المبتدأ والخبر

#المبتدأ_والخبر

د. #هاشم_غرايبه

المبتدأ: سألوا عبدا: إذا نلت ثروة مفاجئة، ماذا تفعل بها، فكر للحظة وقال: أشتري بها سيدا أكثر رحمة من سيدي الحالي.
بالطبع لم يخطر بباله أن يشتري بها حريته، لأنه اعتبر عبوديته قدرا مفروضا لا فكاك منه.
الخبر: عندما نتهم الأنظمة العربية جميعها بالتبعية للمستعمر الغربي، فاننا بهذا التعميم نتجنب الدخول في حيثيات هذه التبعية، بل نقفز الى النتيجة التي تحققها وهي تنفيذ املاءات المستعمر التي تحفظ مصالحه، والتي هي قطعا معاكسة لمصلحة ذلك القطر والأمة الواحدة التي تجمع هذه الأقطار.
لكننا لو توخينا الإنصاف لفرقنا بين أنظمة التزمت منذ تأسيسها بهذه التبعية، لأنها كانت شرطا لنوالها الحكم، ومتطلبا لبقائها فيه، وبين أنظمة كان التزامها بها اضطرارا وإكراها بسبب عدم قدرتها على الانفكاك منها، لكنها بالمحصلة العامة ملتزمة بها لأنها تعلم أن تمردها يعني استبدالها بغيرها.
لذلك نذهب الى التعميم لأن النتيجة واحدة، وهي دوام تخلف الأمة وتعطيل مشروعها النهضوي.
بعد هذا التعميم سأتناول وضع القطر السوري، الذي يعتبر حالة خاصة، وفهم أوضاعه الحالية والمستقبلية كانت من التعقيد، بحيث التبست على الكثيرين، فذهب البعض الى اتهامها بأنها من النوع الأول فيما اعتبرها آخرون بأنها من النوع الثاني.
ما عزز هذا الالتباس هو الحالة الخاصة التي انتجت النظام السوري الحالي، فقد جاء نتيجة للثورة الشعبية على النظام السابق، وأقول (الشعبية) بالرغم من جهود الموالين للنظام المخلوع بشيطنتها، والذين ما والوه وأيدوه إلا لعداءه الصريح للإسلام، حيث أثبت أنه أشرس الأنظمة العربية طراً في محاربة الدعاة الى اتباع منهج الله، والوحيد الذي حقق الاصطفاف الطائفي المعادي للإسلام، وليس كما يدعون أنه نظام ممانع للمشروع الصهيو- غربي، لأنه ثبت عمليا أنه خلال آخر عشر سنوات من عمره كان أكثر من خدم هذا المشروع، فماذا يريد هذا المشروع أكثر من تدمير سوريا فعليا بالتهجير والتدمير والقتل والاعتقال!؟.
ما يثبت أنها ثورة شعبية بالمعنى السياسي الحقيقي للثورات، أنها شملت كل قرية ومدينة في جميع أرجاء سوريا، فلا يمكن اعتبارها حركة انفصالية لمنطقة مثل حركة (قسد) أو طائفة مثل التمرد العلوي الحالي في الشمال أو الدرزي في الجنوب، لذلك لا يشكك بدوافعها التحررية من النظام المستبد إلا المغرضون والمعادون للأمة.
إذاً كان سقوط النظام سببه نجاح هذه الثورة، وليس أنها مدبرة من الخارج، وأكبر دليل على ذلك هو قيام الكيان اللقيط بتدمير كل مقار القوة الجوية السورية ومراكز البحث والتطوير، والتي يعتقد أن الرئيس الهارب زودهم بخرائطها، إذ لو كان الثوار تسلموا الحكم بدعم أمريكي كما روج البعض، لما كان من حاجة الى كل ذلك، إذ سيكون جانبهم مضمونا وأكثر من النظام السابق.
كثيرون، إما بحسن نية أو بسوء نية وتربص، كانوا يطالبون نظام الشرع بأن يعلن عداءه للكيان اللقيط، ونيته لاسترداد الجولان المحتل، بل وتحرير فلسطين، وكانوا يعتبرون ذلك شرطا لبراءته من تهمة العمالة.
في حقيقة الأمر، ليس من السهل رمي أي نظام عربي بالعمالة لأمريكا، بل لا أظن أن أي نظام مهما كان منغمسا في الولاء لها بحجة التحالف، لا أظن أنه لو أمن على نفسه أن لا يطاح به لما توانى عن رفع أكثر الشعارات الوطنية حماسة، ولو أتيح له أن يكون صلاح الدين الثاني لما تأخر عن نيل ذلك المجد.
المسألة ليست في رفع الشعارات ولا اطلاق التصريحات النارية، بل هي في النية الصادقة للخروج من المأزق الحالي للأمة.
في ظل الظروف الحالية بوجود قوة عظمى مهيمنة يتولى إدارتها فرعون لا يقبل لأحد خروجا على رغبته، لا سبيل لمن لا يقدر على تحقيق القوة المكافئة إلا بالصمت وإخفاء النوايا، مع العمل السري لتحقيق تلك القوة، وبناء التحالفات الداعمة التي تحميه الى حين تحقيق القوة، وبعدها يمكن كشف النوايا.
ولأن أعداء الأمة يدركون ذلك، فهم لا يريدون الانتظار الى أن تنهض سوريا وتبني قوتها ، لذلك فهم يداومون مشاغلتها من داخلها بتحريض الأقليات، وفي هذه الأقليات يجدون كثيرا من النفوس المريضة وطلاب الزعامة ولو كان الثمن خيانة وطنهم.
حمى الله النظام من أعدائه: الأعداء المتربصين، والطائفينن الحاقدين، والمنافقين المشككين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى