اللاهثون وراء السراب

#اللاهثون وراء #السراب
د. هاشم غرايبه

نشرت قبل أربع سنوات في أمريكا دراسة لأستاذة الإقتصاد في جامعة #هارفارد “ستيفاني ستانشيفا” تكشف فيها زيف ما سمي بالحلم الأمريكي، والذي درج الإعلام على رسمه في خيال الناس، وهو صورة مبالغ في بهائها، تصور أمريكا بلد الأحلام ورغد العيش وتحقق متطلبات الفرد وتوفر كل ما يحقق الرفاه والكرامة والحرية.
تناولت دراستها نظرة فئات مجتمعية اختيرت كعينات نحومفاهيم مثل تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة في توزيع الدخل من خلال تحميل ذوي الدخل الأعلى القسط الأكبر من الكلف العامة، ومسؤولية الدولة نحو الفقراء والمهمشين، جمعت الإستبانات من هذه العينات التي تمثل مختلف طبقات المجتمع الأمريكي ومجتمعات أوروبية معينة، مما يمكن من اعتبارها منظور المجتمع الغربي بشكل عام نحو هذه القضية الهامة، التي تعتبر قوام النظام الإجتماعي الإقتصادي الغربي الراهن.
وجَدَتْ الباحثة أنه من منظور أولئك الذين يعتقدون أن المجتمع لا بد أن يوفر لأعضائه تكافؤ الفرص، وأن كل من يجتهد في عمله يستطيع أن يرتقي السلم الإقتصادي الإجتماعي، تعد عملية إعادة التوزيع غير ضرورية وظالمة، وكما يقول أنصار تكافؤ الفرص، اذا انطلق الجميع من نقطة البداية نفسها فلا بد أن تكون أية نتيجة سيئة، راجعة الى أخطاء فردية فحسب.
هذه النظرة تمثل غالبية العينة الأمريكية، فنحو 70 % من العينة الأمريكية ترى أن الفقير يجب أن يترك دون مساعدة، فيمكنه الخروج من الفقر لوحده، بينما يرى 35 % من العينة الأوروبية ذلك، بمعنى أن الأمريكيين يعتقدون أن سبب الفقر عائد الى الكسل، بينما يرى الأوروبيون أن الفقراء هم أناس قليلو الحظ.
وقد تبين للباحثة أن هنالك تأثيرا كبيرا لأسطورة الحلم، التي تعتبر أن الإنسان سيصبح ثريا بقليل من الجد، فيعتقد الأمريكيون أن 12 % من أبناء الفقراء سينتقلون الى الشريحة العليا من خلال العمل الشاق، لذلك يبالغون في تقدير دور الحراك الإجتماعي في تقليل نسبة الفقراء، وهنالك اعتقاد واسع أنه اذا عمل الجميع بجدية فسيكون هنالك نجاح عام.
إلا أن هنالك تفاوتا في وجهات النظر سياسيا، فمن يعتبرون أنفسهم محافظين يرون أن السوق يجب أن يترك لينظم نفسه، ولا يحبذون الإجراءات الإصلاحية لتحقيق التناسب الضريبي مع الدخل ولا التأمينات الصحية والإجتماعية، فيما يرى الليبراليون أن هذا التدخل ضروري لوقف تزايد الفجوة يوما إثر يوم بين الفقراء والأغنياء، والتي هي باتت من العمق والاتساع لدرجة أنها تعتبر النذر الأولى لصراع اجتماعي مدمر.
هذا التخوف الذي تستنتجه الباحثة حقيقي، لأن ما يزيد في حدة هذا الصراع القادم بلا شك، ويعجل به، أن الطبقة المترفة هي التي تتولى السلطة مباشرة أو عن طريق التأثير بالمال باجتباء السياسيين الذين يتبنون منهج الرأسمالية الحامي لمصالحها، وطالما أن الرأسمالية تعتمد أن تحقيق العدالة الإجتماعية ليس مسؤولية أصحاب الثروات العريضه، بل واجب الدولة إزالة أية معيقات أمام استثماراتهم، لأن معيار النجاح في مفهمومهم ليس في رفع مستوى الدخل للعموم، بل هو بمقدار تركيم الأفراد الثروات، بغض النظر إن تحقق ذلك على حساب إفقار الفقراء أو إفلاس الأغنياء، والذي لن يتم إلا على حساب العدالة الإجتماعية.
لقد وجدتُ من الأهمية بمكان الإطلاع على مثل هذه الدراسات، رغم أن البعض سيتساءل ما لنا ولمشكلاتهم، فمجتمعاتنا ما زالت بعيدة عن اللحاق بهم فلنهتم بخصوصياتنا.
الحقيقة التي لا يجب أن نغفل عنها أن مجتمعاتنا منقادة لتسير على أعقابهم، فكل الغلمان الذين وصلوا الى مواقع اتخاذ القرار في بلادنا، هم أبناء تربيتهم ومنتمون فعليا الى مجتمعاتهم وقيمهم، وجميع هؤلاء مقتنعون بأسطورة الحلم الأمريكي، ومن يشاهد البهرجة المبالغ فيها في معرض “إكسبو دبي” القائم حاليا يدرك ذلك.
لذلك من الحكمة أن نتساءل: إذا كان أصحاب النظرية ومن يطبقونها قلقون، ويعترفون بخطورة ما يسيرون وفقه، فما الذي يقودنا الهواة المنبهرون والمقامرون العرب إليه؟
وإذا كان أولئك المُجدّون في عملهم يدركون أن مسارهم محفوف بالمخاطر، فكيف بمن يقلدونهم وهم لا يفهمون جوهر ما يركضون وراءه!؟.
وكيف سينجح أتباعهم ومريديهم من العرب المنغمسين في الفساد والرذائل، فيما فشل فيه الغربيون المخلصون لأوطانهم!؟.
وإلامَ يجرون وراء مناهج السراب لاهثين عطشا..والماء على ظهورهم محمول!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى