العقل زينة

#العقل زينة

د. #هاشم_غرايبة

رغم أن أغلب البشر لا يجادلون في أن الله هو خالق كل شيء، إلا أن كثيرا منهم يعتقدون بأن مجريات الأحداث تتم بمحض الصدفة، وأن كل ما يحدث في هذا الكون يخضع لقانون العشوائية، قليلون هم من يؤمنون بأن ذلك منظم ومحسوب بدقة، هؤلاء هم المؤمنون بأن الله الخالق لم يترك ما خلقه هملاً، يسير وفق العشوائية والإحتمالات، بل هو الذي يدبر الأمور ويضبطها بإرادته ووفق مشيئته، حتى يتحقق مراده، وبالتنظيم الدقيق الذي يحكم الكون بأجمعه.
يستند أولئك المقتنعون بالعشوائية الى فكرة ساذجة، مفادها أن هذه الكرة الأرضية وما عليها من البشر والكائنات الأخرى، لا تشكل سوى نقطة صغيرة في محيط هائل مليء بالمجرات والأجرام السماوية، وبعضها أضخم من الأرض بملايين المرات..فهل يعير الله كل هذا الإهتمام لسكان هذه النقطة البسيطة ويتابع كل حركاتهم وسكناتهم طوال كل هذه العصور الطويلة!؟.
يرد على ذلك الوهم، ما نراه من صانع المركبات صغيرها وكبيرها، هل يهمل تفصيلا ثانويا في أية مركبة، مهما كان في نظرنا صغيرا أو قليل الأهمية؟، إذا كان ذلك مع بشر يذّكر وينسى، ويصيب ويخطيء، فكيف مع خالق كل شيء والذي لا يغفل ولا يضل، ولا يؤوده حفظ كل ما خلق!؟.
العشوائية هي قانون طبيعي (سنة تكوينية)، ليست تعني الفوضى واللانظام كما يظن البعض، ومفادها أنه إذا لم يكن من مؤثر خارجي فإن تحقق الإحتمالات بين خيارين او أكثر، يكون بنسبة متساوية بينها، أي لو كان خياران ستكون الإحتمالات 50 % لكل منهما.
لو تناولنا الحالة الحتمية التي تصيب كل البشر بلا استثناء، وهي الموت، تبلغ معدل الوفيات عالميا 8 لكل ألف إنسان في العام، أغلبها بسبب الحوادث القاتلة أو الجرائم تليها الحروب ثم الكوارث الطبيعية ثم الأمراض الخطيرة وأقلها بسب الشيخوخة، ولتبسيط البحث سنتناول الحالة الأعم وهي الموت بسبب حادث.
يتعرض الإنسان منذ ولادته للعديد من أنواع الحوادث، فمنذ وجوده جنينا في بطن أمه هنالك احتمالات الإسقاط قبل اكتمال النمو، ثم احتمال الوفاة خلال الولادة بسبب انقطاع الأكسجين، او التلوث أو العدوى، ثم هنالك عشرات الإحتمالات اليومية لسقوط الرضيع أو اختناقه بالحليب، وتستمر الإحتمالات بالتزايد مع نمو الطفل خلال الحضانة، حيث أن الرأس هو أثقل جزء ويكون اليافوخ (أعلى الرأس) غير مغطى بالعظم حتى عمر السنة الأولى، لذلك فإن هنالك العشرات من احتمالات سقوط الطفل يوميا بحسب قانون العشوائية وعلى رأسه، لكنها جميعا لا تحدث، ولم يسجل ذلك عالميا إلا ما ندر.
تزداد احتمالية تعرض للحوادث كلما ازداد عمره، لكنها (للمصادفة!) تكون جميعا غير قاتلة، رغم أن قانون العشوائية يفترض تساوي احتمالات الموت والحياة.
وحسب الإحصائيات الواقعية، فإن احتمالية نجاة الفرد من كل الحوادث المميته، وبقائه الى أن يهرم هي (92 %) حيث يحصل الموت بسبب تعطل أجهزته، واحدا تلو الآخر، ويبقى على قيد الحياة حتى تعطل الجهاز الأخير وهو الرئتين.
كان ذلك فقط بحثا عن إحتمالية الموت بحادث، ومع أنها قائمة يوميا بسبب تعدد أنواع الحوادث، لكنها رغم أن العشوائية تعطيها 50 % لكل فرد إلا أنها إحصائيا لم تكن كذلك، فاحتماليتها 1: 29.7 مليون.
من ذلك نستنتج سذاجة الفكرة القائلة بأن المنايا خبط عشواء، فلا بد أن هنالك حماية خفية هي التي أنجت المرء من ملايين الإحتمالات القاتلة، إلى حين انتهاء الأجل المحتوم، وعندها قد يكون سبب الوفاة حالة أبسط كثيرا مما أنجي منه سابقا.
التفسير لكل ذلك في قوله تعالى: “لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ” [الرعد:11].

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى