المحاصصة بدلا من المواطنة
ماهر أبو طير
أغلب الدول العربية، كرست المحاصصة، بشكل معلن، او سري، وهذه المحاصصة جاءت بديلة عن المواطنة، ونرى هذه الأيام كيف ان مبدأ المحاصصة ينحر دولا عربية ؟.
لماذا كرس النظام الرسمي العربي، المحاصصة، بدلا من بناء دولة المواطنة، وهذا السؤال الذي يتهرب الكل من الإجابة عليه، او يبيعون جوابا غير مقنع عبر الكلام عن الترضيات التي لا مفر منها في كل بلد، اثبتت الأيام، انه كان مجرد وصفة لتدمير بنى هذه الدول، لاحقا ؟.
في لبنان، خرج اللبنانيون بعد عشرات السنين من المحاصصة وتوزيع المواقع على أساس ديني وطائفي ومذهبي، ليعلنوا انهم يريدون طريقة أخرى في صناعة حكوماتهم، وبرلمانهم، بعد ان أدت هذه التقسيمات إلى تناحر المكونات، وتحولها إلى جزر داخل كل بلد، لكل جزيرة زعيمها، وجماعته، وسلاحه، واستثماراته، وحصته في الحكومة والبرلمان، والامر يمتد إلى القصة في العراق، الذي برغم تكوينه الداخلي، الا انه لم يعرف المحاصصة الا بعد العام 2003 وعلى يد الاميركيين، وبحيث جاءت المحاصصة بمثابة تكريس للانقسام الداخلي، فالرئيس محدد عرقه مسبقا، بحيث يكون كرديا، ورئيس الحكومة يجب ان يكون شيعيا، ورئيس البرلمان من الطائفة السنية، لكن الناس الذين انجروا وراء هذه الوصفات، اكتشفوا لاحقا، انها تقسيمات أدت إلى خراب البلد، واشعال النيران بين مكوناته، فخرج العراقيون بطريقة جديدة، وبحيث انقلب كل مكون على ممثليه مطالبا بطريقة مختلفة في صياغة الحياة في العراق، وشكل وإدارة المؤسسات.
قصة المحاصصة، خطيرة جدا، سواء تمت صياغتها عبر الدساتير، او القوانين، او التفاهمات، والازمة الأكبر تكمن في إصرار النظام الرسمي العربي، على تشظية البنية الداخلية، عبر المحاصصة، او وضع حدود بين المكونات الاجتماعية من اجل اثارة التنافس والحذر والشك والطمع بينها، بدلا من الانصهار في فكرة المواطنة والكفاءة، واستحقاقهما، وهذا يؤدي فعليا إلى بذر بذور الصراعات، التي ستنفجر لاحقا عند اول ازمة، ويكفينا حديث العرب والامازيغ في عدة دول عربية مغاربية، والصراعات التي تطل برأسها، وتوطئ لما هو اخطر، في تواقيت صعبة ستنهار معها، كل البنية الداخلية.
غابت العدالة، واختفت المساواة، واستثمر الرسميون في فرقة الناس، واثارة مخاوفهم من بعضهم البعض، من اجل ان يستمر النظام الحاكم، وحين تقع الفأس في الرأس وتحدث حروب او أزمات او انقلابات، تخرج كل التناقضات على السطح، وهي تناقضات تم الاستثمار فيها، والتحكم فيها لغايات محددة، وحين تخرج لا نجد سوى حلين، إما التقسيم والمحاصصة، من اجل ترضية الكل، او سيناريو الحرب الداخلية بين هذه المكونات، بما يؤدي إلى نتائج كارثية على مستويات مختلفة.
خذوا مثلا المثل الليبي، فأحد أوجه الصراع، ليس دينيا ولا طائفيا ولا مذهبيا، بل تقسيم من نوع آخر، شرق ليبيا وغرب ليبيا، ثم انقسام قبلي، وتحالفات مختلفة، وكأنك امام فاتورة العهد البائد الذي لم يصنع دولة مواطنة، بل بذر بذور المشهد الحالي، فوق ما في ليبيا من صراعات إقليمية ودولية توظف كل ما سبق، ولاجل ذلك لن يكون هناك حلول سوى الإقرار بالتقسيمات والوصول إلى وصفة المحاصصة، او استمرار المواجهة الداخلية بين مكونات الليبيين تحت عناوين بديلة تخفي العنوان الأساس.
منذ استقلال اغلب الدول العربية، حتى يومنا هذا، لم يسع نظام رسمي عربي واحد، الا ما ندر من اجل بناء دولة مواطنة، فالمحاصصة في كل شيء، سواء قيلت علنا، او كانت لغة سرية يفهمها الكثيرون، وبهذا المعنى يأتي السؤال حول المستقبل الذي ينتظر العالم العربي، في ظل الفساد والفقر، وغياب العدالة، وشيوع الجريمة، والكراهية، فوق الاستثمار في التقسيمات الداخلية، وتكريسها عبر المحاصصة، التي قد تكون وصفة في حالات السلم، لكنها سرعان ما تنهار في حالات الازمات، وتكشف عن وجهها القبيح.
على خريطة الأمم، تقف مذهولا، فأين نحن، هل نحن أمة ثراء ومال وتجارة، ام أمة علم واختراعات، ام أمة تدين وفقهاء، ام أمة تنقسم انشطاريا كل يوم، فلا تجد إجابة محددة، سوى ان الليل طويل، وان التغيير والإصلاح، عنوانان مستحيلان في هذه المنطقة.