«العظامات» يتخطى الإعاقة بروايتين وجائزة

سواليف
الى صاحبة القلب الحنون التي حولت متاعب الحياة وآلامها الى سعادة وبهجة ، الى ينبوع فرحي وسعادتي في هذه الحياة ، الى التي كانت وما زالت سر وجودي وديمومة حياتي ، الى جدتي « ،هكذا استهل الكاتب عاهد عبد العظامات حديثه « ليوجه شكره العميق الى جدته التي وقفت الى جانبه منذ أن جاء الى هذه الدنيا ، اذ حلت جدته الطاعنة في السن محل أمه منذ أيامه الأولى ، وأبت أن تتركه منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة ، ترعاه طوال الليل والنهار وتكون له الشراع ليواجه به أمواج الحياة العاتية .
الظروف العائلية الصعبة للعظامات لم تكن هي الصدمة الوحيدة التي أصابته ، فمع مرور الوقت بدأت الحيرة تحيط بعائلة العظامات لعدم مقدرته على الوقوف كسائر الأطفال ،ويقول :» مر من عمري سنتان دون أن أستطيع الوقوف أو المشي كسائر أقراني ، هذا الأمر أثار الريبة والشكوك حول حالتي الصحية ، فذهبت برفقة أبي الى الطبيب والذي كشف عن إصابتي بشلل في قدمي يمنعني أن أكمل حياتي كإنسان طبيعي ، ومن هنا أصبح الكرسي رفيقي الدائم في هذه الحياة الصعبة لأمضي بقية حياتي أعاني من قسوتها وحرمانها «.
ويتابع : « حينما علم والدي الأمر لم يقف مكتوف اليدين ، وقام بعرضي على عدد من الأطباء لجعلي أتحرك وأمشي كسائر الأطفال الإ أن محاولاته باءت بالفشل ، إذ أقر الأطباء بأنه لا يوجد علاج لمرضي ، ومن تلك اللحظة بدأت حكايتي مع الإعاقة والتي لا تزال ترافقني حتى هذه اللحظة «.
وبالرغم من أن الكرسي كان صاحبا يكره العظامات صحبته الإ أنه كان بالنسبة له صاحباً وفياً يكل ولا يمل منه ،ويبين : « هذا الكرسي المتحرك لم يجزع يوما من صحبتي ولم يتركني يوما ، وكان ولا يزال رفيقي بكل تفاصيل حياتي » .
إعاقة العظامات منعته من دخول المدرسة في عامه السادس كسائر الأطفال ، فقد تأخر أربع سنوات عن دخولها ،ويقول :»ما أصعب تلك اللحظات التي كنت أرى فيها أقراني يتوجهون الى المدرسة ويعودون منها ، ومع مرور الوقت وفي ظل مراقبتي لهم تساءل البعض عن سبب عدم دخولي المدرسة ، وتواصل أحد العاملين في وزارة التربية والتعليم مع جدتي ، وأخبرها عن حقي في التعلم وقام بإتخاذ الإجراءات اللازمة لدخولي الى المدرسة».
ويتابع :»كنت أول طفل من ذوي الإحتياجات الخاصة يدخل المدرسة في قريتي ، ورغم ملامح الإستغراب التي رسمت على وجوه من حولي الا أن إرادة جدتي وإصرارها على أن أحصل على حقي في التعليم كانت كفيلة بأن تكون جوابا شافيا لتساؤلات من حولها ، ولم يمنعها برد الشتاء وحر الصيف يوما عن مرافقتي الى المدرسة ، وكانت سعادتي تزداد مع مرافقة جدتي و في ظل اهتمام الأطفال والمعلمات بي ، أصبحت طالبا مجتهدا ومميزا أحصل على المركز الأول في تحصيلي الدراسي « .
ويضيف : « في الصف الثالت ظهرت لدي موهبة الكتابة ، فبدأت حينها بكتابة القصص القصيرة والتي احتوت أحداثا من واقع حياتي اليومية وما أتعرض له من مواقف تستحق أن أكتبها و أسميتها « ذكرياتي والحياة « ، وبعد مدة عرضت دفتر ذكرياتي على والدي ومشرفة مكتبة القرية وأخبرونني بأنني سأصبح في يوم من الإيام إنسانا مبدعا وسيكون لي مستقبل باهر في الكتابة «.
لكن تلك العبارات لم تؤت ثمارها آنذاك خاصة فالعظامات لم يجد دعما حقيقيا لموهبته فعزم التوقف عن الكتابة لسنوات ،ويقول : « أعوام طويلة مضت دون أن أخط فيها الحروف والكلمات ، ومع مرور الزمن وانتشار مواقع التواصل الإجتماعي تجدد الأمل من جديد لموهبتي التي دفنت سنوات طويلة ، وعدت من جديد لأكمل طريقي الجميل في الكتابة ، ورغم استخفاف البعض بقدراتي الا أن موهبتي كانت كفيلة بأن تجعلني أقف أمامهم بكل قوة وثبات وإصرار ، وكانت كتاباتي تجمع بين توثيق ما يدور حولي من أحداث خاصة بالأردن والدول العربية الشقيقة وبين دفاعي عن حقي وحق الآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة ومعاناتنا التي تتمثل بعدم السؤال عنا واهمالنا وتردي أحوالنا .
ويتابع :»كانت أولى المقالات التي كتبتها بعنوان « أنا والكرسي … حكاية أبدية « واحتوت على جانبين الأول تحدث عن كيفية حياة ذوي الإحتياجات الخاصة في البادية والثاني تناول جشع المسؤول في البادية والذي يجب أن يكون عونا لنا لا عكس ذلك « .
لم تقتصر كتابة العظامات على المقالات فقط ، ففي نهاية عام 2017 انتهى من كتابة روايتيّ « صرخة قلم « و» نافذة محروم « والتي نالت شهرة واسعة في الوسط الثقافي والإعلامي وتناولت الأخيرة قصة حياته بجميع تفاصيلها .
ويحلم العظامات بإكمال مسيرته التعليمية الجامعية الا أن إعاقته تمنعه من ذلك ويبين : « أحلم بأن يكون عندي مركبة خاصة استطيع الذهاب بها الى الجامعة وخاصة بعد أن حصلت على جهة داعمة لإتمام دراستي ، كما حصلت على إعفاء جمركي منذ ثلاث سنوات الإ أن قلة المال منعتني من شرائها ، وفي ظل الإهمال والتهميش الذي أعيشه وعدم وجود مصدر دخل شهري لي لم استطع جمع كامل المبلغ وانما لدي جزء كبير منه « .
وفي العام الماضي « حصل العظامات على المركز الثاني في كتابة المقالة في مسابقة الأمير خالد بن فيصل ال سعود للابداع «.
(المصدر / الرأي)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى