة الهمستر حتى نعرف حقيقة ما يقوم به ؟ أم نتركه في وضعه الجميل هذا مسليا دافعا للكآبة فلسنا بحاجة للحديث معه؟
و المعلم هو الشخص الذي اتخذ التعليم مهنة الشقاء مهنته ، وهو مصدر المعلومة و محللها و مقدمها ، واضعا فيها جزء من روحه و إنسانيته الشيء الذي لا تستطيع الحواسيب أن تفعله، وهو منظم الوقت و صانع القرارات و المرشد الروحي و العاطفي و الإنساني، فهو الأب إذا غاب الأب و الأم إذا غابت الأم ، و هو الطبيب النفسي الذي يبادر بالعلاج حال اصطدامه بحالة تلميذه النفسية إذا أهملتها الأسرة محاولا نزع فتيل الانفجار، يعامل الطفل برقة و الفتى بحزم و الشاب بحكمة ولا يتردد في أن يلبس قبعة المهرج إن أسعد ذلك تلاميذه.
يقف في ظل سارية العلم موعزا و هاتفا هو وتلاميذه بالنشيد الوطني زارعا الحب و الإنتماء و الوفاء ، حاملا رسالة الأنبياء، يركض في الملعب مع أبنائه راعيا و موجها راسما لهم درب البطولة، يتجول بهم في زوايا الوطن و التاريخ لافتا أنظارهم لكنوز جضارتنا زارعا حب الأرض في قلوبهم.
معلمنا هذا يعيش في الركن المظلم من الشارع تمر به الأيام و الأشهر و المواسم تاركة آثار خطوها على محياه، مستقبلا جيلا و مودعا آخر بانيا للوطن و الإنسان، مستشعرا سعادة الآخرين فرحا بنجاحهم.
ما أشبهه بالهمستر الذي يدور و يدور ولا يغادر مكانه ، يمر به الآخرون أطفالا ثم يلتقي بهم قضاة و أطباء و مهندسين يزهو بهم ثم يعود لدفتر التحضير لابسا نظارته باحثا عن الكلمات المتماوجة فوق الأسطر، يسرح قليلا عادّا دنانيره القليلة، فإبنته الصغيرة تطلب دفترا و ابنه يطلب مصروف جامعته و زوجته ما زالت تنتظر فستان المخمل الأزرق الذي وعد.
هل اختلفت المفاهيم و أصبح لها معان جديدة ! تعالوا إذن نضع قاموسا جديدا نعّرف فيه الحرية و الديموقراطية و اللوصوصية ونرسم فيه الحدود و الحقوق و الواجبات حتى لا تختلط علينا الأمور كما يحاول البعض أن يفعل ولو بحسن نية!
البعض يستخدم أقلامه لتشريح شخصية المعلم دون ” بنج ” ليس كما يفعل الجراح بجسد مريضه و لكن كما يفعل السفاح بجسد ضحيته ، رفقا بهم حملة الرسالة من أبناء وطني فلم يعد الموضوع بضع دنانير و لكن بعض كرامة.