د. ذوقان عبيدات
نعيش اليوم في ظلال العقل الناقل، وما أحوجنا إلى العقل الناقد!!
عبر تاريخنا، كان العقل يتفوق على النقل، حيث كان التراث قليلاً، والاجتهاد واسعاً.
ظهر المعتزلة كأكبر رواد العقل على النقل، بعد أن استبد العقل الناقل بالعقل الناقد. انحازت المعتزلة إلى العقل حين اختلف العقل مع النقل!! وكأي حركة عقلية في مجتمعنا، كانت النهاية مؤلمة، ليس أقلها التهم والتهديد بل وصلت إلى أبعد من ذلك.
سيطر العقل الناقل على العقل الناقد! فما سر قوة هذا العقل؟
العقل الناقل هو عقل مثقل بما تعلمه صاحبه في حياته من مصادر تعليمية مثل المختصين في الجامعات، أو بما حمله من قيم و أساليب وحلول ورثها من مصادره الخاصة. فالعقل الناقل عقل تسجيل يحتفظ بما أعطي له، ويحرص عليه دون زيادة ونقصان. ولذلك يقال إنه عقل أمين واعتقادي وأداتي وأدائي. يطبق فقط ما تعلمه. وغالباً ما يكون العقل المختص هو عقل ناقل تطبيقي تفسيري: يقضي حياته في شرح ما تعلمه أو نقل ما تعلمه دون فحص، ومن أمثلة ذلك:
العقل الناقل يقول: اتّق شر من أحسنت إليه، وهذا تحذير بأن لا يفعل أحد خيراً .
العقل الناقل يقول: الأقارب… عقارب، وهذا قطع لصلات الرحم!
والعقل الناقل يقول: اعمل ما آمرك به، والبس ما أوصيك به وقل و ردد معي ما ألقنك إياه..
والعقل الناقل يحدد لنا كل سلوكاتنا حتى في النوم والحلم..
وأخيراً، العقل الناقل يقول: ما دمنا قد حددنا كل شيء .. فهل من داعٍ لاستخدام عقلك؟ وهذا يعني أننا نبقى ناقلين دون عقل!!
وبالمقابل، نرى العقل الناقد، عقلاً حذراً، شاكاً، متأملاً، تجريبياً، يبحث عن أدلة معارضة وأدلة مؤيدة. لا يقبل شيئا ولا يرفض شيئاً بأحكام مسبقة.
والعقل الناقد يفحص كل ما يقدم له قبل الرفض والقبول. يستخدم الشك كمنهج للوصول إلى الحقيقة. و خلافاً للعقل الناقل، الذي يسرف في اليقين والتأكد واستخدام مصطلحات مثل، ومما لا شكّ فيه! واعتقد جازماً.. الخ، فإن العقل الناقد يقتصد في اليقين، ويبحث عن اليقين. وفرق كبير بين عقل ناقل ينطلق من اليقين وعقل ناقد يبحث عن يقين وعن جديد!!
العقل الناقل أصيل، ثابت، يحرك ولا يتحرك.. بينما العقل الناقد جديد يتحرك!!
فأيهما تختار؟ و أيهما نحتاج؟
ملاحظة.. العقل الإسرائيلي الصهيوني الذي احتل فلسطين ويدير معاركها الحالية هو عقل ناقل..