القابضون على الجمر

#القابضون_على_الجمر

د. #هاشم_غرايبه

على الرغم من أن جيوش الفتح الإسلامي لم تدخل الصين، إلا أن الإسلام انتشر فيها مثل باقي أقطار شرق وجنوب آسيا عن طريق التجار المسلمين، بعضهم قدم براً من تركستان (طريق الحرير)، وآخرون جاءوا بحرا من الجنوب، حيث كانوا بأخلاقهم العالية خير دعاة لهذا الدين، الذي ظل ينتشر على الدوام بالتأثير المتسلسل، فكل من يعتنقه يصبح سفيرا وداعية له.
لم يلاقِ المسلمون في أي بلد في العالم ما لاقاه مسلمو الصين، لكن الإعلام الفاجر يعتم على التنكيل بالمسلمين تآمرا، فينشر كل ما يجري من ظلم للبشر في كل أنحاء العالم، لكنه يصمت ويتغاضى عما يجري ضد المسلمين، الذين يعتبرون أقلية مع أن عددهم يناهز المائة مليون، ولا تتوقف المحاولات لتقليص عددهم على حملات التطهير العرقي والإبادة والمذابح، بل تتجلى أكثر بمنع الإنجاب، حيث أن الصين هي البلد الوحيد في العالم التي تتدخل في تحديد عدد المواليد الجدد، وتتشدد أكثر في تطبيق قانون المولود الواحد على أقلية “الأويغور” المسلمة، فتجهض من يتبين حملها، واذا نجحت في إخفاء حملها وولدت يخنق مولودها أمام ناظريها، ويستأصل رحمها أو تربط المبايض، مع كل ذلك لم يتخل المسلمون عن دينهم.
تاريخيا كان للمسلمين دور مشرف في الحروب الوطنية، فقد قدّم ابناء قوميتي “الهوي” و”الهان” المسلمتين عشرات الآلاف في محاربة اليابانيين، لذلك لم يكن من اللائق اعتبار المسلمين أقلية، خاصة وأنه لا توجد ديانة أخرى تشكل أغلبية عقائدية، فالأغلبية كانوا على البدائية اللادينية.
اندمج المسلمون في المجتمع الصيني منذ عهد المغول، ولكنهم حافظوا على تقاليدهم الإسلامية، واكتسب الإسلام أتباعاً جدداً بالمصاهرة بين الأسر من أصل عربي أو إيراني وبين الأسر الصينية، وقد ظل العرب مميزين عن غيرهم، ويطلق عليهم في اللغة الصينية لفظة (馬/马) التي تعني الحصان كناية عن التقدير والإحترام.
وكان أحد الأباطرة “هونج وو” مؤسس أسرة “مينغ” المالكة مسلما، ونظم قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وبنى الكثير من المساجد.
عندما سيطر الشيوعيون على الحكم بقيادة “ماو تسي تونج” عام 1949، اجتاحوا تركستان الشرقية التي أغلبيتها من مسلمي الأويغور بدعم الروس كونها تحتوي على 80 % من نفط الصين، ونفذوا مجزرة ذهب ضحيتها مليون شهيد، وأعدموا كل أعضاء حكومتها، وأطلقوا عليها اسم اقليم “سينكيانغ” التي تعني بالصينية: المستعمرة الجديدة، لكن سكانها المسلمين لم يستكينوا، وقاموا خلال العشرين عاما التالية بخمسة وأربعين ثورة قمعت جميعا بوحشية متناهية، أما الغرب ورغم عدائه للشيوعية، ولأن عداءه للإسلام كان أكبر، فقد سكت عن كل تلك المجازر التي ذهب ضحيتها 360 ألف شهيد وأكثر من نصف مليون معتقل في معسكرات الأشغال الشاقة.
وبلغ التنكيل بالمسلمين ذروته إبان ما سمي الثورة الثقافية عام 1966 حيث اقتحمت البيوت وأخرجت منها كل المصاحف والكتب الدينية وأحرقت علانية في الشوارع، كما سرح كل الأئمة وحولت جميع المساجد الى محال تجارية، عدا واحدا ليصلي فيه الديبلوماسيون.
عندما شنت الحرب الدولية على الإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب، كانت الفرصة سانحة للنظام الصيني لمزيد من التنكيل، ففي عام 2000 اعتقل في تركستان الشرقية عشرة آلاف أويغوري بتهمة النشاط الديني الذي أصبح مسماه الجديد: الإرهاب، وفي عام 2014 تفاخر المدعي العام الصيني أمام الغرب بانجازات الصين في مكافحة الإرهاب باعتقال 27 ألف مسلم من الأويغور.
قامت الصين خلال العقدين الماضيين بإغلاق أكثر من ستة آلاف مسجد في تركستان الشرقية وحدها، وقامت بمنع ترميم وإصلاح القائم منها، وتسريح عشرات الآلاف من الأئمة الإيغوريين، وحظر استخدام الحروف العربية في الخطابات الرسمية، كما أنها تحظر على مرتديات الحجاب من استخدام وسائل المواصلات العامة ولا دخول الدوائر الرسمية، وتجبر المعلمين وطلاب المدارس على تناول الطعام في رمضان.
وفي الصين أضخم معتقل في العالم لغسيل الدماغ، إذ يحتجز فيه مليون مسلم تحت مسمى تنظيف عقولهم من عقيدتهم الإرهابية، كما طورت أخطر تقنية عنصرية متقدمة لتمييز وجوه “الإيغوريين” لاعتقالهم أينما وجدوا.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر”.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى