الكراهية متفشية أكثر من كورونا

الكراهية متفشية أكثر من كورونا
ماهر أبو طير

ربما هي الحالة العصبية التي ولّدت كل هذه الكراهية بين الناس، خلال أزمة كورونا في الأردن، والذي يحلل وسائل التواصل الاجتماعي يخرج بنتائج خطيرة.
الذي نقرأه ليس تنمراً، وكلنا قرأ التعليقات المهينة، بحق عرسان إربد، ثم أهل إربد الكرام، وذات الأمر بحق السيدة التي استغاثت بوالدها في المطار، ثم قصة المدعو تامر الذي غادر المستشفى فتم حرق سمعته، وتم إطلاق نداءات بعنوان “ارجع يا تامر” فوق آلاف التعليقات التي قدحت المستشفى، وقدحته شخصيا، ومن هناك إلى استباحة سمعة عرسان البحر الميت، والتعليقات الجارحة حول عدم الصبر على الزواج، ثم استباحتهم بسبب خطأ وقعوا فيه، أي استقبالهم من المهنئين، ومن هناك إلى بائع الخضار الذي تم قدح سمعته أيضا، وقدح سمعة كل من تعامل معه، وصولا إلى صبحي الذي أكلنا لحمه حيا، وقطعناه تقطيعا، هو وأهله، بذريعة وقوعه في الخطأ، والحكايات كثيرة، وكل يوم لدينا حكاية جديدة نتسلى فيها على لحم الناس، فلماذا لا نتسلى فنحن ملائكة وغيرنا هم الشياطين؟!
أنا لا أدافع عن الخطأ، لكن أتحدث عن موجات الكراهية والانتقام من الذين يقعون تحت سكاكين الرأي العام، وكأن الموت بهذا الوباء، أرحم بكثير من الموت بسبب الألسن الحادة التي تسلق من يقع، ولا ترحمه، ولا تحاول أن تتفهم حتى جانب الخطأ، ولماذا وقع فيه، بل نستقوي كلنا على من يخطئ، ولا نغفر له.
هذه الدوافع، أي دوافع الخوف، صحيحة، لكنها أيضا لا تسمح لأحد بقتل الناس اجتماعيا، ولنعد مثلا إلى التعليقات على زفاف إربد، فقد استباح أغلبنا سمعة العرسان، وأهلهم وبلدتهم، ولم نراع العادات والتقاليد، ولا حتى حساسية الوضع، وامتدت الموجة لتشمل كل إربد، وكأنها مدينة عدوة لبعضنا، برغم أن أغلبنا عاش فيها، أو تعلم فيها، ولكل واحد فينا ذكرياته الخاصة، في المدينة العزيزة علينا.
هذه ليست محاضرة، لكن الأمر ذاته يمتد الى كل من يقع تحت ألسن الناس، فوزير الصحة مثلا، تم إغراقه بالمديح، ثم سرعان ما بدأ ذات الرأي العام ينقلب عليه، بسبب قصة صبحي الشهيرة، وقد قيل مرارا إن علينا أن نتوسط ولا نبالغ، لأن هذه أزمة، والأزمات عادة تحدث بها أخطاء، والأداء ليس كاملا، لكن ذات الرأي العام ينقلب ويحرق بسرعة، ولا يمكن اعتباره حليفا دائما، بل بدأت إشارات النقد تتنزل على الحكومة، بعد أسابيع من الإشادة فيها، لأن أغلبنا لا يريد أن يصدق أننا في حرب ناعمة دون صواريخ وقنابل، وفي هكذا ظرف تحدث ثغرات وأخطاء، حتى في دول أغنى منا، وأكثر تطورا والأدلة يعرفها الجميع.
من أين جئنا بكل هذا الغضب، هذه الرغبة الدفينة بتقطيع لحم الناس ونهشهم، المخطئ، قبل المصيب؟ من أين جئنا بكل هذه الكراهية، التي لا نتعامى فيها عن زلة أحد، أو خطأ أحد؟ فلم نكن هكذا، ولربما الحبس في البيوت، والحالة النفسية، والخوف من المستقبل، والضيق والضنك، وسهولة توفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كلها عوامل ساعدت في تعزيز ظاهرة ذبحنا لبعضنا البعض، وهي ظاهرة موجودة قبل كورونا لكن منسوبها ارتفع الأسبوعين الأخيرين، وكل يوم هناك أضحية، ولا يمر يوم دون أن نبحث عن أضحية لسفك دمها.
من تصوير هوية الأحوال الشخصية لمن تم وصفه بالهارب من الحجر، وصولا إلى نشر صورة بيت هذا أو ذاك، وربما الوصول إلى اسم أمّه، وعنوان سكنه، ترتسم أسوأ ظاهرة في زمن كورونا، أي ظاهرة أن يأكل الناس لحم بعضهم البعض، دون حسابات أو تقييدات، ولكل واحد حجة يختبئ خلفها، لكننا نتشارك معا في إعدام النسيج الاجتماعي، وكأننا نعيش في غابة برية، نصفنا مجرد أرانب برية تركض خوفا وهلعا، والنصف الثاني من الصيادين يحملون بنادقهم ويطاردون النصف الأول، لجرحه أو قتله أو سلخه، في مشهد مؤلم حقا.
كورونا كشف أسوأ ما فينا، ولربما على كل واحد فينا، أن يقول خيرا في الأزمات، أو يصمت، لعل الله يرحمنا برحمته بدلا من هذه الحالة، فلا تلوموا من يشعر بالأعراض ويخفي القصة، فهو يعرف أن إشهاره لذلك يعني إعدامه وإعدام سمعة عائلته اجتماعيا ومن الأهل والجيران والمعارف فوق وسائل التواصل الاجتماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى