
#الدين_والسياسة
مقال الإثنين: 4 /8/2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
يشيع معادو تطبيق منهج الله أن تقدم الغرب ما تحقق إلا عندما حيدوا الدين، لكن الحقيقة أن التقدم العلمي – التقني نشأ مواكبا للثورة الصناعية، والتي انطلقت من بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت هذه الثورة متطلبا للرأسمالية الصناعية، فالمكننة هدفت لزيادة الإنتاج، وللاستغناء عن اليد العاملة المُكْلفة.
مثلما أن الحملات الاستكشافية لم تكن بدافع البحث العلمي ولا لنشر الحضارة، بل البحث عن المصادر الطبيعية المجانية والأسواق التصديرية.
لم تكن بريطانيا علمانية، ومازالت إلى اليوم كذلك، إذ يعتبر الملك رئيس الكنيسة الأنغليكانية .. إذاً لا علاقة بين تقدم العلوم وفصل الدين عن الدولة، فالفصل جاء لوقف تدخل المؤسسة الدينية (الكنيسة الكاثوليكية) في القرارات السياسية.
هكذا تتهاوى فرضية أن العلمانية تحقق التقدم، فلماذا يصر المفتونون بها على القول أن سبب تأخرنا هو الربط بين الدين والسياسة، أو بما يسمونه: الإسلام السياسي؟.
لنبدأ أولا بالمبادئ الأساسية، وهي لماذا الدين أصلا؟، هل هو ترف فكري أم حاجة أساسية؟.
الدين أنزله الله للبشر، وليس لأي من الكائنات الحية الأخرى، فهو تكريم آخر لبني آدم مرتبط بأمانة التكليف، ومتوافق مع تمييزهم عنها بالعقل والنطق والإرادة.
وجاء كتعليمات إلهية بصيغة افعل ولا تفعل، تتناول كل ما يحتاجونه للعيش بسعادة، وتشمل كل مناحي الحياة الشخصية والمجتمعية والتعاون الأممي، اعتمدت على مبدأ الإيمان بوجود الله ويوم الحساب، كحافز بالثواب ورادع بالعقاب، وليس من شك في ان هذا الدافع المزدوج الخاضع للرقابة الذاتية، أقوى كثيرا وابلغ أثراً من اللجوء الى الردع بقوة السلطة.
إذاً، اذا قام النظام السياسي الذي ينتهج أسلوب الحكم الذي يختاره الشعب: سواء كان ملكيا أو جمهوريا أو غيرهما، بالالتزام بالمنهج الديني، فإن ذلك يمثل النظام السياسي الأمثل، وذلك لأن الدين ليس منهجا تجريبيا، وغير خاضع لمصلحة الفئة الأقوى في المجتمع، فهو الحكمة المطلقة، والعدل المطلق، لأن الخالق لا يحابي ولا يمالئ.
المشكلة تنحصر في مدى التزام نظام الحكم بالتطبيق (وهي المشكلة ذاتها في الالتزام بالديمقراطية أيضا)، بمعنى أن المسألة ترتبط بدرجة صلاح الحاكم وبطانته وتقواهم، أو في تحريفها لتوافق هواهم، وليست العوائق في التشريعات ذاتها فهي إلهية تمثل الصلاح والاستقامة المثاليان، لذا لا يُعتدُّ بتقييم البشر وحكمهم على صلاحيتها للتطبيق.
عندما نقول الدين، نقصد الإسلام، أي الدين النهائي الواحد، “شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ” [الشورى:13]، فالرسالات السابقة جزء من هذا الدين، كانت تتنزل بشكل تشريعات على أقوام محددين، ولزمن محدد، إذ لم يكن الأنبياء السابقون مكلفين بنشره لغير قومهم، فقط من كلف بنشره الى البشرية جمعاء، هو آخر رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الدين ما اكتمل إلا بالرسالة الختامية، وأصبحت التشريعات مدونة في كتاب الله (القرآن الكريم) المحفوظ الى يوم الدين.
هنا نصل إلى السؤال: طالما والأمر كذلك، لماذا الإصرار على استبعاد تأثير الدين من حياة الناس، بعد إذ تبين أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويحقق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؟.
الإجابة تكمن في أن الله خلق الحياة الدنيوية للابتلاء والتمحيص، فترك للإنسان الاختيار بين الإيمان والكفر، “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا” [يونس:99]، فلم يخلق البشر كالملائكة يرونه فيؤمنون قهرا، بل جعل ذاته العلية خفية عليهم، ليكون الإيمان به عقليا وليس حسيا، لأن إرادة الله عز وجل شاءت أن يبقى الصراع بين الحق والباطل قائما دائما “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ” [البقرة:251]، ولهذا حكمة عميقة، فالحق لا يقوى إلا بالصراع مع أعدائه، ولا تنكشف’ معادن الناس إلا بالإبتلاء.
نستنتج في الخلاصة أن من يحاربون الإسلام السياسي، هم يحاربون الإسلام أصلا، ومن يقولون إن الإسلام معتقد فردي وليس نظام حياة، هم يريدون تفريغه من محتواه وتحويله الى تراث إنساني وليس عقيدة إلهية.
الإسلام ليس مجرد طقوس وشعائر تديرها وزارة أوقاف وشؤون دينية … إنه نظام سياسي اجتماعي اقتصادي متكامل، أنزله الله ليطبق، ولن ينصر الله دولة إسلامية تمانعه.
ة مقال الإثنين: 4 /8/2025 بقلم: د. هاشم غرايبه يشيع معادو تطبيق منهج الله أن تقدم الغرب ما تحقق إلا عندما حيدوا الدين، لكن الحقيقة أن التقدم العلمي – التقني نشأ مواكبا للثورة الصناعية، والتي انطلقت من بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت هذه الثورة متطلبا للرأسمالية الصناعية، فالمكننة هدفت لزيادة الإنتاج، وللاستغناء عن اليد العاملة المُكْلفة. مثلما أن الحملات الاستكشافية لم تكن بدافع البحث العلمي ولا لنشر الحضارة، بل البحث عن المصادر الطبيعية المجانية والأسواق التصديرية. لم تكن بريطانيا علمانية، ومازالت إلى اليوم كذلك، إذ يعتبر الملك رئيس الكنيسة الأنغليكانية .. إذاً لا علاقة بين تقدم العلوم وفصل الدين عن الدولة، فالفصل جاء لوقف تدخل المؤسسة الدينية (الكنيسة الكاثوليكية) في القرارات السياسية. هكذا تتهاوى فرضية أن العلمانية تحقق التقدم، فلماذا يصر المفتونون بها على القول أن سبب تأخرنا هو الربط بين الدين والسياسة، أو بما يسمونه: الإسلام السياسي؟. لنبدأ أولا بالمبادئ الأساسية، وهي لماذا الدين أصلا؟، هل هو ترف فكري أم حاجة أساسية؟. الدين أنزله الله للبشر، وليس لأي من الكائنات الحية الأخرى، فهو تكريم آخر لبني آدم مرتبط بأمانة التكليف، ومتوافق مع تمييزهم عنها بالعقل والنطق والإرادة. وجاء كتعليمات إلهية بصيغة افعل ولا تفعل، تتناول كل ما يحتاجونه للعيش بسعادة، وتشمل كل مناحي الحياة الشخصية والمجتمعية والتعاون الأممي، اعتمدت على مبدأ الإيمان بوجود الله ويوم الحساب، كحافز بالثواب ورادع بالعقاب، وليس من شك في ان هذا الدافع المزدوج الخاضع للرقابة الذاتية، أقوى كثيرا وابلغ أثراً من اللجوء الى الردع بقوة السلطة. إذاً، اذا قام النظام السياسي الذي ينتهج أسلوب الحكم الذي يختاره الشعب: سواء كان ملكيا أو جمهوريا أو غيرهما، بالالتزام بالمنهج الديني، فإن ذلك يمثل النظام السياسي الأمثل، وذلك لأن الدين ليس منهجا تجريبيا، وغير خاضع لمصلحة الفئة الأقوى في المجتمع، فهو الحكمة المطلقة، والعدل المطلق، لأن الخالق لا يحابي ولا يمالئ. المشكلة تنحصر في مدى التزام نظام الحكم بالتطبيق (وهي المشكلة ذاتها في الالتزام بالديمقراطية أيضا)، بمعنى أن المسألة ترتبط بدرجة صلاح الحاكم وبطانته وتقواهم، أو في تحريفها لتوافق هواهم، وليست العوائق في التشريعات ذاتها فهي إلهية تمثل الصلاح والاستقامة المثاليان، لذا لا يُعتدُّ بتقييم البشر وحكمهم على صلاحيتها للتطبيق. عندما نقول الدين، نقصد الإسلام، أي الدين النهائي الواحد، “شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ” [الشورى:13]، فالرسالات السابقة جزء من هذا الدين، كانت تتنزل بشكل تشريعات على أقوام محددين، ولزمن محدد، إذ لم يكن الأنبياء السابقون مكلفين بنشره لغير قومهم، فقط من كلف بنشره الى البشرية جمعاء، هو آخر رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الدين ما اكتمل إلا بالرسالة الختامية، وأصبحت التشريعات مدونة في كتاب الله (القرآن الكريم) المحفوظ الى يوم الدين. هنا نصل إلى السؤال: طالما والأمر كذلك، لماذا الإصرار على استبعاد تأثير الدين من حياة الناس، بعد إذ تبين أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويحقق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؟. الإجابة تكمن في أن الله خلق الحياة الدنيوية للابتلاء والتمحيص، فترك للإنسان الاختيار بين الإيمان والكفر، “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا” [يونس:99]، فلم يخلق البشر كالملائكة يرونه فيؤمنون قهرا، بل جعل ذاته العلية خفية عليهم، ليكون الإيمان به عقليا وليس حسيا، لأن إرادة الله عز وجل شاءت أن يبقى الصراع بين الحق والباطل قائما دائما “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ” [البقرة:251]، ولهذا حكمة عميقة، فالحق لا يقوى إلا بالصراع مع أعدائه، ولا تنكشف’ معادن الناس إلا بالإبتلاء. نستنتج في الخلاصة أن من يحاربون الإسلام السياسي، هم يحاربون الإسلام أصلا، ومن يقولون إن الإسلام معتقد فردي وليس نظام حياة، هم يريدون تفريغه من محتواه وتحويله الى تراث إنساني وليس عقيدة إلهية. الإسلام ليس مجرد طقوس وشعائر تديرها وزارة أوقاف وشؤون دينية … إنه نظام سياسي اجتماعي اقتصادي متكامل، أنزله الله ليطبق، ولن ينصر الله دولة إسلامية تمانعه.