الرحيل ..والبحث عن أرضية مشتركة
الدكتور: رشيد عبّاس
العلاقات الثنائية بين الدول علاقات متغيرة وغير ثابتة, وتقوم مثل هذه العلاقات على الارضيات المشتركة بين الدول, لكن مفهوم الارضية المشتركة مفهوم يضيق ويتسع حسب قوة ومكانة تلك الدول, ويبدُ ان هذا المفهوم يعتمد بالدرجة الاولى على الظروف السياسية والاقتصادية الموجودة في المنطقة, والسؤال الجوهري هنا هو, هل الانسحاب الامريكي الكامل والمتوقع في قادم الايام من المنطقة باسرها هل سيدفع باتجاه البحث عن ارضية مشتركة بين الرياض وطهران؟ ..الايام والاسابيع والاشهر القادمة ستحمل المزيد من المستجدات السياسية الجديدة المتعلقة بذلك.
الانظار هذه الايام باتت تتجه نحو الرياض وطهران, بعد ان كانت تلك الانظار متجهة في الماضي القريب نحو الكيان الإسرائيلي واحتلالهم لفلسطين, واعتقد جازما ان اللوب الصهيوني قد نجح نجاحا واضحا في ذلك, ونجح ايضا في (تقطيب المنطقة) اي ايجاد قطبين متنازعين عقائديا في المنطقة وهما المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية, وبدأ الحديث عن تكتّلات إقليمية اخذت تتسع شيئا فشيئا, وقد عزّزت الدول العظمى كأمريكا وروسيا مثل هذه التكتّلات, لبسط نفوذ كل منهما على المنطقة, ولتأمين مصالح استراتيجية بعيدة المدى لكل منهما.
الانسحاب الامريكي الكامل والمتوقع في قادم الايام من المنطقة باسرها سيترك خلفه فراغ كبير جدا, ولمليء هذا الفراغ هناك احتمالين لا ثالث لهما, اول هذه الاحتمالات نشوب حرب تكتيكية في المنطقة حدودها ايران من الشرق واسرائيل في الغرب, ثم اليمن من الجنوب وتركيا في الشمال, اما ثاني هذه الاحتمالات فهو ايجاد أرضية مشتركة بين الرياض وطهران, من شأن هذه الارضية التوصل الى تفاهمات عقدية فكرية (ايدولوجية) بين الطرفين, وهذا الاحتمال اعتقد انه يخدم جميع الاطراف ويعطي المنطقة اكثر امنا وأمانا من الفترات السابقة, ويعّري لاحقا زيف الكيان الاسرائيلي, وربما يضع هذا الكيان في زاوية ضيقة.
وقد يتساءل البعض كيف سيكون شكل التفاهمات العقدية الفكرية (الايدولوجية) بين الطرفين؟ الجواب على ذلك يعتمد على النوايا الحقيقية لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية, فاذا كان هناك نوايا صادقة عند الطرفين, فان ايجاد تفاهمات عقدية فكرية (ايدولوجية) بين الطرفين سيكون التوصل اليه ممكنا, وهنا نحاول الابتعاد ما امكن عن مفهوم المذهب السني وعن مفهوم المذهب الشيعي لدى الطرفين في طرحنا هذا, لكون انه ما زال هناك حساسية مفرطة لدى رجال الدين السنة تجاه المذهب الشيعي, ويقابلها حساسية مفرطة ايضا لدى رجال الدين الشيعة تجاه المذهب السني.
اعتقد ان اوروبا ترحب بإيجاد تفاهمات عقدية فكرية (ايدولوجية) بين كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية, وهنا يمكن الاستعانة بالمظلة الاوروبية في وضع الاطر الخارجية لمثل هذه التفاهمات, في حين ان مثل هذه التفاهمات قد تواجه معارضة بائسة من كل من روسيا وامريكا, وستكون مزعجة للغاية للكيان الصهيوني,..المؤشرات السياسية في المنطقة تشير الى انه مع رحيل اخر جندي امريكي من المنطقة وحين تصبح المنطقة نظيفة عسكريا, فان الاجواء ستكون ملاءمة لتفاهمات عقدية فكرية (ايدولوجية) بين كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الفهم الجيد للتفاهمات العقدية الفكرية (الايدولوجية) بين كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يكمن في وضع كل من (اركان الاسلام), و(اركان الايمان) على طاولة البحث والمفاوضات والعمل على ايجاد عن عناصر عقدية فكرية (ايدولوجية) مشتركة عليها بين كل من الرياض وطهران, ثم الخروج بوثيقة موقعة بين الطرفين تضم تلك التفاهمات, ..بعد ذلك تُبنى تفاهمات سياسية واقتصادية ثنائية مشتركة بين الطرفين للوصول الى ثقافة العيش المشترك وحسن الجوار بين هذه الاطراف, اعتقد ان هذه التفاهمات لن يكتب لها النجاح الا عند خروج الامريكان من المنطقة ككل, وخلاف ذلك ستبقى المناكفات السياسية قائمة في المنطقة, مع ان المنطقة قد اصابها الجهد والتعب والاعياء السياسي والاقتصادي من جراء قوة الشد العكسي, وان شعوب المنطقة تأمل ان تلامس مثل هذه التفاهمات ارض الواقع.
مع التفاهمات العقدية الفكرية (الايدولوجية) المأمولة بين كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية, فان الكيان الصهيوني سيتلمس رأسه, ليجد نفسه امام واقع جديد, ..ربما يكون هذا الواقع هو الاصعب على هذا الكيان منذُ عام 1948م.
ومضة: ﴿لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾, ..الطلاق.