الكراهية / د . هاشم غرايبة

الكراهية
ارتبطت عبارة الكراهية بكراهية اليهود تحديدا ، واحتلت رأس القائمة في المفاهيم المنبوذة دوليا متقدمة على الفصل العنصري والتمييز العرقي والطائفي ، فأصبحت سلاحا فتاكا بيد الحركة الصهيونية يرعب كل من يجرؤ على انتقاد ممارسات الكيان الكريه .
وظل مدلولها محددا بالكرهية التي اكتسبها اليهودي عبر التاريخ ، والتي تعود لأسباب كثيرة أهمها تعاليهم على الغير واعتبارهم أنفسهم الشعب المختار ، أدّى بهم ذلك الى احتقارهم لكل ما سواهم وتقوقعهم على أنفسهم ورفضهم الإندماج في المجتمعات البشرية ، فتولدت كراهية متبادلة ، وبسبب ما سبق فقد توجهوا الى المهن الهامة وتلك التي تُدِرُّ دخلا أكبر مثل صياغة الذهب والألماس والربا ، ولدعمهم بعضهم بعضا فقد تمكنوا من السيطرة على أهم عنصرين في الغرب :عالم المال والإعلام ، ولدهائهم فقد كانوا وراء معظم المصائب التي أحاقت بالبشر ، وأهمها التآمر لتدمير الإقتصاد الألماني ، مما دفع النازية إلى اعتبارهم العدو الأول فمارست ضدهم القمع الوحشي ” الهولوكوست ” قبل أن تتفرغ لمحاولة السيطرة على العالم مما أدى الى الحرب العالمية الثانية .
لكن اليهود بخبثهم ونفوذهم المالي استغلوا هذه الحالة أبشع استغلال ، وابتزوا أوروبا وما زالوا بتعويضات جشعة لا تنتهي ، وأهمها قانونا : معاداة السامية ، ومنع التشكيك بالمحرقة المرعبان ، فأصبح البريطاني بإمكانه التشكيك مثلا بانتساب الأمير ” تشارلز ” الى العائلة المالكة باعتبار ذلك حرية رأي ، لكنه يسجن سبع سنوات إن أنقص عدد يهود المحرقة ، ويستطيع الفرنسي شتم الرئيس وكل عائلته بلا مساءلة ، لكنه إن أشار الى يهودي وقال إنه يهودي .. فقط وبلا تحقير ، فإنه يسجن من 3 – 5 سنوات .
لم يعرف التاريخ حالة مماثلة من السيطرة على العقل البشري وقمع التفكير ، مثل هذه الحالة من تقديس فكرة ومنع مناقشتها . هل من شك أن ذلك مناقض تماما للديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي .. لكن إلى من تشتكي إن كان الغرب هو القاضي ، وهو الذي يحتكر العدالة ومعرفة الصواب .
مبدئيا ، الكراهية العمياء المرتبطة بالحكم المسبق بناء على العرق أو الجنس أو المعتقد ، مذمومة لأنها تتناقض والفطرة السليمة التي تفترض الخير في البشر أصلا ، ولا تتقبل وصم قوم بالشر بناء على شرور بعض منهم ، لذلك ما مارسته أوروبا وليست النازية فقط طوال قرون ضد اليهود ، كان تصرفا بعيدا عن القيم الإنسانية .
رغم أن اليهودية هي الديانة الوحيدة المغلقة على الآخرين ، والوحيدة التي تقرن بين الدين والقومية ، فبات منتسبوها ذوي طبائع وصفات متشابهة محددة ، إلا أنه لا يجوز التعميم على الكل ، ولذلك كان التعامل معهم من قبل العرب المسلمين مغايرا تماما لتعامل الأوروبيين ، فقد احتضنتهم الدولة الإسلامية ، وأدمجتهم في مجتمعها ، فبرز منهم علماء وفلاسفة نالوا فُرَصاً مكافئة للآخرين ، مثل جيوَرجيس بن بختيشوع ، الذي كان يهودياً فيلسوفاً كبيراً عَلَت منزِلته عند المنصور، وفاقت مكانته بعض وزرائه ، وحنين بن اسحق وإبن توما وغيرهم .
في عام 1490 حدثت مذابح جماعية للمسلمين في إسبانيا والبرتغال ولم يسلم اليهود من أوار تلك الكراهية ، فهرب من بقي حيا من اليهود إلى المغرب وبعض بلاد المسلمين ، ومنهم من توجه الى الآستانه ، حيث وجدوا ترحيباً ورعاية من الإمبراطورية العثمانية ، انسجاما مع الفكر الإسلامي الذي يحترم أهل الكتاب ، ومع البعد الإنساني للإسلام الذي يدعو إلى إيواء المقهورين المطاردين بسبب العرق أو المذهب .
رغم كل ما لقيه اليهود من معاملة انسانية في ديار الإسلام ، إلا أنهم لم يتخلوا عن طبيعتهم ، فكان أن تآمر يهود الدونمة في ( الآستانه ) على الدولة العثمانية بعد تمكنوا من التحكم في الإقتصاد ، فاتفقوا مع الإنكليز على تهديمها بدءا من عهد السلطان عبد الحميد الثاني ، وتمكنوا من إيصال كمال أتاتورك ، الذي نجح في الإجهاز عليها .
أما يهود العراق وسوريا ومصر واليمن وغيرها ، فظلوا عملاء للإنجليز لأنهم لم يعتبروا هذه الأقطار وطنا ، وهاجروا الى فلسطين ليشكلوا الكيان الكريه الذي ناصب العرب العداء .
ختاما نستنتج أن الكراهية التي يفترضها الغرب في أمتنا غير موجودة ، ولم تتشكل حتى كردّة فعلٍ على احتلالهم أرضها ونهب خيراتها وفرض وكلائهم المحليين حكاما عليها ، ولا حتى بسبب الكوارث التي تسببوا فيها جراء اغتصاب فلسطين ولا .. ولا .. من عشرات المصائب التي أوقوعها بهذه الأمة .
بقي هؤلاء المسلمون على طيبتهم الفطرية الإنسانية رغم كل ذلك ، فباتت مقولة ” بوش : لماذا يكرهوننا ” بلا إجابة ، لأنها بلا معنى ، وقيلت تسويغا لكراهيتهم هم وتبريرا لعدوانهم .
لكن الأعجب من كل ذلك هو أن نفراً من اللذين بين ظهرانينا لكنهم منقادو العقل إلى علمانية الغرب الكاذبة ، إعجابا بتقدمهم العلمي والتقني ، فهو عميٌّون عن رؤية مبلغ تناقضهم مع المباديء السامية ، إذ يبتغون الحرية والديمقراطية والرخاء لشعوبهم ، لكنهم ينكرونها علينا .
والغربيون هم الذين اخترعوا الكراهية وعاشوها حروبا وتدميرا طوال تاريخهم بين بعضهم ومع الآخرين ، ولم يتركوا بقعة في العالم من شرورهم .. وحتى الكراهية الطارئة التي غشيتنا حديثا هي من صناعتهم .
لذلك ستزول عندما تزول أذيالهم .. وسنعود كما كنا أيام صلاح الدين .. لا نُكِنُّ الكراهية حتى لأعدائنا ! .

للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى