الكارثة لم تصل بعد
عديدة هي النظريات التي تقدم لتفسير الاضطراب الذي يصيب العالم حاليا(أزمات اقتصادية،حروب دولية، حروب أهلية، ثورة الأقليات والأديان، تزايد الانتحار،تزايد الجريمة المنظمة،التفكك الأسري..الخ).
لكني أعتقد أن النظرية الأكثر قدرة على تفسير الاضطراب هي التي تركز على تزايد الفجوة بين إيقاع التغير المتسارع في كل ارجاء بنية مجتمعاتنا، وبين القدرة على التكيف مع هذا الإيقاع ،فالمسافة التي استغرقتها البشرية لتزيد سرعة الانتقال من 20 كيلومتر في الساعة(سرعة الحصان) إلى 30 كيلو (اختراع العجلة) بلغت أكثر من 4400 سنة ،بينما معدل التغير في الانتقال في التطور التقني حاليا يستغرق اقل من 25 سنة(ويسميه علماء الاجتماع المنحنى السوقي)….وإذا علمنا أن تغيير الفرد لعمله أو سكنه خلال عمره كله كان مرة واحدة كل 43 سنة قبل خمسمائة عام، فإنه الآن يغير مكانه كل 4 سنوات(العمل أو المدرسة أو السكن…الخ)
وقد قام علماء الاجتماع المعاصرون بقياس المسافة بين عوامل التغير والقدرة على التكيف معها،فوجدوا أن التغير يسير بوتيرة تصل إلى 112 مقابل 1 للتكيف في القطاع السياسي، بينما 33 مقابل 1 في القطاع الاقتصادي و 78 مقابل 1 في القطاع الاجتماعي،و 19 مقابل 1 في القطاع التقني….ولكن الأسوأ من ذلك هو أن إيقاع التغير يتسارع بوتيرة أسرع من إيقاع التكيف،مما يعني أن الفجوة ستتسع…
والبنيات الاجتماعية القائمة حاليا في أغلب المجتمعات عاجزة عن التطور بشكل متسارع يؤهلها للتكيف مع التغيرات الرهيبة..إن الاتحاد السوفييتي لم يتمزق بسبب قوة عسكرية بل بسبب آلة الحزب التي تنتمي للعصر الصناعي ولم تعد كافية لتتكيف مع عالم الكومبيوتر والإنترنت والموبايل…لقد كان القرار الإداري في ألمانيا يأخذ 4 ساعات عام 1991، بينما كان يستغرق أسبوعا في الدوائر السوفييتية..وقد بقيت بريطانيا 155 سنة حتى تمكنت من مضاعفة اجمالي ناتجها القومي،،بينما تمكنت الصين من ذلك في 15 سنة،وعندما مات ماوتسي تونغ عام 1976 بعد أن بنى نظاما تحجرت قدراته عن التكيف ،كان ترتيب الصين في الاقتصاد العالمي هو 36، بينما جاء دينغ هيساو بينغ عام 1978 وبدأ بتغيير آليات التكيف فاصبحت بلاده صاحبة ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم،أي أنها تقدمت في ترتيبها درجة كل سنة.
إن العالم وبخاصة دوله الصغرى والمتوسطة تفتقر لآليات التكيف،مما يجعل العالم يسير نحو فجوة أرى أنها لن تنتهي عند تعدد قطبي أو ثنائية قطبية…أنها تسير نحو الفوضى الكاملة…وستصبح التنظيمات الصغيرة قادرة على امتلاك الأسلحة غير التقليدية نظرا لمشاعية التكنولوجيا…ونظرا لوفرة الأموال غير النظيفة..ونظرا للزحام على الموارد لا سيما الحيوية منها،بل إن موسوعة العلاقات الدولية لعام 2000 احصت 1333 عامل تغير في الحياة الدولية سنويا،وعلى الدول أن تتكيف معها.
نحن ذاهبون إلى الكارثة ،ولن ينجو منها إلا من يتمكن من تطوير آليات تكيفه بقدر يتسق مع إيقاع التغير المتسارع،أما المعوقون فكريا فهم في طريقهم لقبور الديناصورات…